ليتني كوري شمالي يا موسى الحسيني

الدكتور صالح عبد الجبار / أكاديمي عراقي مقيم في بيروت

salihjabbar@gawab.com

منذ أيام وأخبار التجربة النووية الكورية تملأ وسائل الإعلام. وهذا يستدعي للذاكرة قصيدة لشاعر مجهول تداولتها مواقع الإنترنت قبل عدة أعوام يقول مطلعها:

ليتني كوري شمالي

شامخ والرأس عالي

حين سمعت الخبر كنت أتصفح كتاب موسى الحسيني عن "ساطع الحصري والخطاب الطائفي الجديد". لابد من الإقرار بشيئين، الأول: أن هذا الكتاب يدعو القاريء الى التفكير مجددا في معنى كلمة كتاب. فحين ترى كتابا في المكتبة يحمل عنوانا معينا تتوقع أن يكون الكتاب يتحدث عما يذكره العنوان عملا بالبديهية التي تقول إن الكتاب يقرأ من عنوانه، ولا يمكنك بأي حال من الأحوال توقع أن تجد ذلك الكتاب عبارة عن عدد من الأوراق المصفوفة معا مليئة بسيل طويل من الشتائم والإتهامات للشخصية العراقية المعروفة حسن العلوي، ومغلفة بغلاف ملون عليه العنوان وصورة للحصري. الشتائم والإتهامات تصل أحيانا الى حد مقذع يندى له الجبين ويخدش حياء الذين يستحون من القراء، مما يعطيك فكرة عن مقدار الحياء الذي يملكه الكاتب. وهذا يقودنا الى الإقرار الثاني الذي لابد منه وهو أن لهذا الكاتب قدرة غير عادية على السباب والشتم فهو يشتم ويسب ويشتم ويكيل الإتهامات ثم يعود الى السب والشتم على مدى صفحات الكتاب التي قاربت الثلاثمائة. ومن أبرز الأشياء التي يذكرها على أنها مثالب لحسن العلوي أن الأخير إسمه حسن عليوي، وأن والده كان عاملا بسيطا فقيرا، ولاأدري مالضير في ذلك؟ وأنه من أصل إيراني أو هندي!! وهنا مجال الإرتباط بخبر التجربة النووية الكورية والقصيدة:

 

ليتنى كورى شمالى
ما خضع والا تهاون
أو جبن مره وهادن
أو خضع ذلّ ، وتعاون
راسي مثل الجبالى
ليتنى كورى شمالى

 

فلا أدري مالمشكلة في أن يكون الشخص هنديا أو إيرانيا أو روسيا أو من موزنبيق؟ إنها طريقة التفكير الضيق والعنصري المستشرية بين أدعياء الثقافة صغار العقول والنفوس الذين تحدث أزمة في جميع الأشياء في عالمنا ولاتحدث أزمة في عددهم الوفير على مر العصور وبين جميع الأمم. فمثل موسى الحسيني هناك الكثير الكثير من أصحاب التفكير الغوغائي الذين يهرفون بما لايعرفون ولايعرفون أبعاد كلماتهم.

لو كان حسن العلوي هنديا أو إيرانيا فلماذا يخفي أصله؟ ألا يعلم الباحث الذي لايشق له غبار موسى الحسيني أن الهند أمة كبيرة قوامها حوالي المليار نسمة متقدمة في جميع المجالات العلمية والثقافية والصناعية وهي دولة نووية وأن لها من التاريخ ماتفاخر به الأمم؟ وأن إيران لها من المفاخر على مرالتاريخ ما ينبغي إحترامه وكذلك حاضرها مبعث فخر لأبنائها؟ فلماذا يتوقع هذا العبقري الذي جاد به الزمان على إمتنا العربية بعد أن أقحلت وأجدبت، لماذا يظن أن الهنود والإيرانيين يتركون أممهم ويزاحمونه على إنتمائه. وهل يعلم أن الإنتماء شعور طبيعي عند أبناء الأمم فمثلما يفتخر العربي بعروبته يفتخر الهندي بهنديته والإيراني بإيرانيته والإثيوبي بكونه إثيوبيا؟ وهل يعلم أن المرضى أمثاله موجودون بين جميع الأقوام والأمم فهناك عدد كبير ممن هم على شاكلته بين الإيرانيين وبين الأوربيين الذين يعيش بينهم وبين اليهود، الذين طالما إحتفلوا به وبأمثاله، تكون لديهم كلمة العربي شتيمة.

متى يتعلم موسى الحسيني ومن هم على شاكلته من الصغار أن إدعاء الإنتماء الى قومية معينة يستدعي أولا وقبل كل شيء أن يجيد لغتهم، وهو لايحسن كتابة جملة مفيدة من دون أن يرتكب من الأخطاء اللغوية ما يضعضع مضجع سيبويه ويدمي مقلة الفراهيدي التي جفت منذ الف وثلاثمائة عام. ناهيك عن لغته الإنكليزية وهو يدعي أنه أنجز شهادة الدكتوراه في إنكلترا في حين يذكر الذين حوله أنه لايشتري إحتياجته اليومية إلا من محلات يديرها من يتكلمون العربية بغض النظر عن أصولهم لأنه من المستحيل عليه أن يقول عبارة "أريد علبة سجائر" باللغة الإنكليزية؟

