عيد فطر .. دام وحزين

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

يمر عيد الفطر السعيد على الامة العربية المبتلاة في اغلبها بقيادات سياسية محنطة لا تملك من امرها شئيا, حالها على الساحة الدولية لا يخرج عن اطار التابع والمتلقي للتوجيهات والاوامر فيما تتفرعن على المستوى المحلي لتخنق كل صوت معارض او ناصح حيث لا صوت يعلو على صوت النفاق والتطبيل والدجل المثير لمشاعر متراكبة من الغثيان والاشمئزاز. يمر العيد فيما شلال الدم العراقي النازف يزداد غزارة يوما إثر آخر والقطر العراق والذي كان واحدا من نتاجات اتفاقية سايكس بيكو البائسة يتعرض هو الآخر للتمزيق والتشظي والنهب المبرمج والتدمير المخطط المستهدف امكانياته الاقتصادية وقدراته البشرية وكوادره العلمية.

في حين يشتد الحصار على الشعب الفلسطيني عقوبة له على اختياره الديمقراطي وكأن المطلوب من الديمقراطيات على الطريق الامريكية والغربية في بلادنا ان تفرز قيادات تجيد فن التفاوض على سيادة الامة ومقدراتها بل وحتى على ثوابتها ومعتقداتها. الطابور الخامس الفلسطيني يقوم اليوم بمهمة غاية في الانحدار الاخلاقي, فمناضلي الامس هم سماسرة اليوم الذين يضغطون ويناضلون من اجل ان تعترف الحكومة الفلسطينية بإسرائيل فيما حركاتهم وتحركاتهم تتناغم مع الايقاعات الامريكية والاسرئيلية وتتجاوب معها. وكما الحال في الوضع العراقي فإن الحالة الفلسطينية بالكاد تلفت انتباه الامة وقياداتها السياسية المشغولة إما بإفتتاح المهرجانات الفنية او بالاعداد لتوريث الحكم او بتكديس الثروات والمنافسة على قوائم الاثرى عالميا من الاموال المنهوبة من مقدرات الشعوب واقواتها.

فيما يشتد الحصار على السودان ويزداد سعار الحملة الامريكية-البريطانية عليه في سيناريو شبيه بما جرى وحصل لعراق ما قبل الاحتلال دون الشعور بالحرج الاخلاقي او بالعبء المبدئي من اكاذيبهم العراقية والنتائج الكارثية والنكبات الانسانية التي اعقبت سياساتهم الاجرامية في ذلك البلد الجريح. الهجوم على السودان يأتي كحلقة في مسلسل متواصل يستهدف على ما يبدو تفكيك دول ودويلات المنطقة العربية والرجوع بها الى العصر السياسي الحجري والذي تسود فيه ويعلو منطق العشيرة والتقسيمات الطائفية والمذهبية على مفهوم الدولة والوطن. الامر المستهجن ان الدول العربية كمصر وغيرها والتي يشتد التضييق عليها لاستهدافها لاحقا – كما يرجح- تعيش في عالم أخر من الاوهام وتعاني اعراض غيبوبة سياسية واقليمية قاتلة. اما الصومال حيث تحارب بعض المليشيات والقوى المحلية نيابة عن المصالح الامريكية وبتمويل وتسليح وتخطيط مباشر من الامريكيين, فقد اصبح سقوط العشرات والمئات من القتلى وتدمير ما بقي من مقومات الحياة البدائية وتحويل عيش ملايين الابرياء الى عناء مركب, امرا اعتياديا لا يستحق التوقف عنده ولا يلفت الانتباه إليه.

تدمير لبنان وبنيته التحتية واعتراف "اسرائيل" وبصفاقة عجيبة بإستخدامها قنابل فسفورية محرمة دوليا, يأتي هو الآخر ليضيف مآساة جديدة الى سلسلة من الكوارث التي تحل ببلادنا تباعا لتصبغ افراحنا واعيادنا بلون نشأت عليه أجيال كاملة من القسوة والوحشية والهمجية والترهيب والتشريد. كل ذلك يترافق مع حملات اعلامية محمومة تتهم العرب والمسلمين بالارهاب وتصمهم بأشنع الاوصاف وتحاصر الايدي الخيرة والتي تستهدف إغاثة الايتام والارامل والمشردين من ضحايا الحملات والحروب الصليبية الجديدة.

وإذا كانت الكوارث في غير دولة عربية ناطقة وصارخة, فإنها في غالبية البقية الباقية من تلك الدول العربية صامتة, وان كانت مفجعة هي الاخرى. حيث تقبع الغالبية الكبرى من السكان في فقر مدقع ونقص حاد في الخدمات ومستلزمات الحياة الاساسية وخدماتها جراء الفساد السرطاني المستشري بإنظمة قمعية قائمة على ثقافة النفاق وتقديس الفرد وتمجيد فشله الذريع وتزيين سياساته الفاشلة والبائسة. غياب الحرية والحقوق الاساسية للمواطن وارتباط الوطن بالحاكم الملهم وبعائلته وحاشيته أدى الى تدهور مكانة دولنا الى درك القاع ان كان سياسيا او اقتصاديا او علميا.

عيد الفطر لم يعد في بلادنا سعيدا, بل غدا ككل مرافق الحياة ومقوماتها منهكا ومثقلا بالاحزان والهموم وتبعات هزائمنا المرة. غير ان هذا لا يجب ان يدفعنا الى اليأس والقنوط, فالصمود الفلسطيني والمقاومة العراقية يمثلان ركنا اساسيا قد يؤدي الى تحولات إيجابية تساهم في إسقاط المشروع الامريكي في الهيمنة والقمع والبطش. إن دعم المقاومة الفلسطينية والعراقية ليس واجبا اخلاقيا ودينيا فحسب بل هو من مستلزمات الاساسية للحياة في حدها الادنى من مقومات الوجود والكرامة, هذا اذا كانت ما زال لتلك المفردات وجودا في القاموس السياسي لانظمة عربية ولقوافلها الاعلامية المجبولة على النفاق والتزييف.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com