الثقافة الوطنية العراقية في إقليم كردستان

 محمد الكحط / ستوكهولم

mk_obaid@yahoo.com

على هامش المهرجان الثقافي لرابطة الأنصار الشيوعيين الذي عقد في تموز الماضي في مدينة أربيل عاصمة أقليم كردستان، كان لنا لقاء حميمي مع وزارة الثقافة في الإقليم بشخص وزيرها الأستاذ فلك الدين كاكائي ووكيلي الوزارة الأستاذ الفنان جعفر حسن والأستاذ عزيز حريري، وكان الهمّ الثقافي الوطني حاضراً فتناولناه من زوايا مختلفة وكانت الوزارة سباقة في الحديث عن نشاطاتها وفعالياتها وطرحِ أفكارٍ عديدة معظمها يتناول المشروع الثقافي في العراق ككل، ومشاريع أخرى خاصة بالإقليم بالثقافة الكردية وهذا حقٌ طبيعي وضروري، فوجدنا هنالك مشاريع وأفكار لمشاريع تخص تطوير المرأة من مختلف المحافظات وأخرى منوعة للتثقيف والتوعية، ووجدنا توجهاً وطنياً لدعم وتعزيز الثقافة الوطنية، بعيداً عن الطائفية والتعصب، و هنا لا نريد كيل المديح لهؤلاء السادة المسئولين فهم ليسوا بحاجة لذلك أبداً ومن يعرفهم جيداً يقدر ذلك، بل أن وجود هكذا أشخاص بهذا الموقع هو أنتصارٌ للثقافة الوطنية العراقية بشكل عام وللثقافة الكردية بشكل خاص. في ذلك اللقاء الجميل الودود والأخوي والمفعم بروح الشعور بالمسؤولية حملنا ، نحن الأنصار، الوزارة مهاماً وتمنينا أن يكون تأثيرها أكبر في الشأن الثقافي العراقي وخصوصاً في المركز، حيث تتداعى الثقافة الوطنية وتتراجع النشاطات، وتشيع ثقافة التخلف وتضيع القيم الإنسانية والوطنية دون مشروع ثقافي وطني حقيقي يلوحُ في الأفق، وقد وعدتنا الوزارة ببذل كل ما تستطيع رغم صعوبة وتعقد الأمور والتي ندركها جيدا.

وكانت الفترة اللاحقة مليئة بالعمل وتثبيت أمور الوزارة لتنطلق إلى العمل الميداني المبني على خطواتٍ مدروسة، وشاهدنا كيف يكلف السيد الوزير نفسه شخصياً ليقوم بزيارة الفنان العراقي الأصيل فؤاد سالم في مشفاه في دمشق ليطمئن على سلامته، وكيف تقوم الوزارة بأستقدام فقيد المسرح وأحد رواده خليل الرفاعي ليتلقى العلاج في مستشفيات أربيل، رغم أن الحظ لم يسعفه لصعوبة حالته الصحية، وشاهدنا متابعة الوزارة للكثير من شؤون الثقافة الوطنية منها الأشراف على مهرجانات للثقافة اليزيدية والكلدانية الآشورية السريانية في الإقليم، و أخيراً وليس آخرها ، موافقة الوزارة على أستضافة مهرجان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في الإقليم، وهو شاعر العرب الأكبر والذي تغنى بكردستان، حيث يصعب قيام المهرجان في أجزاء الوطن الأخرى بسبب الظروف الأمنية. وهذهِ الخطوات الجميلة والرائعة من شأنها أن تعزز روح الأخوة بين أبناءِ الوطن الواحد وتشدهم لبعض، وتنهي الضغائن. أن قيام الفعاليات الثقافية المشتركة لأبناءِ الوطن الواحد ودعم المنتوج الثقافي الوطني بشكل عام، هو ما مطلوب من الجميع وخصوصاً في الحكومة المركزية، ومن وزارة الثقافة بالذات، والتي يتطلب أن تتبنى مشروعاً وطنياً يشيع الثقافة الوطنية وينبذ الطائفية ويرسي الديمقراطية وقيم العدل والتسامح والحرية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان وأحترام التنوع الثقافي وتقبل الآخر، ولنستفيد من تجارب الدول المتحضرة التي أستقدمت مئات الآلاف من البشر من دول وقوميات وعروق مختلفة، وكيف أصبحت هذهِ الدول متعددة الثقافات، وكيف تضع مشاريع ثقافية تنموية للإندماج كي تجعل الجميع يشعر بوجوده في هذا البلد، وتضع الإنسان كقيمة عليا هدفاً لهذهِ المشاريع، وتغتني معظم الثقافات من خلال تلاقيها وتبادلها وحتى تلاقحها لتقيم ثقافة إنسانية عصرية وحضارية توعد بعصرٍ جديد للبشرية، يحترم الجميع فيه كل الثقافات، حيث لا عرقٍ أفضل من عرق ولا الأبيض أفضل من الأسود، وليس هنالك مكان لنبذ أحد أو التعصب لطرفٍ على حساب آخر.

فكيف نحن أبناء الوطن الواحد أصلاً، بل نحن أبناء أقدم وأعظم الحضارت، نفتقد لهكذا مشاريع، نجدها اليوم ضرورية أكثر، حيث بلغَ السيلُ الزبى، وأصبح الوضع معقداً جداً.

 أن للثقافة الوطنية المبنية على أساس المواطنة وحب الشعب كله كوحدة واحدة وحب الوطن وأحترام حرية التعبير وحقوق الإنسان، دوراً رائداً في تطور المجتمع العراقي وهو مجتمع متعدد الأعراق والأجناس، حيث عاشت أطياف هذا الشعب آلاف السنين متآلفة مع بعضها، و تلاقحت فيه حضارات عدة، ولم يستطع أحد من أبنائه أن يلغي الآخر، فلنا تجربة كبرى ورائدة لكن الشياطين عبثت بكل ذلك وخصوصاً النهج الشوفيني للنظام الدكتاتوري لعقودٍ عديدة وقمعه المستمر للحريات ولد شكلاً من التوتر الطائفي الذي غذته أطراف معينة لمصالح حاقدة بعد سقوطه، وهذا يحتاج من الجميع وأولهم المثقفون العراقيون الوقوف بصلابة وتحدي تاركين خلفهم كل الخلافات الثانوية متعاضدين متكاتفين لقيام مشروعٍ رائد يضع حداً لكل ماهو غير وطني ولكل ماهو لا إنساني ولكل ماهو متخلف.

وكم بودي أن يكون لكردستان العراق دور رائد في هذهِ العملية، كردستان التي كانت ولا زالت منطلقاً ومركزاً للنضال الوطني والتي كان لها دور فعال في إسقاط الدكتاتورية وروت أرضها الطاهرة دماء أبناء شعبنا البررة دفاعاً عن قيم الوطنية والحرية والعدالة وأظن أن وزارة الثقافة في الإقليم لديها أفكار بهذا الحجم، لكن هكذا مشروع يحتاج دعم الجميع، وخصوصاً الحكومة العراقية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com