حكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .. الحلقة الثالثة

البرنامج التغييري وآفاق الإصلاح

المفكر الشهيد عز الدين سليم

إعداد المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية

اما ثاني المحاور المركزية لمشروع حكومة  أمير المؤمنين (ع) فهو:

2ـ الحاكم أمين الأمة ووكيلها:

من الخصائص المركزية للقيادة العامة للمسلمين، انّها تمثل ((عقداً شرعياً)) بين الأمة أو مثليها من جهة، ومن يتصدى للقيادة فيه.

وهذا العقد يشمل على الايجاب والقبول معاً: ايجاب من الأمة أو ممثليها، والقبول ممن يتصدى للقيادة العامة فيها!!!

ويضم هذا العقد شروطاً قانونية لابد من التزامها، بعضها منوط بالحاكم، وبعضها منوط بالأمة ذاتها:

ـ واهم واجبات الحاكم المسلم: الالتزام الإسلامي، وإجراء قوانيه، واقامة العدل بين الناس، وصيانة حقوقهم، ورعاية مصالح الأمة العامة، والدفاع عنها.

ـ وأهم واجبات الأمة تجاه الحاكم المسلم: اطاعة الحاكم العادل فيما يأمر به وينهى في اطار القانون، وفي حدود المصلحة العامة، ولا طاعة له فيما سوى ذلك إذ ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).((المؤمنون عند شروطهم)) في العقود، والمواثيق!

لقد حرص أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أن تكون الممارسة عنده سابقة للفكر، والعمل سابق للقول... يقول الإمام (عليه السلام) حول الشروط القانونية الأساسية المتبادلة بين الحاكم، والمحكومين في امشروع الإسلامي: ((أيها الناس، إن لي عليكم حقاً، ولكم عليَّ حق: فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطّاعة حين آمركم))(نهج البلاغة،نص34،ص79)

ويصدر الإمام (عليه السلام) مرسوماً حكومياً حول مهمة الولاة، وحدود عملهم في اطار القانون الإسلامي، يقول فيه: ((فانصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجكم، فانّكم خزان الرعية، ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة، ولا تحشموا أحداً عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته..))(نهج البلاغة، نص 51،ص425، تحشموا:تغضبوا)

((..إنّ عملك ليس بطبعه، ولكنه في عنقك أمانة..))(نفس المصدر/كتابه رقم5،ص366)

وما دام الحاكم المسلم وكيلاً عن الأمة، أميناً على شؤونها في المنظور الإسلامي، فإنه في منطق أمير المؤمنين (عليه السلام) لابدّ أن يتحلى بالخصائص النفسية والسلوكية التالية،ليؤدي تلك الأمانة بجدارة، وكفاءة عالية، يقول الإمام (عليه السلام): ((انّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم، والأحكام، وإمامة المسلمين:

ـ البخيل، فتكون في أموالهم نهمته

ـ ولا الجاهل، فيضلهم بجهله

ـ ولا الجافي، فيقطعه بجفائه

ـ ولا الحائف للدول، فيتخذ قوماً دون قوم

ـ ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع

ـ ولا المعطل للسنة، فيهلك الأمة))(نهج البلاغة، خطبة 131،ص189، النهمة:الشهوة الشديدة، والحرص المفرط. الحائف: الجائر، الظالم. الدول:المال، والحائف للدول: الذي يظلم في توزيع الأموال، فيفضل جماعة على أخرى. المقاطع: الحدود التي حددها الله تعالى)

ويتحدث الإمام (عليه السلام) في مناسبة أخرى حول أفضل الحكام، وأفضل خصائصهم، فيقول: ((فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هُدي وهدى، فأقام سنّة معلومة، وأمات بدعة مجهولة. وإن السنن لنيّرة، لها أعلام، وإنّ لظاهرة، له أعلام. وإنّ شرّ الناس عند اله إمام جائر ضَلّ وضُلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيى بدعة متروكة،. وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصيرٌ ولا عاذرٌ، فيلقى في نار جهنّم، فيدور فيها كما تدور الرّحى، ثمّ يرتبط في قعرها))(نهج البلاغة، كلام 164،ص234ـ235)

وما دام الحاكم المسلم أميناً للأمة، ووكيلاً عنها، ومسؤولاً أمامها بعد الله عزّوجلّ، فلا ينبغي أن يغريه منصب، أو موقع أو جاه، كما لا ينبغي أن يخضع لنفوذ ذوي الجاه والمال، والامكانات في المجتمع، مما يضر بمسؤولية الحاكم، ووظيفة وكالته عن الأمة، ولنقرأ هذا المرسوم العلوي الخالد الذي يسجله أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمير الوجود، مخاطباً به أحد ولاته: ((فاخفض لهم جناحك، وألِن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآسِ بينهم في اللحظة والنّظرة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإنّ الله تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالهم والكبيرة، والظاهرة والمستورة، فإن يعذّب فأنتم أظلم، وإن يعف فهو أكرم))(نهج البلاغة، كتاب17، ص383).

ويشدد النكير على موظفي دولته الكبار من أن يحابوا الأثرياء وذوي الجاه في المجتمع، لأن ذلك يهز ميزان العدالة، ويضعف من قيم الحق، وينزل الحيف بالضعفاء: ((أما بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني انّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبةٍ فأسرعت إليها يُستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت انّك نجيب إلى طعام قوم، عائلهم مجفوّ، وغنّيهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه))(نهج البلاغة، كتاب الإمام إلى واليه محمد بن أبي بكر،45،ص416 ـ 417).

ويعمم روح الأمانة التي ينبغي أن يتلبس بها أصحاب المسؤولية في الدولة على جميع مفاصل الدولة، ومسؤوليها في الجيش، والتوزيع للأموال وجباية الأموال والحكم بين الناس، فيخاطب مرسومه التالي جباه الضرائب في البلاد عامة: ((فانصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم، فإنكم خزّان الرعيّة، ووكلاء الأمّة، وسفراء الأئمة، ولا تحشموا أحداً عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة شتاء أو صيف، ولا دابّة يتعملون عليها، ولا عبداً، ولا تضربنّ أحداً سوطا لمكان درهم، ولا تمسُّنّ مال أحد من الناس، مصلًّ ولا معاهد))(نهج البلاغة، كتاب، 51،ص425).

((ولا تروعنّ مسلماً ولا تجتازنّ عليه كارهاً، ولا تأخذنّ منه أكثر من حقّ الله في ماله، فإذا قدمت على الحيّ بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمّ امض إليهم بالسّكينة والوقار، حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم، ولا تخدج بالتحيّة لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني وليّ الله وخليفته، لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حقٍّ قتؤدّوه إلى وليّه. فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تداخلها إلاّ باذنه، فإنّ أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول نتسلّط عليه ولا عنيف به، ولا تنفَّرَنَّ بهيمة ولا تفزعنّها، ولا تسوءنَّ صاحبها فيها، واصدع المال صدعين ثمّ خيّره، فإذا اختار فلا تعرضنّ لما اختاره، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله، فاقبض حقّ الله منه، فإن استقالك فأقله، ثمّ اخلطهما ثمّ اصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله في ماله))(نهج البلاغة، وصية25، ص381. تخدج بالتحية: تبخل عليهم بها.استقالك: إذا طلب اعفاءه من هذه القسمة)

يتبع

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com