من امراض البعث المتفشية في العراق

مروان توفيق

marwn33@yahoo.com

من علياء سموه لعمارة هذه الارض بالخير والمحبة ينحدر الانسان ويدنو من الحيوانية بمناداته بتميز قومه عن باقي الناس , ويحذو حذو الوحوش في تعصبه حين يدعي أولويته على باقي الاقوام من جنسه الانساني . ولهذا جاءت الاديان تذكره بأصله مرارا وتكرارا وتعيد الى ذهن الاجيال بداية الخلق ونشأته ,فهو من تراب خلق والى تراب يعود ومن نطفة حقيرة نشأ ومنتهاه الى فناء, ولا فرق بين اسود أو أحمر أو بين عربي واعجمي الا بالتقوى والعمل الصالح وغيرها من تعاليم سمحاء واضحة, ولو أردنا جمع ما أتت به الاديان في مفهوم الانسانية لضاقت السطور عن تتبع ذلك, ولاننسى أن نذكر تسخيف الفلسفة المادية للقومية ومحاربتها لها كذلك .

ولكن على الرغم من كل هذا يميل الانسان الى طبعه الحيواني ليمجد عمل القطيع ويتعصب لقومه فتراه ينصر أخاه ظالما كان أو مظلوما ويميل لأهله وعشيرته وأن كان الاهل والعشيرة من ظلمة الناس ومن اهل الفساد والافساد. ووفقا لهذه العصبية الحيوانية لاقت المبادئ التي تحث على العصبية و تنادي بالقومية انتشارا وقبولا من خلق كثير من بني الانسان , وأن كانت تلك المبادئ اختلفت في مقدار تعصبها فمن تعصب هين الى ما يطلق عليه في عصرنا ب (الشوفينية) لوصف من ينادي بسمو عرقه عن باقي الاجناس بتعصب شديد كالنازية وغيرها.

سرت مبادئ العصبية حتى عمت البسيطة وهي وأن كانت حجة موحدة لطرد المستعمرين كما هو الحال في بلاد المشرق لكنها كانت في نفس الوقت تنحى نحيها في تقوية النازع التعصبي مشيدة صروح فارغة من العنجهية والاستعلاء على الاخرين, نابشة في احقاب الماضي لتذكر مفاخر الاجداد على الرغم من فوارق السنين واختلافات الحوادث والاجيال. وهكذا نشأت أجيال على التفاخر بالقومية والعرق وبالتباهي الفارغ تسد منقصة في حاضرها بجلب مفخرة من زمن غابر وكأن المفاخر محصورة في ابناء ملة واحدة عن غيرها ونسى اهل التعصب أن هذا الجمع من الناس الذي وجد من طين الارض هو جمع واحد فرقته الازمنة والأماكن ليتولد من ذلك لغات وعادات تبدو انها فرقت بنى الانسان , لكن اللبيب والمتأمل في لغات الناس وعاداتهم يرى بوضوح تشابه الاصول والجذور ويجد سخافة الفخر لمن ساد عن غيره بحجة اللغة والتقاليد واللون والعرق, لأن كل ذلك منبعه واحد واصله واحد فمن الصحيح أن تجمع تلك الاختلافات بني البشر نحو التوادد والتفاهم ومن السقيم أن يؤخذ ذلك لحفر الهوات بين اهل الارض من جموع الناس.

أمام هذه الافكار القومية المتعنتة تولدت افكار معاكسة لها في الفعل ومشابهة لها عند قوميات اخرى في بلاد المشرق ومنها في وطننا بالعراق, فولدت الافكار القومية في عصرنا شروخ وكسور جديدة في الصلات الطيبة التي كانت تصل ابناء الوطن على اختلاف قومياتهم واديانهم. كانت بعض الافكار القومية وليدة رد فعل معاكس لمن نادى بالقومية العربية وضرورة استعلاءها على باقي القوميات مثل ما نادى حزب البعث الشوفيني بتصدر العرب فوق باقي الاقوام حيث نادى مؤسسه بفكرة القومية في تخريفاته حتى ذكر أنها( قدر محبب) وحذا حذوه اعضاء عصابته, وبعد اغتصابهم للسلطة في العراق صارت افكار العصابة تتحكم في كل مرافق العراق , فالمناصب المهمة تناط للعرب الذين انتموا لحزب العصابة الحاكمة أو لمن يتخلى عن قوميته ويدعي عروبيته كما كان يفعل الوصولي والانتهازي من باقي القوميات. وكلنا يذكر تشجيع الهجرة للعرب ألى مناطق كركوك لتغليب العنصر العربي على الكورد والتركمان, وتهجير الكورد الفيلية الى ايران وجرائم الانفال الوحشية بحق الكورد والكبت الذي عانى منه التركمان وباقي القوميات وتاريخ طويل تأسس على اساس التفوق القومي واستخدمته عصابة البعث بأتقان لزيادة التفرقة وتعميق الخلافات بين اهل العراق للحصول على مكاسب السيادة بالتفريق (فرق تسد) ولزرع بذور الاحقاد القومية والتعصب العرقي التي نرى اثارها بينة في أيامنا هذه .وصل التعصب الى بطاقة الميلاد التي كان لابد أن يذكرفيها عرق القومية لمعرفة نسبة القوميات في الوطن وعلى مثل هذا الفعل بنت الدولة مؤسساتها وجيشها وتغلغلت فكرة القومية في كافت مرافق الدولة حتى استبب الامر للعصابة البعثية ثم عادت الى اصول حزبها الميكافيلية في نيل غاياتها بأي وسيلة كانت وطويت صفحة القومية لتحل محلها قوة الحزب والولاء للطاغية.

اذن كانت فكرة القومية سلم للوصول الى السلطة وللتماشي مع حاجات المرحلة في تلك السنين حيث ان فكرة القومية العربية كانت هي الغالبة و لكن فكرة الاستعلاء القومي بقت في نفوس الناس وردة الفعل القومية عند باقي القوميات بقت مشتعلة الجذوة كما هي الحال عند الكورد والتركمان وباقي القوميات , فلكل فعل رد فعل يساويه, ومن سذاجة الانسان ان يجابه عدوه بردة فعل من جنس الفعل واقصد هنا ان التعصب والاستعلاء القومي البعثي ولد ردة فعل عند باقي القوميات التي لم تجد بد من المناداة بفكرة القومية لعرقها للحفاظ على وحدة مكانتها وهي تجابه الاستعلاء والتعصب القومي العربي من قبل عصابات البعث الحاكمة وادى هذا الى تعصب معاكس اخر , واذن الفكرة أتت أكلها في تفريق اهل البلد الذين ولدوا فوق ارضه والذين ليس لهم مكان اخر في الارض سواه.

بعد زوال النظام الحاكم بقيت ثقافة الاستعلاء القومي عند الكثير من فلول الحزب وبقيت كذلك ردة الفعل المعاكسة عند القوميات التي هضم حقها أبان العهد المباد , ونتيجة لذلك لازالت العصبيات القومية تلعب دورها في المناطق المتداخلة بالقوميات المختلفة مثل كركوك والموصل وديالى وعاد الناس يعيدوا تعداد نسبة القوميات في تلك المناطق لتحقيق غلبة التفوق القومي ولاخذ السيادة وكأن ذنب الاقليات هو ذنب لايتم غفرانه سوى بالاندماج تحت لواء الاكثرية والذوبان فيها أو بالخروج والطرد من المنطقة كما هي حال القطعان الحيوانية التي لا تقبل دخيل من جنس اخر. وعلى سبيل المثال لا الحصر صرح نائب عربي في البرلمان عن مدينة الموصل مدعيا أن نسبة الاكراد فيها هي 4% فقط من مجوع السكان وهو رقم يدعو للضحك فمن المعلوم أن نسبة الكورد في الموصل تفوق هذا الرقم باضعاف مضاعفة لكن النائب البرلماني استعمل معادلة التعصب القومي لترجيح حجته بعدم قبول سيطرة الكورد على جزء من مدينة الموصل ونسي وغيره الفضل الكبير لقوات البيشمركة في حفظ الامن بعد سقوط النظام ولكن التعصب القومي تعصب مخيف يعمي البصائر. وكذلك نسمع الكثير عن ردود الفعل من باقي القوميات في كافة المناطق الاخرى من العراق حول الاكثرية والاقلية والتهجير والتقسيم وغيرها من افات وامراض التعصب القومي . فيا لخراب العقول بالتحزب العرقي, هل ترعوي هذه الجموع من كافة القوميات وتنتبه الى حقيقة الوجود الانساني الواسع في عالمنا الصغير وتجتث هذه الافكار التي سقاها وغذاها الحزب المقبور وعصابته الاجرامية, لتتعلم العيش بسلام وتناغم مع الالوان المختلفة واللغات المتباينة لبني الانسان والا فأن تلك الافكارالمقيتة التي تزرع الكره وتحصد القتل والخراب سوف نبقى نعاني منها و من افاتها نحن واجيالنا القادمة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com