في إحدى حلقات المسلسل الكوميدي الناقد مرايا، يُظهر ياسر العظمة، الفنان الشعبي السوري المحبوب، الطريقة التي سيكون عليها حال العالم بعد خمسين عاماً، من حيث الاعتماد الكلي على الإنترنت، حتى في المناسبات، وتبادل الزيارات، ومراسم العزاء، لا أفجعكم الله بعزيز. وكيف سيتم تسيير شؤون البيت الاعتيادية، إنترنتياً، من طبخ، ونفخ، ومسح. وحتى "الصبحيات" التي تقوم بها النساء، من ثرثرة، وفضفضة، ونميمة، ونقل أخبار، و"استغياب"، بحق الجارات ستكون كلها على النت، وسيندثر وبكل أسف هذا التراث العظيم، من البلاغة الشعبية، وأدب الوشايات الانطباعي، كما هو الحال بالنسبة لأنشطة اجتماعية أخرى. وفي الحقيقة فإن الإنترنت، الشبكة العنكبوتية الدولية، بدأت، منذ عقد ونيف، تغزو العالم بطريقة مذهلة، وغير معقولة، وأصبحت مصدراً، ومسيّراً للكثير من النشاطات العلمية، والأدبية، والفنية، والتجارية، والثقافية...إلخ، لدرجة أن اقتصاد العالم، برمته، وبورصاته، ترتبط بها، الآن، ارتباطا وثيقاً. وقد انتشرت هذه التكنولوجيا البشرية الرائعة، والتي كانت نتيجة لإبداع العقل البشري المتحرر، والمتنور، الخلاق، وليست، بالطبع، من اختراع ملالي الطالبان، بحيث أصبح هناك شبه إدمان عليها، وأصبح هناك مدمنون يبدؤون صباحهم بها، ويتابعونها آناء الليل، وأطراف النهار. بل هناك من صارت حياته، ورزقه، ودخله، ومستقبله، يتوقف، كلياً، على هذا الأفق العلمي الثري، والفذ.
ومع احترامنا الشديد لهذا المسلسل الناجح، وما جاء فيه من استشراف مستقبلي، وبراعة ممثلنا القدير والناجح، نقول للأستاذ العظمة: لقد خاب ظنك، و"ما زمّر بـْنـَيـّك واللهي"، وكل توقعاتك قد ذهبت أدراج الرياح، وهذا بالنسبة للإنترنت السوري، على الأقل، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من بطء، وتعثر، و"فشكلة"، وتشفير، وانقطاع، وتعامل عصر حجري بائس مع صناعة كونية بالغة الدقة، والتقدم، والأهمية، بدل التعامل معها بانفتاح، ومرونة، وعقلية تجارية، وتسويقها بالمواصفات القياسية الدولية للمواطن السوري التواق لمواكبة منجزات العلم والمدنية، وتقديمه بأسعار تنافسية، و"متهاودة" تراعي دخل المواطن، وإمكانياته المادية المتواضعة، الذي يجد في النت متنفساً حقيقياً له، أمام الإعلام الذي قبل من الغنيمة بذاك الشكل النمطي الذي عهدناه، وألفناه. ولكي لا يستيقظ، ثمة صباح، ويصحو أرنب المعلوماتية، والنت السوري، وكما حصل في مجالات أخرى، ليرى يوماً، ما، أن السلحفاة العنكبوتية في جزر القمر، وجمهورية زائير، والصومال، وقد سبقته بسنين ضوئية، ويندم، ندامة الكسعي، حيث لا ينفع عندها الندم. فمعارك اليوم كلها تكنولوجية، وإعلامية، ومن يمتلك ناصيتها، يقطع نصف الطريق نحو المِنعة، والعز، والسؤدد، والمجد.
فالعقوبات التي تطال السوري في حياته صارت كثيرة، وصار من الواجب إضافة مادة لقانون العقوبات السوري، كعقوبة رادعة لمن تسول له نفسه الآثمة الخروج عن القانون، وكعقوبة رادعة له مثلاً، أن يحكم على المخالفين للقانون بالدخول للإنترنت لمدة ثلاث مرات يومياً للمخالفات البسيطة، لكي يكابد، ويعاني، ويتألم، ويعلم أن الله حق، وأن الدنيا ليست سائبة، نظراّ لما في الأمر من آلام، وويلات، وصعوبات، وآثار، وانفصال النت، ومغامرات محفوفة بشتى أنواع المخاطر والمفاجآت، ولا يحمد عقباها. إلا أن الإنجاز الأكبر للمسؤولين عن هذا النت هو في المساعدة في إقلاع الكثيرين من السوريين عن هذه العادة، ورفعهم للعشرات، وللرايات البيضاء، وأضيفت لها اليوم عقوبة الدخول، والتعاطي مع الإنترنت، بحيث صارت فعلاً بمثابة أشغال شاقة مؤبدة على ما يبدو.
صعوبة الدخول إلى الانترنت، وبطء التصفح، والتشفير الذي يطال كثيراً من المواقع، بسبب، ومن غير سبب، جعلت الكثير من المتصفحين يستسلمون، ويقررون الإقلاع عن هذه العادة الحضارية البذيئة، حسب نظرة المشرفين على تسويق الإنترنت في سوريا، وهذه فضيحة بكل المقاييس العصرية. وأعرف كثيراً من المدمنين أقلعوا عن هذه العادة، وحلفوا يميناً معظماً، بالثلاثة، و قطعوا عهداً، أمام الله، والمواقع المشفرة، والصفحات التي تنتع تنتيعاً، وتتمنع تمنع الغيد العذارى.
نحن جميعنا نعلم أن مكافحة الإدمان، وعلاجه هي من مهام، ومسؤوليات وزارات الصحة في جميع دول العالم، إلا عندنا، حيث تتداخل المهمات، والاختصاصات، بحيث تقوم في هذه الحالة وزارة الاتصالات بمعالجة حالة من حالات الإدمان التي زخرت بها المجتمعات الحديثة، وكل رسالتنا لوزارتنا العظيمة هي أن تقوم بعملها الأصلي على خير ما يرام، وتنفذ المهام الموكلة إليها بحرفية وإتقان، وألا تتعدى على صنعة، و"شغلة"، الآخرين، وباب رزقهم. فهناك أطباء، ومستشفيات، ومستوصفات، وممرضين، وممرضات، بانتظار أن يمارسوا اختصاصهم، وأعمالهم، وبانتظار أن يتعيّشوا ويسترزقوا، من عادات إدمان الناس، على شتى أنواع الإدمان، كالكحول، والمخدرات، وشبكة العنكبوت.
والحمد لله على سلامتكم جميعاً يا.........شباب.