معركة بغداد تحسم في المحمودية – مؤسسة البراق الإعلامية

تقدمة – من أرض السواد

تتحدث الدراسة عن حقيقة الصراع السياسي الدائر في العراق ، وتقوم توضيح مواطن الخلاف والإختلاف الحقيقية ودوافعها وامتداداتها وأهدافها القريبة والبعيدة ، بشكل يقوم بفضح النية الحقيقية وكشف الأقنعة المزيفة التي تختفي وراءها الشعارات التي تنادي بالوطنية وتلبس لبوسها بينما هي في حقيقتها طائفية محض.

ولعل فهم المنهاج الذي تسير بموجبه الجماعات المسلَّحة يمر حتماً من خلال قراءة هذه الدراسة لما تحتويه من إقرارات وإعترافات بالجرائم التي إرتكبت بحق الأبرياء لأسباب مرضية تكمن في عقول وضمائر (صانعي القرار) من الجماعات المسلَّحة.

وعند قراءة هذه الدراسة تنهار نظرية مقاومة الإحتلال بالكامل ، بسبب الإستعانة الظاهرة والمعلنة للجماعات الإرهابية المسلَّحة بالقوات المحتلة وإستعدائها على المجتمعات الشيعية من خلال التأليب والإتهام والطعن.

في تصوري إن أغرب ما تناولته هذه الدراسة هي الإعتراف الصريح بأن العشائر السنية مارست القتل والإغتيال (لإرجاع الأمور الى نصابها) على حد تعبير الدراسة ولطرد الشيعة من الدوائر المهمة والمجلس البلدي للمحمودية وتوظيف الرموز السنية .

وتستأنف هذه الدراسة لتصف الفجائع والإنتهاكات التي مورست إبان معركة الفلوجة الأولى وحتى وزارة الدكتور الجعفري .. لتصفها بأنها (هدوء) وأن الأمن مستتب ، ولمن لايتمكن من تمييز معاني هذه العبارة فالحقيقة هي أن المجاميع المسلَّحة الإرهابية كانت تمارس القتل وقطع الرؤوس وإغتصاب الحرائر وهي آمنة مطمئنة من العقاب الرادع من قبل القوات الحكومية وحتى قوات الإحتلال الأمريكي.

وتعترف الدراسة بأن أكبر جريمة نفذت في السوق الشعبي في المحمودية حيث فتحت النيران الخفيفة والثقيلة والهاونات ليذهب ضحية هذه الجريمة ما يربو على مئة مواطن لاذنب لهم إلا أنهم من أتباع أهل البيت، تعترف الدراسة بأن هذه الجريمة إرتكبتها العشائر السنية المحيطة بمدينة المحمودية.

لا أريد الإطالة فالدراسة خطيرة جداً  وفيها من الأسرار الستراتيجية ما يكفي للفهم والتبصرُّ بالمخاطر المحدقة بأهالي بغداد وديالى (الذين تتخلى عنهم فيدرالية الوسط والجنوب) من أتباع المذهب الإمامي على أيدي عشائر لم تتورع عن قتل الباعة والمتسوقين من العراقيين في سوق المحمودية من أجل وظائف .. وعضويات في المجالس البلدية.

أرض السواد

[ نص الدراسة]

إن ما يحصل في بغداد الآن من محاولة لتغيير طبيعتها السكانية وتغيير أصالتها ليس بجديد؛ فقد عانت بغداد من محاولات عديدة لتحويلها إلى بؤرة للولاء الفارسي.. وحصلت معارك وقتال عنيفة بين أهلها الأصلاء وبين مَن يحاول تغيير وجهها الوضّاء، فقد مرت بسبع محاولات كبيرة في هذا الاتجاه ...
بدأت مع دخول الدولة البويهية في القرن الرابع الهجري، ثم تواصلت إلى أن أنهى العثمانيون هذا الطموح الأهوج للفرس بقضائهم على الصفويين بمعركة جالديران، ومن أجل المحافظة على هوية بغداد بصورة دائمة شجّع العثمانيون استقرار العشائر السُنّية التي كانت موجودة في محيط بغداد، فأصبحت العاصمة (بغداد الصغرى) كنقطة في وسط بحر مترامي الأطراف من العشائر العربية الأصيلة من الجنوب والشمال والشرق والغرب (شمل مناطق الطارمية والراشدية والتاجي وأبو غريب والرضوانية والمحمودية وعرب جبور والمدائن والوحدة وغيرها من مناطق الطوق)، ومساحة مدينة بغداد (بغداد الصغرى) هي عُشر مساحة محافظة بغداد الكلية البالغة 4843كم2، ويقطن هذه الأعشار التسعة عشائر سُنّية كبيرة ذات عمق وامتداد واسع يدخل ضمن المحافظات المجاورة.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وبمباركة إيرانية صفوية، بدأت المحاولة الثامنة لتغيير وجه بغداد، وقد استفادت هذه المحاولة مما فعله رئيس الوزراء السابق عبد الكريم قاسم من إسكان أهل الجنوب -من سكان الأهوار ومن الطبقات المعدمة- في بغداد بتوزيع الأراضي عليم .. فقاموا -من حيث يعلمون أو لا يعلمون- بخنق مدينة بغداد (بغداد الصغرى) بحزام من (الشروك) لايمت الى بغداد الأصيلة يشمل الثورة (مدينة الصدر حاليا) والشُعلة وأبو دشير، إضافة إلى الحسينية وبغداد الجديدة وأجزاء من حي العامل.
واستفادت الحملة أيضاً من تركيز هجمات القوات الأمريكية على المناطق السُنّية ومناطق الطوق بصورة خاصة، بسبب المقاومة العنيفة التي واجهوها هناك، كما حصل ويحصل في اللطيفية واليوسفية والطارمية والبوعيثة وغيرها، واستفادوا كذلك من سيطرتهم المطلقة على الجيش والشرطة والأمن الوطني .
إن المحاولة الثامنة -وعلى الرغم من هذه التيسيرات- اصطدمت بالطوق السُنّي الهائل الذي يحيط ببغداد، فعملت على المحاولة الجادة والمتكررة لكسره ولو من منطقة واحدة أو منطقتين (وبالأخص من الجنوب والجنوب الشرقي) من أجل التواصل مع الكثافة الشيعية في الجنوب .. وإلا فإن استمرار هذا الطوق القوي على حالته يعني أحد الأمرين: إما أن يَترك الشيعة ذوو الولاء الايراني بغداد ويذهبوا إلى الجنوب وهذا يعني نهاية الحلم الايراني في تشييع العراق ومن ثم الانطلاق إلى دول الجوار، أو أن يكون وجودهم داخل بغداد محصوراً من كل الجهات، وكما قال أحد نوابهم: "سيكون شيعة بغداد رهينة بيد الإرهابيين" (يعني السنة)، ولذلك تم اختيار منطقتي المدائن والمحمودية (وهما من أقضية الجنوب والجنوب الشرقي لبغداد) .. فالمدائن هي البوابة التي يتصل بها شيعة بغداد بمحافظات واسط والعمارة والناصرية، أما المحمودية -وهي الأهم إستراتيجياً بالنسبة لهم- فهي تربطهم بمحافظات بابل وكربلاء والنجف والديوانية والسماوة، وبدأ التخطيط لكسر الطوق السُنّي في هاتين المنطقتين، وموضوعنا هنا هو ما قاموا به في المحمودية، وقد يكون لنا مقال آخر يخص المدائن.
ومن أجل رسم صورة واضحة لما حصل ويحصل الآن في المحمودية، كان لزاماً التعريف بالقضاء من جوانبه المختلفة:
يضم قضاء المحمودية ثلاث نواحي، إضافة إلى مركز المدينة، وهي: اللطيفية واليوسفية والرشيد.
يبلغ عدد السكان في المركز 116606نسمة (مدينة وريف) .. أما في كل القضاء 444886 نسمة وفق إحصائية 2004 (لوزارة التخطيط) ونسبة السُنّة 85% (انتخابات كانون الأول 2005 أنموذجاً)، والعشائر البارزة في المنطقة، هي: الجنابيين والغرير والسعيدات والجبور والعبيديين والحمير والدليم والعيثاويين، وكلها عشائر سُنّية، أما المساحة فهي تبلغ 1349كم2، وهو ما يعادل مساحة مدينة بغداد كلها (بغداد الصغرى).
ويمر طريق السياحة الدينية (الزيارة) بالقرب من كل هذه النواحي .. إلا أنه لا يخترق سوى المركز، ولذا فإن تأمينه في النواحي يكون من خلال فرض سيطرة مكثفة عليه .. أما بالنسبة للمركز، فالسيطرة لوحدها لا تكفي، لأن الطريق يخترق المدينة، وهذا يستلزم تغيير شكل المدينة أصلاً، وقد تم هذا التغيير حسب خطوات واسعة وكثيرة، يمكن تلخيصها وفق التسلسل التاريخي بالآتي:
إظهار الشعائر الحسينية بصورة كبيرة جداً لا تتناسب مع حجم وجودهم الحقيقي داخل المدينة، وشملت هذه الشعائر تغيير أسماء الأحياء والشوارع والمدارس، إضافة لنشر اللافتات بصورة (شبه إلزامية) على معظم محلات السوق، وكذلك فتح مكبرات الصوت في حسينياتهم بالمقاتل أو النواح أو المحاضرات الاستفزازية .. إضافة إلى فتح العديد من الحسينيات الجديدة ومكاتب للصدر والدعوة والمجلس الأعلى.
هذا ما حصل في بداية الاحتلال وفي الأيام العادية (الخالية من المناسبات)، أما في محرم فقد أغلقت الطرق وبدأت المقاتل (الشعائر الحسينية) في الشوارع وعلقت الرايات الملوّنة في كل مكان.
التهديد والوعيد لرموز أهل السُنّة وشيوخ المساجد .. فقد هدروا دم بعض المشايخ وجعلوا مكافآت مقابل ذلك، وخرجوا في مظاهرات للمطالبة بقتل بعض رموز السُنّة واتهموهم بأنهم إرهابيون وصداميون، كما حصلت بعض المضايقات لمرتادي المساجد في المدينة.
بدأت السيطرة على مؤسسات الدولة في المنطقة، فقد فرضوا سيطرتهم على المستشفى العام (فأصبحت تُدار من قبل السيد المعمم الحوزوي) وجاءت بعض الشخصيات ممن كانوا موجودين في إيران منذ عشرات السنين، وأصبحوا يمثلون المجلس البلدي ودوائر الدولة ومراكز الأحزاب الشيعية الموجودة في المدينة، وكانت هذه المرحلة تتم من قبل كوادر فيلق بدر.
كل هذه التطورات السريعة، والتي لم تستغرق عدّة أشهر اضطرت الجانب السُنّي إلى ترتيب أوراقه ومحاولة إعادة التوازن داخل المدينة، وبالفعل حصلت بعض المواجهات والاغتيالات وردود الفعل العنيفة، مما أرجع الحال إلى وضعه الطبيعي وسيطر السُنّة على المنطقة بصورة كاملة، ودخل ممثلوهم في المجلس البلدي ودوائر الدولة المختلفة، وهرب الغرباء من المدينة وحدث هدوء نسبي لمدة سنة كاملة تقريباً (قبل حرب الفلوجة الأولى وحتى تسلم الجعفري للحكم).
بعد تسلم الجعفري بدأت مرحلة جديدة من محاولات السيطرة على المدينة، وذلك عبر الاعتقالات الواسعة لأهل السُنّة من قبل القوات الأمريكية، إضافة إلى قطع الصلة بين نواحي القضاء ومركزه، مما أضعف التواصل السُنّي بين الريف والمدينة، ولم يكن هناك في بادئ الأمر وجود حقيقي للحرس الوطني على الرغم من وجود مقر لوائهم هناك، ولكنه كان لا يقوى على الظهور بشكل واضح.
بدأت حملة البرق من قبل مغاوير الداخلية بداية صيف 2005، باعتقال أكثر من ثلاثمائة شخص من أهل السُنّة في المدينة، تلتها حملات عديدة استهدفت روّاد المساجد والأسر السُنّية المتدينة، مما فتح الضوء لأول مرة لموجات من هجرة الأفراد أو الأسر السُنّية من داخل المدينة، ثم بدأت حملات اعتقال قوات الداخلية وفرق الموت .. وعلى سبيل المثال، فإن إحدى الحملات اعتقل فيها 12 شخصاً من مجمع القادسية، ومن ضمنهم العديد من طاقم إذاعة دار السلام ولم يعرف مكانهم إلى الآن.
هذه الحملات لوحدها لم تكن كافية لتغيير وجه المنطقة، لأنها متقطعة ولا تستطيع السيطرة على الأرض، مما فتح صراعا واسعا داخل منطقة المحمودية .
بعدها كانت الخطة الخبيثة في السيطرة التامة على المنطقة بعد إنهاكها، وكان ذلك عن طريق تسليم آمرية الفوج الثاني من اللواء الرابع (المسئول عن حماية مركز مدينة المحمودية) لأحد الضباط السُنّة ذو السمعة الجيدة في أوساط المقاومة (العقيد حسين شياع)، وقد استطاع هذا الضابط إبرام اتفاقية مع بعض العشائر وفصائل المقاومة، بالسماح للجيش أن ينتشر بأمان داخل المدينة، مقابل حماية أهل السُنّة داخل المدينة ومحاولة إرجاع التوازن في معظم مؤسسات الدولة هناك .
وقد ظهر ذلك جلياً في الانتخابات الأخيرة، حيث كان هناك تنافس كبير بين قائمتي 618 و555، ودرت عملية الانتخابات دون حصول أي مواجهة أو مُشادة بين الطرفين، وكان الفوز داخل المدينة لجبهة التوافق بنسبة ضئيلة، أما في النواحي الأخرى فقد حققوا فوزاً ساحقاً من دون وجود يذكر لقائمة الائتلاف.
وتم انتخاب مجلس بلدي جديد، بل عُيّن قائمقام جديد هو من أهل السُنّة في المحمودية (محمود الجبوري)، وكان معروفاً بتدينه ولكنه خُطف من مقر المجلس البلدي في المحمودية (عند حضوره لاجتماع رسمي) من قبل مسلحين يرتدون الزي الرسمي بعد يومين من تعيينه .. ولم يُعثر عليه إلى الآن.
وبعد أن سيطر الجيش على المدينة بدأت التغييرات السريعة داخل اللواء، انتهت باغتيال آمر الفوج وضابط استخباراته، وبعد هذا الحادث بدأ التدهور يحل بالمنطقة بصورة دراماتيكية.
تم خنق المحمودية بأكثر من عشر منافذ للسيطرة، قطعت الصلات بكل الأرياف المحيطة، ثم بدأ الأمن الوطني بالكشف عن هويته الحقيقية (صورة رسمية لمليشيات جيش المهدي)، وتحول المجلس البلدي بصورة كاملة للشيعة، وتم تغيير مسئول الشرطة بآخر شيعي، وجيء بقائمقام شيعي أيضاً، وأصبحت مؤسسات الحكومة بصورة كاملة للشيعة، وتم تصفية كل الإدارات المدنية والعسكرية لأهل السُنّة خلال عدّة أشهر عن طريق النقل أو الاعتقال أو الاغتيال .
وظهر جيش المهدي بصورته المنظمة والعدائية للسُنّة بشكل فاضح بعد الانتخابات بفترة ليست بالطويلة، على عكس ظهوره في بغداد، والذي لم ينضج إلا بعد أحداث تفجيرات سامراء، وكم حاول البعض إقناع القيادات السُنّية بحقيقة ما يروه من هذه المليشيات إلا أن معظمهم لم يكن يعي حقيقتها.
رافق هذا التطور الرسمي تطورا ميدانيا؛ إذ تشكلت مجاميع في معظم أحياء المحمودية باسم جيش المهدي، وفتحوا مكاتب للصدر في معظم هذه الأحياء، وبدأت حملة الاغتيالات الموسّعة لمعظم خطباء وأئمة المساجد، إضافة إلى قتل العشرات من المصلين، ثم تحولت الاغتيالات إلى أصحاب المحلات السُنّية لجعل السوق منطقة شيعية حصراً.
وما كان لهذا الأمر أن يتم لولا عدّة أمور ساعدت على ذلك، منها:
الأول: مجيء أفواج عديدة من جيش المهدي من محافظتي الديوانية والعمارة، بلغ عددهم المئات وكانوا تحت قيادة ميدانية حضرت إلى المنطقة بأمر مباشر من قيادة جيش المهدي، وهؤلاء معروفون بصلة مباشرة مع إيران وتم اختيارهم بدقة للمحمودية، لأهميتها في المشروع الشيعي في العراق، وتم إسكان هؤلاء الأشخاص في مجمع القادسية ومجمع القعقاع وحي الجزائر وحي القادسية في الحسينيات وبيوت بعض الشيعة في بادئ الأمر، ثم بدؤوا يستولون على منازل السُنّة المهاجرين، وبالأخص في مجمع القعقاع والقادسية السكني.
الثاني: قلّة الوعي السُنّي بجناحيه السياسي والعسكري بأهمية هذه المنطقة، فإنه على مدار أكثر من سنة من التغييرات الهائلة، التي تحدث في هذه المنطقة، لم تكن هناك تحركات (على قدر خطورة الموقف) لا من قبل فصائل المقاومة التي تملأ كل نواحي القضاء، ولا من الجهات السياسية السُنّية التي حازت على معظم أصوات هذه المناطق.
ثالثاً: الاهتمام الكبير الذي نالته المنطقة من سياسي الشيعة وحركاتها وإعلامها، والسيطرة شبه الكاملة على الأجهزة الأمنية هناك.
رابعاً: الدعم الأمريكي المتواصل لهذه الحركة التغييرية في القضاء من أجل إيقاف ضربات المقاومة، وهذا ما حصل بالفعل، فلم تسجل أي إصابات للجيش الأمريكي في هذه المنطقة منذ شهور.
وبعد أحداث سامراء، بدأت مرحلة جديدة أشد خطورة، بمهاجمة بعض مساجد المحمودية وبالأخص (الأمين ومائدة الرحمن والجهاد والمصطفى) وبدأت عمليات التهجير الموسّعة وبدأ مسلسل الاغتيالات اليومي، فلا يكاد يمر يوم إلا ويستشهد شخص أو شخصين من أهل السُنّة، وهُجّرت أسرة أو أكثر من أهل السُنّة، والجيش يؤمِّن كل المداخل والمخارج، فلا أحد يستطيع الحراك أو إنقاذ أهله.
أدّت هذه الجرائم إلى احتقان طائفي هائل داخل المدينة، عانى منه كل أهل المدينة الاصطلاء من سُنّة وشيعة ..
وحرّك القتل الطائفي بعض العشائر السُنّية لحماية نفسها ولأخذ الثأر لرجالاتها المقتولين في المدينة، فحدث في يوم 17/7/2006 هجوماً قامت به بعض العشائر السُنّية على سوق المحمودية، وقاموا بقتل أكثر من خمسين شخصاً، معظمهم من الناشطين في جيش المهدي وفيلق بدر، وبعد يوم فقط حدث رد فعل مريع من قبل مليشيات جيش المهدي، شمل الدخول على منازل أهل السُنّة وقتل أبنائهم أمام أعين أهاليهم، والجيش والأمن الوطني يؤمِن لهم المنطقة بمساندة أمريكية.
وظهرت أهمية هذه المنطقة بالنسبة للتيارات الشيعية وتوحدهم تجاهها في يوم الهجوم، إذ قاطع بعض أعضاء الائتلاف جلسة البرلمان (وهي سابقة لم تحدث من قبل ولا أظنها ستحدث لاحقاً)، وتكلّم جلال الدين الصغير وهادي العامري وكل رموز الشيعة وبأعلى المستويات عن هذه الحادثة.
بل إن الصدر أرسل أبرز رجاله (حازم الأعرجي) مع مئات من جيش المهدي إلى مدينة المحمودية في اليوم التالي، وقاموا بتأليب الوضع على أهل السُنّة وأعطوا الأموال لأسر القتلى من جيش المهدي، واستغلّ الجيش هذه الوضعية، فقام بإسناد كل أعمال القتل واعتبرها ردود فعل طبيعية. إن الأجهزة الأمنية في المحمودية أصبحت تعمل بصورة متناسقة وتحت قيادة التيار الصدري، وتحول العقيد علي (آمر اللواء) ومعاونيه في جيش المهدي يخطط معهم ويقتلون معهم ويبررون أفعالهم .
امتازت هذه المرحلة بهجران المساجد من روّادها، والاكتفاء بخطب موجزة بسيطة يلقيها أحد الحاضرين يوم الجمعة من أجل إتمام الفرض ليس إلا، وأصبح حرّاس المساجد هم أهم المطلوبين... وغدا خروجهم من المسجد يشكل خطورة كبيرة عليهم، فترى أحدهم يبقى داخل المسجد لأسبوع أو أكثر دون الخروج ليرى أهله أو يقضي بعض حوائجه.
وأيضاً بدأت هجرة واسعة جداً شملت الكثير من بيوت السُنّة وبعض الشيعة خوفاً من تفجّر واسع للوضع لا يُعرف حدوده.
وبدأت العمليات الموسعة في اختطاف أهل السُنّة والقتل على الهوية وحواجز وهمية داخل المدينة لاعتقال وقتل أي سُنّي (خاصة وإن كان من أهل المساجد أو العشائر)، وأيضاً بدأت عمليات التعذيب والتمثيل بالقتلى، ونضرب لذلك مثلاً واحداً من مئات الأمثلة المتكررة يوميا.
حدث في حسينية المصطفى في مجمع القعقاع -وهي المركز الرئيس لجيش المهدي، وفيها أماكن خاصة للتعذيب-، بعد أن اعتقل العديد من أهل الريف، بدؤوا يعذبونهم ... حاول أحدهم الهرب فضربوه في قدمه، ثم أخذوه إلى ساحة الملعب أمام الناس، وهم يمسكون رشاشاتهم، وقالوا له أهرب والدم ينزف من قدميه، وبدأوا يتسابقون بينهم أيّهم أدقّ تصويباً، هو يركض والكل يصوب نحوه، وهم يضحكون -ويتعلمون الرماية من خلال تصويبهم عليه- حتى سقط قتيلاً أمام الناس وعشرات الرصاصات قد اخترقت جسده.
والعجيب في كل هذه الأحداث هو الدور الأمريكي الخبيث، فعلى الرغم من كل الشكاوى التي وصلت لهم لم يحركوا ساكناً، حتى إن بعض الأهالي أوصل لهم كل المعلومات التفصيلية عن أسماء وأماكن جيش المهدي وأسلحته ومقرات تعذيبه، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً، وقد اقتحموا في أحد الأيام شقق التعذيب وصوروها، ولم يقوموا بأي إجراء فعلي لوقف هذه الانتهاكات، واعتقلوا بعض حراس المساجد، وسلموهم للحرس الوطني، وهجموا على الريف بالطائرات والمدرعات في اليوم الذي شنّ فيه أهل العشائر هجومهم على جيش المهدي.
ولقد رفعت عشائر المنطقة وبعض رجالها شكاوى لوزارة الدفاع ومجلس الوزراء وأعضاء البرلمان، وعقدوا لقاءات ببعض المسئولين، لكن هذا لم يسفر عن أي نتائج فعلية.
والأدهى من ذلك، أرسلت العشائر أحد ممثليها، وهو الشيخ كريم غثوان (من عشيرة الغرير) إلى قائمقام المحمودية ليحاول التوصل إلى اتفاق لتهدئة الوضع، إلا أنه اختطف مع ابنه من أمام القائمقام، ووجدوه بعد يوم ميتاً وقد أحرقت جثته.
إن هذا الحال لا يزال مستمراً إلى الآن، وإذا بقى على ما هو عليه لعدّة أشهر أخرى، فلن نجد أي سُنّي في المحمودية، وبهذه الطريقة تكون معركة بغداد قد حُسمت بصورة كاملة للشيعة .. فمدد الجنوب المستمر سيبقي بغداد تحت رحمتهم.
ستكون (الزيارات) هي الطريقة المثلى لترويع أهل المناطق المجاورة واستئصال مَن بقيَ منهم صابراً مرابطاً؛ فقد قام هؤلاء عدد من المندسين مع (الزوار) في الزيارة الشعبانية الأخيرة، بقتل اثنين وسبعين سُنّياً في المحمودية واليوسفية واللطيفية .. ولعلَ هذا ما سيكون عليه منهجهم في أي زيارة قادمة وخاصة في محرم القادم.
إن الوضع في مدينة المحمودية لم يُحسم بصورة نهائية إلى يومنا هذا، والى الآن هناك فرص حقيقية في استدراك الوضع عن طريق الضغط السياسي والإعلامي والعسكري من أجل استبدال اللواء الرابع (لواء جنوب بغداد) بلواء آخر كما حصل في الدورة، أو تكوين أفواج من أهل المنطقة كما حصل في الطارمية .. ولكن مثل هذه الخطوات تحتاج إلى تدخل واسع لكل مَن يهمه مستقبل بغداد.
إن الحرب في المحمودية الآن غير متكافئة تماماً، فقادة المشروع الطائفي ذو الولاء الايراني بكل إمكانياتهم المادية والمعنوية يعملون بجد لإنهاء ملف المحمودية لصالحهم، ولا يُقابل هذا المسعى، تحركا بنفس المستوى من قادة المشروع الوطني بل ترك أهل المحمودية لوحدهم في هذه المواجهة العنيفة.

http://www.alboraqmedia.org/index.php?id=378

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com