متى يتعلم هذا الشتام اللعان وكل أمثاله الصغار من حوله أن الإنتماء الى أمة والإعتزاز بها شعور طبيعي وصحي، إلا إذا تحول حامله الى قرد وبدأ يرى نفسه أفضل من بقية البشر وهو في حقيقة الأمر مضحكة يراقبها الناس كي يرفهوا عن أنفسهم؟ أليس هذا هو حال موسى الحسيني كلما أطل على الناس من شاشة محطة أي أن أن ومن قبلها محطة المستقلة حيث عمل مذيعا متملقا في القناتين؟ إذ كلما طلع على الناس يبقون ينتظرون قفشاته البليدة لكي يبقوا يتندرون بها حتى موعد الحلقة التالية؟ هل ينسى الناس أنه أراد مرة أن يمتدح لبنان فأطرى الإنفتاح الجنسي فيها مؤكدا أن زوجته لبنانية منفتحة وهو فخور بذلك؟ ومرة أراد أن يمتدح تونس ويتملق رئيسها ويحببها للسائحين من بلدان الخليج فقال "لاأدري لماذا لايتوجه الخليجيون الى تونس؟ إذا كانوا يريدون الشواطيء والنساء العاريات فهن هناك، وإذا أرادوا الجنس فهو في تونس أكثر من أوربا!"

فمن هو موسى الحسيني؟

المعروف أنه إبن رجل الدين الشيخ عبد الزهرة الحسيني، مع أن المقربين من الشيخ عبد الزهرة سمعوه ينهاهم عن مخاطبته بلقب "أبو موسى" قائلا: "إنه مني مثل إبن نوح، عمل غير صالح". ذلك أنه لم يترك عملا منكرا إلا وإرتكبه ولم يترك عملا خيرا إلا وبين بوضوح شديد إبتعاده عنه. فهو في حياته ماصام ولا صلى ولا قرأ القرآن، يجتنب الفضيلة وتستهويه الرذيلة، يشرب الخمر ويعاقر ملذات الجسد (بأنواعها) في رمضان والأشهر الحرم ولايتورع عن الدناءآت في مختلف الظروف والأوقات.

هذا الباحث الذي هزت طروحاته مشارق الأرض ومغاربها، فمشت بذكره الركبان، وتحدثت عنه القبائل البدائية في أدغال إندونيسيا، وتنادت الفيلة الإفريقية بإسمه، يصر على أن لديه شهادة ماجستير ودكتوراه مع أنه ليس لديه أي كتاب أو بحث مطبوع أو غير مطبوع لا في الجامعة التي يزعم أنه درس فيها ولا في خارج تلك الجامعة، لا في كلية لندن في العلوم الإقتصادية ولا في جامعة سالفورد التي لايجيد حتى نطق إسمها، وقد بحثت في أرشيف تلك المؤسستين  في سنوات 1982 و 1989 التي يزعم أنه درس فيها، ولم أجد له أسما ولا حرفا ولا ذكرا.

وهو يزعم أنه كان ضابطا في الجيش العراقي، والحقيقة أنه كان رئيس عرفاء مطوع. يزعم أنه حكم عليه بالإعدام في العراق في فترة السبعينات، ثم يذكر بعد سطور قليلة على غلاف كتابه المعجزة أنه حصل على البكالوريوس من الجامعة المستنصرية ببغداد في الفترة نفسها، فكيف يدرس محكوم بالإعدام في الجامعة ويحصل على الشهادة؟ بينما يصر من يعرفون ماضيه أنه لم يدرس شيئا من علم النفس على الإطلاق وأنه لم يكمل الخامس أدبي، ففشل وتطوع في الجيش. لكنهم يذكرون أنه مر بفترة نفسية حرجة فقضى ثمانية أشهر في المصحة العقلية في منطقة الشماعية (وهي ليست بعيدة عن المستنصرية بالمناسبة)، وهذا ربما يفسر إصراره على أنه يفهم في علم النفس، كما يفسر تصرفاته غير المتوازنة.

ولهذه الظروف فإنه لم تتم ترقية مراتبه في حزب البعث مع إنه إنتمى في عام 1970 وبقي من صنف كتاب التقارير الصغار فجاد به مسؤولوه على أبو نضال كي يتجسس عليه لصالح الحكومة العراقية، ووثق به أبو نضال ووضعه في مطبخه كي يكون طباخه الخاص، ولكنه بدأ بالتجسس لصالح الإسرائيليين، وهرب من أبو نضال حين إكتشفه الأخير وأراد قتله. وبقي فترة في سوريا ولكنه لم يتوقف عن التجسس لصالح الموساد، فإعتقلته المخابرات السورية، ثم أطلق سراحه بوساطة ليبقى تحت المراقبة. ونفعته الأموال التي سرقها من العراقيين في سوريا في إعطاء الرشوة والسفر وطلب اللجوء في بريطانيا. وقد رفضت السلطات البريطانية منحه اللجوء لعلاقته بمجموعة إرهابية، ولكن الموساد الإسرائيلي أنقذه حين كتبوا لوزارة الداخلية البريطانية أن عمله مع أبو نضال لم يكن عملا إرهابيا لأنه كان في حقيقة الأمر يتجسس لصالحهم.

بعد كل هذا نريد أن نعلم أيها الكاتب والمحلل الكبير، إذا كنت لاتعرف شيئا عن تاريخ العرب ولا عن مآثرهم ولاعن آدابهم ولا تحسن لغتهم فما مجال فخرك بهم؟ بل ما هو فخر العرب بأمثالك، وأنت تحمل كل هذا التاريخ وهذه الصفات؟

وأخيرا مالمشكلة في أن يكون حسن العلوي هنديا أو إيرانيا ولسان حالنا في زمن التدهور العربي يقول

 ليتني كوري شمالي

شامخ والرأس عالي

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com