|
الفِرية .. المسلسل الذي أستحق المشاهدة عن جدارة محمد الكحط / ستوكهولم إزدحمت القنوات الفضائية العربية بالمسلسلات التي تناولت مواضيع شتى خلال شهر رمضان، حتى بات المشاهد عاجزاً عن متابعتها جميعها، بل حتى معظمها وإن كان لا عمل لديه سوى متابعة جهاز التلفاز، حيث يعرض أكثر من مسلسل في قنوات مختلفة بنفس الوقت، ناهيك عن فقرات الإعلانات التي أصبحت ثقيلة جداً كونها تحرم المشاهد من متعة المتابعة الصحيحة للموضوع، ويبدو أن معدي البرامج لم يكترثوا لكثرة الإعلانات والفواصل حتى أمست أكثر من زمن المسلسلات نفسها، وقد أمتازت القناة الفضائية لدبي بكثرة المسلسلات العربية ذات الطابع الدرامي، معظمها متقاربة المواضيع أو من المواضيع المكررة وبأساليب مختلفة، ولكن اللافت للنظر هو مسلسل الفرية من أخراج أحمد دعيبس، ومن تأليف الفنانة المبدعة حياة الفهد والتي مثلت كذلك دور البطولة بجانب فنانين خليجيين من دول مختلفة منهم مريم الصالح وزريقة الطارش وفخرية خميس وخالد البريكي وصلاح الملا وهند البلوشي. المسلسل من أنتاج تلفزيون دبي. مسلسل الفرية تميز بكونه تناولَ محطة تأريخية من حياتنا الريفية المعاصرة القديمة، بعيداً عن بهرجة المدينة ومظاهر الحضارة، فكانت الأدوار فيه صعبة ومحددة بأطر وزمان ومكان حد كثيراً من قدرات المخرج والمصورين، لكن القدرة التعبيرية الكبيرة والمبدعة لمجموعة الممثلين في المسلسل غطت كثيراً على ضيق المكان الذي كان يبدو مشكلة المسلسل الذي صور بأكملهِ بقريةٍ نائية، محدودة السعة، وكان الموضوع المعالج وأسلوب المعالجة بجمالية نادرة تحسد عليها حياة الفهد التي عودتنا دائماً على مفاجئات جميلة، فكانت موفقة إلا من بعض المقاطع التي تبدو مكررة مما يثقل على المشاهد ويضعف من الشد، رصدت حياة الفهد في هذا المؤلف العديد من العادات والتقاليد القديمة البالية منها والعظيمة والجميلة كذلك، فحياة القرية البسيطة والعلاقات السائدة والروابط العائلية الحميمة والتكافل الأجتماعي وروح التضامن والوقوف مع الحق ضد الظلم دون التحيز أو التعصب الأب لأبنه أو البنت لأمها أو أختها، أم الأبن لأبيه، ورفض المجتمع لما هو سلبي، كذلك الروح الريفية النقية البريئة البعيدة عن التلوث الحضاري وجشع المادة، عكسها المسلسل بشكل رائع، منتقداً السلوك الشين للعادات السلبية وظلم المرأة والكره أو الحقد الذي هو مرض من أمراض المجتمع الأمي، فكانت الفرية هي الرمز للإطلاع والمراقبة ورؤية كل شئ وكذلك رمز لبساطة العلاقات ومتانتها والود العميق الكامن في جوهرها وهو منظومة القيم الإنسانية المبنية على أسس متينة بعيداً عن المادة والجشع، وربما كان للتغير في حياة الريف والمدينة بعد أكتشاف النفط أثره على الحياة الأجتماعية، فلوثها فغير من طباع البعض، وحافظ الأصلاء على تلك القيم، ولكن هل ستصمد حتى النهاية. كان دور حياة الفهد متميزاً، وأدت دور المرأة المظلومة لكنها المرأة الحديدية بصبرها وعمق حبها وسعة صدرها بل وبحكمتها ولقطة الرقصة التي أدتها في ليلة زفاف زوجها، كان أداؤها مؤثراً، رغم أن مثل هذا المشهد قد تكرر في مسلسلات أخرى، كما أن مشهد ردم أو غلق الفرية وإعلان القطيعة، كان هو الآخر مشهداً راقياً أجاد فيه المخرج والمصورون والممثلون، أما المشهد الأخير وموت الزوج فهو الأكثر دراماتيكياً وكان للصمت قوة تعبيرية كبيرة مع تلك الموسيقى الحزينة مما يشد المشاهد ويشعره بقوة الحدث ببلاغة عالية ربما تعجز الكلمات عن الإفصاح عنها. كان بالإمكان أختزال المسلسل إلى حلقاتٍ أقل دون الإخلال بالمضمون أو النواحي الفنية فيه، ولكن رغم كل ذلك يبقى مسلسل الفرية بنظري أفضل المسلسلات الرمضانية التي أستحقت المشاهدة ونأمل أن يعاد عرضه ليشاهده جمهور أوسع حرم من مشاهدته أو لم ينتبه أليه. في الختام نقول تهانينا لك يا حياة الفهد لقد نجحتِ ونهمس في أذن المخرج أحمد دعيبس بأنكَ كنتَ متميزاً.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |