فرنسا ما بين مجازر رواندا ومذابح الارمن

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

بدأت رواندا جلسات سماع علنية حول دور فرنسا في عمليات الإبادة التي تعرض لها 800 ألف شخص عام 1994 , قتلوا بمذابح بدأت في أبريل واستمرت مائة يوم. حيث أدلى جاك بيهوزاغارا القيادي السابق بالجبهة الوطنية بشهادته قائلا إن فرنسا كانت تسعى للمحافظة على نفوذها بأفريقيا, وكان مسؤولوها "يرون أن دولة فرنكفونية هوجمت على يد دولة أنغلوسكسونية" في إشارة إلى قواعد التمرد حينها بأوغندا المجاورة. وقال بيهوزاغارا الذي شغل منصب سفير بباريس إن فرنسا "أرسلت جنودا وأسلحة ودربت القتلة وأقامت الحواجز لتسهيل مهمتهم بإبادة التوتسي" ثم سعت لحمايتهم فيما بعد عندما كانت تقود البعثة التي أرسلتها الأمم المتحدة وأطلق عليها عملية توركواز. وكانت إحدى أعنف المذابح تلك التي وقعت بقرية بيسيسيرو غرب رواندا حيث قتل خمسون ألفا من التوتسي, واتهم الجنود الفرنسيون بأنهم غرروا بالضحايا وأخرجوهم من مخابئهم.

وبيهوزاغارا واحد من العديد من الاشخاص سيدلون بإفاداتهم أمام لجنة يرأسها وزير العدل السابق جان دو ديو موكيو. وحسب عضوها جان بول كيميونو، ستستمع اللجنة إلى أعضاء سابقين بمليشيات دربها الفرنسيون ونساء قلن إن الجنود الفرنسيين اغتصبوهن. وتضم اللجنة مؤرخين وخبراء قانونيين وضابطا رفيع المستوى بالجيش الرواندي السابق، ويتوقع أن تواصل عملها لستة أشهر وقد تستعمل نتائج أعمالها لملاحقة باريس أمام المحاكم الدولية.

كما أن الاتهامات لا تأتي من رواندا فحسب بل من باريس أيضا, فقد اتهم جندي فرنسي سابق جيشه بتدريب المليشيات المسؤولة عن القتل. كما رفع ستة روانديين دعوى قضائية ضد باريس بمحكمة فرنسية بتهم المشاركة في الإبادة, وهي إبادة برأت لجنة برلمانية فرنسية ساحة الحكومة منها عام 1998 وإن أشارت إلى "أخطاء إستراتيجية".

 تأتي هذه الاتهامات الخطيرة لفرنسا متزامنة مع مشروع قانون أقره مجلس النواب الفرنسي مؤخرا يعاقب بالسجن كل من ينكر ابادة الارمن عام 1915 على أيدي الاتراك العثمانيين ليعطي برهانا صارخا واضافيا على الافلاس القيمي والاخلاقي والنفاق المركب والذي تعاني منه السياسة الدولية واقطابها المتحكمين والمهيمنين على المسرح السياسي الدولي. فحقوق الانسان تنتهك بأيديهم وبشكل صارخ وفي مواضع متعددة بالسر وبالعلن, حلفاؤهم من الدكتاتوريين والقتلة والذين يفرش لهم السجاد الاحمر. ومتى ما أقتضت مصالحهم وتوافقت رغباتهم رفعوا عقيرتهم وعلت اصواتهم يتباكون بدموع التماسيح على حقوق انسان اهملهوا ردحا من الزمان بل وربما شاركوا سرا او حتى علانية في انتهاكاتها.

أي دكتاتورية وتكميم افواه تلك التي يذهب إليها القانون الفرنسي والذي يرفض ويعاقب من ينكر مسألة إبادة الارمن , ليضيف محرما جديدا على محرم الغرب الاعظم والمتمثل بعدم الاقتراب نقاشا وجدالا حول مسألة الهولوكست فيما يفتح الغرب صدره وقلبه مرحبا بكل من يجدف بالاسلام او يعتدي وبسوء ادب على رسوله او يتطاول وبصفاقة على مقدساته. فرنسا وان كان قانونها حول الارمن سياسي البعد يستهدف الحيلولة دون دخول تركيا الاتحاد الاوربي, إلا انه ايضا محاولة فرنسية غير موفقة للاحتذاء بالطغيان الامريكي والذي يتعامل مع القوانين الامريكية كقوانين ملزمة عالميا بل ومقدمة على القوانين الدولية.

فرنسا تتجاهل تاريخها الاستعماري الدموي في اكثر من مكان في العالم وعلى الاخص في الجزائر لتتدخل وتفرض نفسها قاضية ووصية على تركيا فيما يتعلق بمأساة الارمن. على فرنسا ان كانت صادقة في اهتماماتها بالمظالم التاريخية, الاعتذار للشعوب التي استعمرتها ودفع التعويضات عن التجاوزات التي اقترفتها.

مظاهر النفاق الدولي وتعدد المعايير اصبح امرا روتينيا واعتياديا في واقعنا المعاصر ليعبر عن الافلاس الحضاري والهزيمة الاخلاقية والتي يعاني منها الغرب. أليس من تمام السخرية ان تهاجم امريكا وبريطانيا وبزعيق متواصل وضجيج صاخب السودان من اجل مزاعم انتهاكات لحقوق الانساني دارفور ويطالبان المجتمع الدولي بالتدخل فيما كانا يرفضان أي تدخل دولي لوقف القصف الاسرائيلي للبنان ولجرائم الحرب العبرية هناك؟ وعندما يكون الضمير الانجلوسكسوني منشغلا بالابرياء في دارفور باكيا عليهم تكون الايدي الامريكية والبريطانية غارقة في دماء العراقيين وصانعة لمعاناتهم والتي امتدت منذ اكثر من عقد ونصف من خلال فرض عقوبات قاسية ظالمة على الشعب العراقي ومن بعد احتلال العراق وتدمير مقوماته بوحشية بالغة وسادية عنيفة.

إن الافلاس والانهيار الاخلاقي الغربي والذي يتمثل ايضا في التضييق على مسلمي الغرب من خلال تشريعات تمنع الحجاب وتحد من حرياتهم الشخصية وقوانين تسمح بالتجسس عليهم وملاحقتهم تحت مسميات الادلة السرية وما شابهه, هو إيذان بإفول قيادة الغرب للعالم, هذا العالم الذي يشهد فراغا قياديا كبيرا خصوصا مع غياب اي دور للعالم الاسلامي عن الساحة الدولية والاقليمية بفضل قيادات قاصرة وحكومات عاجزة وشعوب غافلة غارقة في أتون الاستهلاك والمظاهر الزائفة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com