|
كنت قريبا من الرجل الذي يرتدي دشداشة بيضاء اسودت من طول محنته واتسخت من التعرق والاوساخ التي تنتشر في تلك الغرفة الصغيرة اما المرأة فترتدي عبائة لماعة نوعا ما وهو زي تميزت به مناطق جنوب العراق والبصرة خصوصا اضافة الى الخليج واطفالها حولها في رعب وخوف فسلمت على الرجل وقـلت له لاتخف نحن اهلكم من اين انتم ؟؟ حيث لم تكن ملامحهم انهم من النجف او مايجاورها فرد بصوت فيه قليل من الاطمئنان انني من الكويت !!!!!! سالته هل لوحدكم هنا ام هناك اخرين تعرفهم فاجاب بانهم كثيرين ولكن فرقوهم ولايعلم شيئا عن الاخرين .. طمأنته وقلت له انكم بعون الله وقوته اصبحتم احرار فقد زال الطغاة ونجحت الانتفاضة وتم تحرير السجناء في باقي المعتقلات وجلب لهم الاخوة الماء وبعض الطعام وكان الوقت يمضي وامتلات المديرية بجموع الشباب والجميع يتجول في دهاليزها والغرف المظلمة وغرف التعذيب فكان بحق موقع من اقذر مواقع الاجرام والتعذيب والقتل والابادة ,, غرف ارتفاع سقفها اقل من متر تنزل مسامير طويلة من السقف وعلى مساحة السقف اي كان سقفها عبارة عن مسامير يجلسون تحتها ضحاياهم مما يمنعهم ذلك الوضع من الوقوف او الاستقامة في الوقوف ويتركون كذلك فترات طويلة مما يجعل ظهورهم في حالة تحدب والم شديد وكان احد اخوتي قد ُعذب فيها عذابا شديدا وكان يشرح لي كيفية تعذيبه هناك في تلك الغرفة اللعينة اضافة الى غرف التعليق وغيرها من السجون الضيقة والغرف الحمراء .. حدثت ضجة ولغط وارتباك وحركة في احدى الغرف فقد سمع احد الاخوة اصوات تحت الارض مما دعى الجميع البحث عن مزيد من المنافذ او بوابات السجون فهؤلاء احبتنا وهؤلاء اشرف واطهر من نال الظلم سجناء الطاغية واحرار العراق ونساء العزة والطهر والطيب وقد يكون هناك اطفال ايضا كما راينا مع هذه العائلة الناجية .. لاوجود لمنافذ اخرى والامر اصبح لغزا بحاجة الى حل فخطرت لنا تساؤلات وهي ان نستعين بمن بنى تلك البناية من المقاولين وكان بعض الاخوة يعلم ان السيد نوري بلال وهو متعهد مقاولات معروف بتلك المنطقة وهو متعهد للكثير من الابنية الحكومية في النجف وهو من بناها ومن المؤكد انه يعرف اسرارها وتلك البوابات والغرف والاقبية ولان الوقت ثمين وهناك تخوف من حدوث تطورات ما تمنع تحرير جميع السجناء فقد عزمنا الامر بان يذهب بعض الاخوة الى داره في حي السعد ويستفسروا منه عن الامر وامكانيه مجيئه للمكان ومساعدة الاخوة في انقاذ هذه الابرياء وان تجلب بعض مكائن الحفر اذا ماكان غير موجود او مسافر وفعلا كان الراي هو كذلك وكانت معنا سيارة باص لاحد اقاربي وكانت العائلة الكويتية تنتظر ان ننقلها الى المدينة وهم في ذهول وغير مصدقين انهم نجوا من موت او تغييب محقق فنقلناهم الى الباص بعد ان هدات ارواحهم واطمأنوا انهم بخير وبايدي امينة وجاء بعض الاخوة معنا لكي يذهبو الى بيت المهندس نوري بلال وهو على الطريق الذي نحن متجهين نحو المدينة من خلاله وهو شارع الكوفة فانزلناهم في حي السعد لكي يذهبوا اليه وانطلقنا الى وسط المدينة وصلنا الى مرقد امير المؤمنين علي عليه السلام فانزلناهم وذهبنابهم الى غرفة في المرقد وجلبنا لهم ملابس وطعام وشراب وبعد ان استراحوا دخلوا وادوالزيارة والصلاة في المرقد المطهر كان طلبهم تأمين سيارة تقلهم اما الى البصرة او الى الكويت وكان الحاحهم شديد وقلت لهم نستضيفكم في البيت وبعد ان ترتاحوا نؤمن لكم سيارة فكان ان اجهشت الام بالبكاء وترجتنا واقسمت علينا ان نؤمن لهم سيارة الان فهم في قلق من البقاء وفعلا الامر لازال مرتبك ولازالت جيوب البعثيين تقاوم والاخبار في بقية المدن لازالت غير واضحة ومن المعقول ان يتحرك النظام ويقتحم المدينة في اي وقت فهو نظام اجرامي حاقد .. كنا مضطرين لاجابة طلبهم الملح وخصوصا انهم قلقين على مصير اهليهم