مصالحة زلماي .. والأربعون مغفَّلاً

باسم السعيدي / بغداد

basim_alsaeedi@yahoo.com

مازالت نخب سياسية عراقية تتوسم في (شيخ الغفر) زلماي خليل زاد الخير، ويظهر هو بدوره (زلماي) في وسائل الإعلام العالمية يومياً وهو يبدي أسفه لما يجري في العراق من إحتراب طائفي، كما يحاول أن يظهر بمظهر (القوي الأمين) وهو يدافع عن دولة القانون المزمع إنشاؤها في العراق الجديد ويبدي حزما في تشخيص أمراض العراق المستعصية ويجمع كل ذلك في سلَّة الميليشيات.

والسفير الأميركي زلماي خليلزاد يستفيق اليوم على أصوات الحرب الأهلية المتأججة في بغداد وديالى بعد نوم هنئ في أحضان القصور الرئاسية في المنطقة الخضراء .. ويعد العراقيين بدولة لا ميليشيات فيها معلناً الحرب عليها.

نسي الرفيق زلماي أن جيوشه كانت في العراق ومازالت منذ سنين ثلاث ونصف، وأن قوى الظلام إجتمعت تحت ظلال وضلال عقيدته العسكرية الجديدة التي طبقتها في العراق ولاقت النجاحات وتنوي تطبيقها في الولايات المتحدة من خلال فسح المجال للقوى الإرهابية في التجمع وإعلان إماراتها في بعض ولايات أميركا ومن ثم يتم الإنقضاض على بعض المدن بعمليات عسكرية (إستعراضية) في أداءها أكثر منها عمليات عسكرية مدعومة بنظام أمني إستخباري إستئصالي للجماعات الإرهابية.

زلماي خليل زاد وبعد ذلك النجاح الكبير في إدارة الملف الأمني للسنوات الدامية المنصرمة يعد بالقضاء على الميليشيات ويتولى بنفسه (بجيشه) بسط الأمن للمواطن العراقي ويحقق دولة القانون الموعودة.

الحلقة المفقودة في مسلسل الإستغفال هذا هي المرارة الكبيرة العالقة في حلوق العراقيين، والحقيقة التي أغفلها زلماي عامداً متعمداً هي أن الجيش الأمريكي ترك المواطن للمدة الماضية أعزلاً في مواجهة مجاميع القتل (الطائفي) وهو ينظر بنصف عين قابعاً في قصور صدام الرئاسية في المنطقة الخضراء.

لقد عاثت تلك المجاميع فساداً في الأرض وقتلت بدم بارد كل من صادفته في طريقها، وأضطر المواطن إضطراراً الى تشكيل مجاميع دفاعية مهمتها الرئيسة هي إستئصال شأفة مجاميع القتل الطائفية تلك وإصلاح الخطأ القاتل الذي وقع فيه بريمر ونيغروبونتي ومن بعدهم زلماي، نعم تشكلت الميليشيات لهذا السبب وليس غيره، ولو ينظر المنصفون بعين الحقيقة والموضوعية ولو لمرّة واحدة في حياتهم المليئة بالتدليس لوجدوا أن المواطن العراقي بات آمناً في المناطق المغلقة طائفياً على الأقل، وهذا ما لم يتمكن زلماي بجيشه الجرار من تحقيقه للمواطن.

يطالب العراقيون إجمالاً بحل الميليشيات وهذا ما لايختلف عليه أحد تقريباً، ولكن .. ما هي الضمانات التي يقدمها زلماي للمواطن لتحقيق أمنه؟

أود أن أحيل زلماي وطبَّاليه الى مؤتمر عشائر الفلوجة وشروطه لتحقيق المصالحة .. وكذلك الى مؤتمر العشائر في كركوك، والخطاب السياسي للمنظومة السياسية في مجلس النواب المحسوبة على تنظيمات القاعدة ومخابرات نظام صدام .. لقد كشفت هذه المؤتمرات بشكل لا لبس فيه الوجه الحقيقي لشروط المصالحة ..

1- حل الميليشيات (يقصدون بهذا جيش المهدي ومنظمة بدر تحديداً).

2- الإعتراف بالمقاومة (ويقصدون بذلك تنظيم القاعدة وفيلق عمر والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وغيرها من التنظيمات مزدوجة الولاء بين نظام صدام ومخابراته من جهة والقاعدة من جهة أخرى).

3- إطلاق سراح صدام حسين.

وهنالك شروط أخرى لا أهمية لها بأزاء هذه النقاط.

وبتعبير آخر .. إن أجندة المصالحة تتبنى حل التنظيمات الدفاعية المسلَّحة لدى الجانب الشيعي، وبقبال ذلك يتم الإعتراف بالتنظيمات المسلَّحة لدى الطائفة السنية، وكل ذلك من دون تقديم أية ضمانات لحقن دماء العراقيين الشيعة.

المعضلة تكمن في خانق واحد .. لقد جرَّب المواطن (قبل تأسيس مجاميعه الدفاعية) أداء الجيش الأمريكي المتهرئ في حفظ أمن المواطن!! فكيف يثق المواطن في العودة الى الغطاء الأمريكي للملف الأمني ؟

وهنالك نقطة جوهرية أخرى .. هي أن جيش المهدي هو الجهة العسكرية الوحيدة التي خاضت حرب مقاومة بوجه الإحتلال مكشوفة الوجه معروفة القيادة .. وعليه في أحد أوضح المصاديق العملية لمقاومة الإحتلال (مع إختلافنا في ضرورة اللجوء الى السلاح في تلك الحقبة)، لكن الإخوة لم يتناول أي منهم جيش المهدي على أنه من جانب المقاومة التي ينبغي الإعتراف بها، بل أجمعت القوى السياسية والمسلَّحة على توصيف جيش المهدي على أنه من ضمن الميليشيات التي يجب حلُّها حتى هيئة علماء المسلمين الحليف الرئيس لجيش المهدي دخلت معهم في هذا التوصيف.. أليس هذه مفارقة ؟

ولو تتبعنا الخطاب السياسي لبعض الزعماء المشبوهين بعلاقاتهم مع القاعدة ومخابرات صدام حسين ... فحين تقوم المجاميع المسلَّحة بتنفيذ عمليات مسلَّحة تنال من الجيش الأمريكي يتم وصف هذه العمليات بأنها أعمال مقاومة .. بينما حين أسقطت مجاميع مسلَّحة طائرة بريطانية في البصرة راح زعيم أحد تلك الأحزاب يصف هذه العملية بأنها تدخل من ضمن حسابات إيرانية .

هنالك فضائيات معروفة منها الزوراء تقوم بوصف العمليات المنفذة على الجيش الأمريكي بإعتباره قوة إحتلال، بينما تصف قصف بقذائف الهاون على قاعدة " بريطانية" في البصرة، وتنأى بنفسها عن الإعتنراف بان هذا من أعمال المقاومة.

هذه الإزدواجية في الخطاب وتداخل الأهداف بين بعضها البعض حتى لم يعد أحد يميز بين أهداف مخابرات صدام وبين الأهداف الوطنية هذه الإزدواجية تزيد من الشقة وتنسف جسور الثقة بين الأطراف المتصارعة.

كل ذلك الذي يعصف بالبنية التحتية المجتمعية العراقية ويأتي زلماي ليضع البيض في سلَّة واحدة هي (الميليشيات) حتى من دون أن يكلف نفسه عناء " تعريف وتوصيف " الميليشيات.

ومازال الأربعون مغفلاً ومستغفلاً يثقون بسياسة زلماي، وبطريق المصالحة الذي ينوي إعادة سكاكين الذبح لتستأسد على رقاب المساكين.

فإذا كانت المصالحة طريقاً للتنازلات فقط فهذه مصالحة الشياه مع الذئاب، وأما المصالحة التي تعتمد التطمينات والضمانات فهذه مصالحة فاعلة ولا أظن أن رفضها قد يأتي إلا من الجهات مزدوجة الولاء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com