|
وفد المالكي للعمارة .. ينتحب باسم السعيدي / بغداد أحداث مدينة العمارة نارها مازالت تحت الرماد. وبغض النظر عن كل موجبات الحدث وتداعياته، بغض النظر عن التحالفات السياسية والخلافات السياسية، بغض النظر عن الرمزية الدينية والإنتمائية العشائرية والتابعية الولائية.. بغض النظر عن كل ذلك نحن أمام (سخف) فلسفة بناء الدولة الجديدة.. إذ لا تتضح معالم هذه الفلسفة للمواطن لكي يفهم على أي الأسس سيحيى أبناؤه في هذا الوطن ؟ هنالك من يظن أن هذا التساؤل هو نفسه (سخيف) ومعهم كل حق، فحين تسفك الدماء لايعود للفكر والفلسفة دور .. ويقول الشاعر عبد الحسن زلزلة في هذا المعنى مخاطباً الحسين (ع):- هذي دماك على فمي تتكلم *** ماذا يقول الشعرُ إن نطقَ الدَّمُ وبالفعل .. ما الذي يتسنى للفكر أو للكتابة أو للشعر أن يقول إذا تحدث الدم؟؟ وعلى الرغم من (تأييدي) لتسخيف محاولة فهم فلسفة بناء الدولة الجديدة إلا إنني أصر على العودة الى موضوعة البحث. العمارة مدينة جنوبية من المفترض بها أن تكون آمنة بسبب البنية الديمغرافية المتجانسةالتي تجعل من الطموحات الإجتماعية موحدة تقريباً، ولكن الحدث الذي جرف أمن هذه المدينة الآمنة ينذر بالشرر المستطير ومن الممكن أن تكون مثالاً جيداً بل ممتازاً لأسلوب إدارة الأزمات في الدولة الجديدة ونقاط الضعف وبوادر الإنهيار وملامحه في فلسفة بناء هذه الدولة. · هنالك مجموعة مسلَّحة حملت السلاح وعصفت بأمن المدينة وأمن المواطن معاً من أجل إطلاق سراح سجين ينتمي الى هذه الجماعة، وليس محل البحث رضا أو عدم رضا قيادات هذه الجماعة بل درس تصرف الحكومة المحلية (المحافظ) والحكومة المركزية هو محل البحث، ولأن تصرف الحكومة المحلية ليس بالأهمية الكبيرة في رسم السياسة العامة للدولة وفلسفة بناء الدولة وأسلوب التعامل مع هكذا تمرُّد مسلَّح. · إعتدت هذه المجاميع المسلَّحة على مواطنين عراقيين، وعلى موظفين حكوميين (أفراد الشرطة)، وعلى ممتلكات حكومية (حرق سيارات الشرطة ونسف مراكز الشرطة). · أطلقت تلك المجاميع المسلَّحة معتقلين لدى الأجهزة الأمنية فيهم مجرمين إعتياديين وفيهم مشتبه بهم على سبيل التحقيق في أعمال قد يطالها القانون، وفيهم مجرمين خطرين متهمين بأعمال تتعلق بالإرهاب وإستخدام المفرقعات والمتفجرات في مناطق مدنية يسلكها عامة الناس، وفيهم معتقلين متهمين بالتجسس لمصلحة دول مجاورة على رأسها إيران. · أثبتت هذه المجاميع أنها فوق القانون، وأنها (وإن كانت على خلاف مع الشرطة وهي جهاز تنفيذي) أثبتت أنها لاتثق بالجهاز القضائي العراقي وبذلك تنسف أكبر مؤسستين تمثلان معالم السلم الأهلي في المجتمع. · أثبتت الأحداث تورط الحكومة المحلية (المحافظ) في الأحداث، وأنه لم يقدم الإسناد السوقي للأجهزة الأمنية وبذلك يكون قد عرَّض أرواح المواطنين، وأرواح موظفين حكوميين للخطر، وعرَّض ممتلكات الدولة العراقية ليس للخطر فقط بل تم إحراقها ونسفها فعلاً، وإن هذا التقصير (إن عددناه تقصيراً) إذا لم يكن جريمة الخيانة فهوالولاء لجهة حزبية أو تنظيمية على حساب الولاء للوطن، إذا لم يكن كذلك فهو التقصير عن إداء الواجب الذي إضطلع بمهامه عند فوزه بالإنتخابات، هذه الشخصية التي تنساق الى أهوائها وإنتمائها وتترك حياة وممتلكات المواطن والدولة ليست محل ثقة وفضلاً على ذلك فهي ليست ذات مقدرة على النهوض بالواجب. · أثبتت الأحداث أيضاً سلوكاً غير مقبول من قبل المحافظ،حيث تواطأ هذا الرجل مع جهات تتستر على مشتبه بهم في عملية إغتيال (مُسَيَّسَة) لموظفين حكوميين وهم مدير الإستخبارات وأفراد حمايته، وجميعهم من عشائر جنوبية معروفة طالبت وتطالب بتسليم القتلة للعدالة، وحين نفذَّت الشرطة واجبها قوبلت بحملة مسلَّحة لمنع تنفيذ حكم القانون، وكذلك إيكال أمر المواطن الى رحمة حملة السلاح فإن منحته حقوقه فبمنة، وإن منعت فليس له إلا الصمت أو القتل، والمصيبة هي أن يُقِرَّ المحافظ هذه الأعمال على الرغم من أن الشعب هو الذي إنتخبه وأقسم يمين الولاء له. · إستهتار الحكومة المحلية بأرواح الناس وعدم تعقب القتلة جعل عشائر الضحايا تسعى الى أن تنال من القتلة بنفسها والسماح بالأمور الى أن تصل لهذا الحد هو هدم لأهم ركيزة من ركائز بناء المجتمع المدني المتسالم، بل يؤسس هذا الى الهرج والمرج الذي يرفضه العقل والمنطق والشرع، والأقبح من كل ذلك أن تنشب حربٌ بين عشائر الضحايا ومؤسسة كاملة تحمل السلاح غير المشروع وغير المرخص مما يهدد بحرب لاهوادة فيها بين المؤسسة العشائرية ومؤسسة في الظاهر هي مؤسسة دينية ولا تخفى تداعيات (الفكرة) وحدها فضلاً على تطبيقها!!!!!!!!!!!!. · الحكومة المركزية لم تصدر أوامرها للجيش العراقي لكي يفرض تطبيق القانون، كما لم تستدعِ الجيش البريطاني الذي عرض مساعدته، وبعد أيام عديدة من الإقتتال بين العشائر والقانون من جهة والمؤسسة الدينية المسلَّحة من الجهة الأخرى أرسلت الحكومة قوات عسكرية تابعة للجيش العراقي لفرض الأمن، ويتداول الناس الآن في العمارة حقيقة تكاد تكون (طرفة) وهي أن قائد القوة العسكرية زارة مكتب المؤسسة الدينية وطلب عدم التعرض لقواته وفي حال (رغبتهم) القيام بعمل مسلَّح فيكفي إعلام القائد لكي يسحب الجيش ويتجنب الصدام معهم، ويترك المدينة عرضة لنقة أناس (غاضبين حاملين للسلاح). · الحكومة المركزية أرسلت وفداً لحل الأزمة في العمارة وهم (حسن الساري – وزير دولة، محمد العريبي – وزير دولة، شيروان الوائلي – وزير الأمن الوطني) ولمن لايعرف هؤلاء الشخصيات فهم جميعاً من الجنوب (الساري والعريبي من العمارة) والوائلي من الناصرية، وأهاليهم وأقربائهم يسكنون مناطق خاضعة لنفوذ المؤسسة الدينية المسلَّحة، وينبئنا التأريخ القريب لتصرفات هذه الجماعة (بغض النظر عن قبول أو رفض قياداتهم بهذه الأعمال) أن أهالي الوزراء وأقربائهم سيتم خطفهم والتهديد بقتلهم في حال (خالفهم المسؤول الرأي) والمثل الأشهر كان شقيقة حازم الشعلان وأبناء عمومة جواد البولاني. · حين زار الوفد محافظة العمارة لم يكن همهم فرض الأمن عبر القانون .. ربما خشية التنكيل بعمومتهم أو ربما هنالك أسباب أخرى .. إلا أن الواضح كان (تهدئة) القضية على حساب مستقبل المواطن وأمنه حيث ترك حبل الأمور على غاربها وبقي السلاح خارج حدود القانون يستطيع قول كلمته الفصل في أية عملية أمنية لتنفيذ القانون. · تشي المفاوضات لوفد الحكومة بأن (المسؤولين الحكوميين) ليسوا بصدد إنشاء دولة تعتمد القانون طريقاً للتعامل اليومي بين المواطنين ... وبين المواطنين والأحزاب والجماعات السياسية، ويتحدث الواقع عن نفسه فيقول بأن هؤلاء المسؤولون يضعون المصلحة الحزبية وتحالفات أحزابهم مع بعضها البعض فوق ولائهم للوطن والمواطن وفوق القانون. من كل هذا الذي جرى ويجري سيكون التساؤل حول فلسفة بناء الدولة الجديدة مشروعاً بل على رأس أولويات المواطن لكي يعلم كيف يحمي نفسه وعائلته!!. وإذا كانت العمارة وهي المنطقة الآمنة بالمقاييس العراقية الجديدة يتم التآمر عليها والتحايل على المواطن فيها بهذه الطريقة .. فكيف سيكون التعامل مع المناطق الأكثر سخونة ؟ والى أي مدى يمكن للمواطن أن يثق بحكومة تتاجر بأمنه للحصول على مكاسب سياسية وتحالفات حزبية وعدم التفريط بمصلحة أحزابها؟؟ الوفد خرج من العمارة ضاحكاً .. وأهالي الضحايا ينتحبون .. ولو علموا فالحقيقة المريرة التي يتناسونها اليوم هي – الرفض الشعبي – لهذه الفلسفة القائمة على (تبويس اللحى) وتضييع حقوق الضحايا ما يؤسس لدولة سلطة السلاح غير الشرعي وليس سلطة القانون، وهنالك إنتخابات قادمة فالسنوات الأربع في عمر الشعوب قصيرة .. وسينتحب هؤلاء لو كان للبسطاء وعيٌ ولو في الحد الأدنى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |