يوم تم تجديد "البيعة" لولاية إخوانية جديدة، للأستاذ علي صدر الدين البيانوني، كمراقب للأبد، وزعيم أوحد للجماعة الإخوانية السورية، "بلعناها" على مضض، وقلنا: "يا داخل بين القشرة، وبصلتها ما ينوبك غير ريحتها"، وطبعاً لا علاقة هنا البتة بين الجماعة، والبصل، لا من قريب ولا من بعيد، كما أن القشور لم تكن تعنينا في يوم من الأيام. ولأننا نعلم تمام العلم أننا، وعلى بعضنا، وكلامنا، أيضاً، لا يروق لهم البتة، ولا يتحملونه على الإطلاق. ومفهوم البيعة، كما هو معلوم، تقليد "ديمقراطي" عريق جداً، في تاريخنا العظيم التليد، كانت تتقاطر فيه مختلف الفعاليات، والشخصيات، والقبائل، والعشائر، والبطون، والأفخاذ، زرافات، ووحدانا، لتقديم فروض الولاء، والطاعة، للزعيم السياسي الجديد الملهم، والأوحد، والمنزّل من سابع سماء لتخليص البشرية من الخطايا، والشرور، والآثام البشرية. ومما تجدر الإشارة إليه، هنا، أن لا علاقة، البتة، للسيف، وتوابعه، وتقاليده المزهرة والخالدة، طبعاً، بأي نوع من أنواع "البيعات"، أو المشتريات، والمتاجرات. وعادة ما كانت تحاط هذه البيعات بنوع من المهابة، والسحر، والقدسية، والوقار، على اعتبار أن المُبايع له من المعصومين الأتقياء، الذي لا يأتيه الباطل لا من أمامه، ولا من وراءه، ولا من بروكسل، ولا من جبهة الخلاص. وهذا ما كان من أسباب إحجامنا عن توجيه أي نقد، أو لوم، أو همز، أو لمز لهذه البيعة الجديدة و"للأبد"، خشية أن تلحقنا لعنات السماء، وتنزل علينا النازلات، الماحقات، الساحقات، على اعتبار أن الخط الساخن مفتوح مباشرة، بين هذه الجماعات، والسماء. كما أن دعاءهم دائماً، والحمد لله، مقبول، ومستجاب.
لكن ما حدث فيما بعد، هو أن قام واحد من "الأخوة"، والزملاء الكتاب، المحسوبين بقوة على الجماعة إياها، والمنافح العنيد عنها، ببق البحصة، والحديث، وبالفم الملآن عن أمراض هذه الجماعة السياسية، وزعيمها الذي نهج، نهج التفرد، والشخصنة، والاستبداد، لائما إياه تحويل الجماعة المعصومة لمزرعة خاصة للمراقب العام يتصرف بها على هواه. وهي "الجماعة" التي حاولت أن تحيط نفسها، دوماً، بشيء من الورع، والطهرانية، والصفاء، وتقديم نفسها على أنها البديل، والمخلص السياسي لعذابات الإنسان من كافة الموبقات السياسية التي لحقته من جراء الأنظمة "الدنيوية"، وعلى اعتبار انها(الجماعة) بدائل سماوية وربانية، وأستغفر الله على أية حال. لكن ما ظهر أن في سلوكها كثيراً من السياسية، والمكيافيللية، وهذا ما تجلى في الكثير من أدائها العملي كمشاركتها أولاً، في إعلان قندهار الشهير، الذي نحتفل بولادته القيصرية الأولى، هذه الأيام، "ولن نعطي فرحتنا لأحد"، والذي تبين أنه مصاب بصعوبة في النطق، وإعاقة في النمو، ونوع من أنواع شلل "الأطراف" الغامض. كما هو الحال في تحالفها المبهم مع جبهة الخلاص مع السيد خدام. ونرى هذا الكاتب، يوجه اللوم، والنقد، لجماعة الإخوان المسلمين، ومرشدها السوري الأستاذ البيانوني، ويلقي عليه باللائمة في كل ما تعتريه مسيرة الجماعة من تشتت، وفقدان للبوصلة، وتخبط، وضياع.
الأستاذ علي الأحمد، ومن على صفحات المغفور له موقع مرآة سورية، (هذا الموقع الذي صار في ذمة الله، بعد أن كانت معظم أطياف المعارضة السورية، ورموزها البائسة، تحسبه على المخابرات) يوم كنت، وبكل تواضع، مديراً له، وكانت معظم مقالاته تجد طريقها للنشر برغم تطرفها، وغلوائها أحياناً، كان يطرح جماعة الإخوان المسلمين كبديل موضوعي لجميع أطياف المعارضة السورية، فما عدا مما بدا، وما هو السر، وما هو الجديد في هذا التحول والانقلاب؟ والجواب عند الأستاذ علي البيانوني الذي يبدو أنه فشل في أن يقدم نفسه، وجماعته، على أساس من أنها جماعة تتخذ من الديمقراطية، والتداولية، و"التعاقدية"، كمنهاج وأسلوب عمل، ووقع، وحسب كلام الأستاذ الأحمد، دائماً، في مطب الديكتاتورية، والاستبداد. ورمى بكل التعهدات، ومواثيق الشرف، والتحضر جانباً، أمام شهوة التسلط، والحكم، والاستئثار بالقرار.
وهنا تبرز الكثير من الأسئلة، حول ما يطرحه الإخوان المسلمون، أصلاً، وبالجملة، من مشاريع حضارية، بدا أنها، ومن خلال هذه المفاجآت السياسية تفتقر للكثير من المصداقية، والتجسيد العملي قبل أخذها على محمل الجد. وإذا كان تصرف الأستاذ البيانوني مع "إخوانه" المعصومين في الجماعة بهذا القدر من الإهمال، واللامبالاة، والإقصاء، فما الذي سيفعله، في حال تملكه لناصية القرار، ولا سمح الله، بجماعات، وأحزاب، وأطياف، لا تتفق معه، لا من قريب، ولا من بعيد، لا بالطرح، ولا بالعقيدة السلفية، ولا بالرؤية السياسية، أو المنهاج؟ والجواب هنا ، وبكل بساطة ، وبالبلدي المشرمحي هو "الله يستر يا شباب". واعتبر الأستاذ الأحمد، وبالحرف الواحد، أن السيد البيانوني، يتعامل مع هذه الجماعة، كما لو أنها ملك خاص، ومزرعة خاصة به وبأقاربه، وبالمقربين، والمحظيين، وتهميش لغيرهم. فهل كانت كل تلك الإدعاءات أغلفة، ورداءات، وتكتيكات للوصول إلى مركز القرار، وعندها لكل حادث حديث؟ هذا في الحقيقة ما يمكن للمرء أن يستخلصه من مقالة السيد الأحمد على أية حال، ويضع هذه الجماعة، بكل أطروحاتها، ومشاريعها السياسية في موضع، الشك، والريبة، والاشتباه.
خلاصة القول، الاستبداد، والإقصاء، والإلغاء، والظلم باسم الدين والله، إذن، هي ممارسات عادية في سلوك الإخوان،(حسب مقال الأستاذ الأحمد دائما)، وهذا ما يقوم به زعماء هذه الجماعة ضد أبناء جماعتهم، ومريديهم بالذات. وهم الذين حاولوا أن يقدموا أنفسهم، للشارع المخدر بالغيبيات، دائماً، بشيء من الطهرانية "البيوريتانية"، والمعصومية، والورع الذي لا يقبل الشك، والشرك والعياذ بالله. والطامة الكبرى هي، دائماً، في القفز فوق الواقع، والتذرع بشتى الذرائع، حتى السماوية، والربانية، منها، والمتاجرة بالمبادئ، والشعارات، والأديان، ومداعبة، ودغدغة عقول العامة، والبسطاء، لحصد مكاسب، ومنافع سياسية، ودنيوية، تحت ستار، وغطاء من السماء، وهنا تكمن الكارثة الكبرى، ويقبع الضحك على الذقون، وتبرز المأساة.
رابط مقال الأستاذ علي الأحمد
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2006/10/184540.htm