في الكويت ولهم ابن وبنت اخرين فقدوهم قبل اعتقالهم من قبل ازلام الطاغية ابان احتلال صدام وزمرته للكويت فكان حالهم من الحزن والحسرة والالم مايشيب له الطفل الرضيع ولازالت صورهم ودموعهم ورعبهم ماثلة امام عيني ووقتها غاب عني ان اسالهم من اي مكان هم وسمعتهم يرددون منطقة العبدلي وخيطان وسط احاديثهم وحتى الاسم لا اتذكره الان بحكم الوقت الطويل الذي مضى وتعب الذاكرة التي اسال الله ان ينشطها لي حتى لا ابخس حقا لمظلوم الا واذكره في هذه الشهاد ة عن حقبة مشرفة ومريرة من تاريخ العراق .. فعلا تم تامين سيارة تعود لاحد الاخوة وكان هو يريد الذهاب للبصرة او الكويت لجلب اخيه الذي ُفقد او قتل في الانسحاب المميت لجيش الطاغية واتفق معهم على ان يساعدوه في الدخول الى الكويت للبحث عنه ان تطلب الامر ذلك وكانوا في سرور وفرح لرد الجميل لنا وللاخ الذي سيوصلهم وتم الاتفاق على السفر بعد ساعة بعد تجهيز السيارة بالوقود الشحيح وقتها وبمستلزمات السفر من ملابس وطعام و فعلا عاد الاخ وانطلقوا جميعا بعد ان ودعتهم بالعناق وكان لسانهم يلهج بالشكر والدعاء وقبلت اطفالهم واعطيناهم مبلغا من المال يعينهم في الطريق وانطلقوا بحفظ الله ورعايته وعلمت فيما بعد انهم وصلوا الى البصرة واستلمتهم قوات التحالف والجيش الكويتي ولم يستطع الاخ من دخول الكويت وبقي مصيراخيه مجهولا .. عدنا بعد ذهاب هذه العائلة الضحية من ضحايا الاجرام الصدامي البغيض الى مديرية الامن للاطلاع على مصير السجناء في داخل الاقبية وكنا مجموعة من الشباب ووصلنا هناك فوجدنا الناس متجمهرة وهناك اجهزة حفر في الكونكريت تعمل بعزم وسمعت انهم سالوا المقاول او بعض من عائلته لانني لم اره حين عدت وقيل انه كان قد بنى تلك البناية كهيكل وقاعات وغرف ولكنهم لم يتركوه يبني الابواب والمخارج ولايعلم من بنى تلك البوابات او الجدر التي تفصل بين الغرف والقاعات مما يعني ان الامر تطلب الحفر وتهديم الارض التي تصدر الاصوات من تحتها ولكن الامل كان ضعيفا في استطاعة الحفر في طبقة من الخرسانة يقال انها من القوة والعمق بنيت لصد هجمات صاروخية محتملة ولم يياس احد والكل يبحث عن مخرج او بوابة حتى ان الامر وصل الى احتمال وجود البوابات خارج البناية او في البيوت المجاورة وفعلا تم تمشيط المنطقة والحدائق والبيوت المجاورة ولان الوقت كان يمضي نحو المساء وقد بدأ الظلام بالحلول ويجب ان نعود الى البيوت فقد تم التبرع من بعض الاخوة القريبة بيوتهم من المكان بان يواصلوا الحفر والبحث ورغم عدم وجود تيار كهربائي او انارة تساعدهم ولكنهم بقيوا يواصلون بهمة دون كلل او ملل بححثا عن تلك الاعزة المغيبة في زنازين الطغيان البعثصدامي وتواصل الامر اياما ولكن دون جدوى وصمتت الاصوات بعد ذلك واحتمل الجميع استشهادهم نتيجة الجوع والعطش او الاختناق ولم اعلم شيئا عن مصيرهم حتى اليوم .. عدنا وقتها الى بيوتنا يحدونا الامل بان الله سيساعد هؤلاء الاخوة في مساعيهم لانقاذ تلك الانفس الطاهرة ووصلنا مركز المدينة واذا بجلبة وشباب تركض وهتافات تنطلق مدوية وتكبير ياتي من قرب بوابة الساعة لضريح الامام علي عليه السلام امام سوق الكبير فالتفتنا اليها واذا بجماهير تدخل كتظاهرة كبيرة وامامها سيارة حمل بيكب بيضاء تحمل على ضهرها بعض ......... التقيكم انشاء الله في الايام القادمة وتلك الحقائق والحكايات المشرفة عن انتفاضة شعبان 1991والتي مرت وجرت في اغلب بقاع الوطن الحبيب ماعدى مدن الولاء والمساندة للطاغية واجرامه تلك المدن السوداء وهنا اسرد حقائق مرت في بقعة واحدة من ارض العراق الدامية وجزء من شعب العراق الذي لم يترك الطاغية بيتا فيه دون نائحة او باكي او مكلوم او مشلول نتيجة فقده لعزيز او كبد يمشي على الارض.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |