قناة الشام الفضائية: الكوميديا السورية السوداء مستمرة!!!

نضال نعيسة / لندن

sami3x2000@yahoo.com

قلوب السوريين جميعاً، وعيونهم الذابلة المتعبة، كانت ترنو بلهفة، وشوق، وغيرة وطنية دافقة، لوليدهم الفضائي الجديد، قناة الشام الفضائية، والتي كانت تجسيداً عملياً، وعنواناً عريضاً، لمرحلة جديدة، يعبر فيها السوريون، وبمعية قيادتهم الشابة، من عصر إلى عصر، ومن زمن إلى زمن، ومن فضاء قديم، إلى فضاء كوني رحب جديد. ولكن، وبكل أسى، ولوعة، وحزن، ولم تكتمل فرحة العيد بعد، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان، واختفت فجأة من على الشاشة ذاك "اللوغو" الجميل، وواضعاً بذلك، حداً لحياة هذا الحلم الجديد، الذي لما يزل بعد، في أيام الأولى، يدغدغ مخيلة السوريين، بطفرة إعلامية واعدة، وجامحة، تقتلع كل ما علق على جبين إعلامهم القدري القديم من أدران، وأثقال، وعلامات فارقة ميزته عن الإعلام العالمي، ولا تعكس حقيقة، وطبيعة وجه سورية الحضاري، المشرق الأصيل، ضارب الجذور في أعماق التاريخ.

والإبداع عنوان ملازم للنشاط البشري الخلاق، منذ فجر التاريخ، وكان الدافع، والمحرك الباعث للتطور الإنساني العظيم، فما بالك إذا كان هذا المبدع هو الإنسان السوري، صاحب أول حرف، وأول لحن، وأول سفين يمخر عباب البحر الفسيح، ذاك الفينيقي  العبقري الفذ العظيم، الذي بدأت سيرته العطرة مع بزوغ فجر التاريخ البشري. ومن هذه الأرض التي تكتنز الخير، والمواهب، والجمال، والأدمغة العبقرية المتميزة، والتي رفدت البشرية بكل ما هو ضروري، لمقارعة خطوب الدهر، وأنوائه الهائجة، يقهره، ويحقق عليه الانتصار، تلو الانتصار. وأظن، وكما الجميع، بأن قناة الشام الفضائية، كانت واحدة، من تلك المظاهر الإبداعية السورية المعهودة، التي استطاعت، وبرغم عمرها البرعمي الفتي، أن تستقطب، ويلتف حول شاشتها، السوريون، في مشارق الأرض، ومغاربها، وأن تكون انعكاساً حقيقياً، لليد، والعقل، والإبداع السوري الأصيل.

 إن الشواهد ماثلة، اليوم، وبقوة، أمامنا، على قدرة هذا الإنسان السوري على تخطي المحلية، والتحليق عالياً في سماء العالمية. ولنا في الدراما السورية، وحين أفسح لها في المجال، خير دليل، أن تخرج من قمقمها، وأن تضع الجميع، وراءها، وبمسافات ضوئية، وتتبوأ سدة الريادة، ومراكز الشرف، والصدارة وبدون منافس، أو منازع، على هذا العرش الفني الفذ الفريد، الذي لا يتحقق إلا للمبدعين، والأذكياء الموهوبين. وكذا هو الحال، على ما نظن، وبأبسط الافتراضات، والإسقاطات، في شتى الميادين، والنشاطات البشرية الأخرى، فلم لا نعتق المارد السوري، لينطلق من قمقمه، ويتحرك في كل الاتجاهات، ونرى كم هم الآخرين ضعفاء، ومعدمين، ومهزومين، ومتواضعين مساكين، أمام هذا التنين الإبداعي الخارق الكبير؟

وحسب تكهنات، وأقوال، دارت هنا، وهناك، فإن قناة الشام الفضائية لم تستحصل على التراخيص القانونية المطلوبة، واللازمة للبث، والموافقات التي حصلت عليها كانت فقط لفترة بث تجريبي. وكان المطلوب استكمال هذه الإجراءات، والحصول على ترخيص رسمي، قبل الانطلاق النهائي. وأياً تكن الأسباب، والدواعي، والأعذار، وإذا كان هناك أية ثغرة قانونية، أو تقنية في الموضوع، فكان من المؤمل التريث، وإعطاء مهلة زمنية ما، لاستكمال تلك الإجراءات قبل حدوث ذلك الإجراء القاسي، والأليم. فكم سيفرح الأعداء، الآن، ويصفق الشامتون، ويهلل المتربصون، وقد يتوجس كثيرون قبل الاستثمار في المجال الإعلامي، فيما لو أعطي انطباع خاطئ، ونقلت الصورة بشكل سلبي مع قليل من "المنكهات" المعروفة، ومن جهات بعينها، عما سيؤول إليه أي مشروع حضاري جديد، وأي نشاط إبداعي سوري.

نعلم تمام العلم، وندرك، وهذا حق مشروع لكل نظام، أن هناك سياسة رسمية معلنة لكل بلد. وبالتالي، أن يكون هناك، وسائل إعلامية ناطقة، باسم هذا النظام، أو ذاك، وتعكس وجهة نظره. وهذا أمر معروف، وموجود، ومبرر، في الآن، في جميع دول العالم. ولكن ما هو غير معقول، وغير مبرر، أن تتم  "أَنـْظـَمَة"، و"رسمنة"، و"توجيه" كل نشاط، وكل إبداع، وكل حركة، في الحياة، بحيث تدخل الأمور، في المحصلة، في نمطية قاتلة، وقوالب جاهزة، وأكليشيهات جاثمة، لتنتهي الأمور إلى ركود، وشلل عام، وكما هو حاصل الآن.  ومن الحنكة، والبراعة، والدهاء أن يكون هناك، دائماً، أذرع إعلامية مستقلة، أو شبه مستقلة، كما هو جار  في كل مكان، يوصل هذا النظام، أو ذاك، ومن خلالها، رسائل معينة، لجهات، وأطراف، إقليمية، أو دولية، بعيداً عن لغة الإعلام الرسمي، والتي لا يستطيع، ولأسباب كثيرة، يتعلق جلها بالعلاقات الدبلوماسية الثنائية بين الدول، أن يوصلها من خلال إعلامه الرسمي، إن كان ذلك يسبب إحراجاً، أو تدهوراً للعلاقات بين هذا النظام وتلك الأطراف، والتعلل دائماً، فيما لو حصل أي نوع من لوم أو عتب، وكما يفعل كثيرون، وتحديداً، الآن، بأن هذه وسائل إعلامية مستقلة، ولا سيطرة لنا عليها، ولكي لا يصبح الإعلام الرسمي، مصباً لكل السلبيات، وعرضة للانتقادات.

و إننا نعلم اليوم، وفي خضم هذه الحملة الشرسة، وغير المسبوقة، ضد سوريا، ومن أبواق إعلامية معروفة، مملوكة لأطراف إقليمية فاعلة في المنطقة، فقد صار لزاماً، ومحتماً، أن يكون لدينا، وبموازاة ذلك كله، منابر قوية، للرد على أولئك المغرضين والمأجورين، وألا نبقى صامتين، ولسان حالنا يقول ليس بالإمكان إلا ما كان، ولا نريد أن نفسد، أو نعرض علاقاتنا مع تلك البلدان لأي خطر. والمطلوب هنا، وتحديداً، منابر، و قنوات إعلامية قوية، حرة ومتحررة من القيد الرسمي، وتستأثر بمتابعة، واهتمام من الجميع، يتم من خلالها إيصال الرسائل، التي لا يمكن إيصالها من خلال الإعلام الرسمي الرصين، الذي لديه الكثير الاعتبارات، والحدود، والقيود التي تراعي المصالح العليا للوطن، وهذا أمر مشروع، ومفهوم كلياً.

إننا، ومن على هذا المنبر السوري الحر، نناشد كافة المعنيين، التدخل فوراً لتطويق هذه الزوبعة الإعلامية التي لا تسر الأصدقاء، والمحبين ولنشل قناة الشام  من محنة إرث الماضي، والبيروقراطية والروتين، وعودة الحياة لوليدنا السوري المغيب العزيز، ولضخ الدماء من جديد في هذا الأمل الكبير، الذي كنا نتمنى أن يشب، ونرعاه جميعاً بكل عناية، وعطف، ورعاية، من كل سوري، وأينما كان، ولعودة البسمة، والإشراق لثغر الجميع. ولا ننسى، في الوقت ذاته، البعد الإنساني، والاجتماعي للموضوع، حيث أن هذه القناة، توظف المئات من أبناء سوريا، في هذا الظرف الاقتصادي العصيب، وهي مصدر رزق، ودخل لهم ولأسرهم، وعائلاتهم، وبما يعني ذلك كله، من قطع لرزقهم، ومصدر دخلهم، ولقمة عيشهم، وعيش "زغب القطا" الصغار الحلوين. كما نناشد  السادة الكرام المعنيين، وبكل محبة، ومودة، واحترام، ولين، أن يوفروا، وإضافة لقناة الشام الفضائية، المزيد، والمزيد من المنابر الوطنية، للرد على أولئك المغرضين، والمأجورين، وفضحهم، وتعريتهم أمام الملأ، والرأي العام المحلي، والعالمي. وأن نجد في منابرنا الوطنية السورية، متنفساً، وموئلاً، ومنبراً محلياً، ومنطلقاً للرد على جميع الطامعين، والحاقدين، وإسكاتهم إلى الأبد بالحجة، والمنطق، والدليل القاطع اليقين. لا أن نبحث هنا، وهناك، ونتوسل عمن يجود، ويمنَ علينا، هذا إن تنازل طبعاً، لإيصال صوتنا الخافت، المكبوت، الضعيف.

كسوريين أصلاء، وبررة، وعشاق لهذا الوطن العظيم، ننتظر قراراً شجاعاً، وحكيماً، من أصحاب الشأن، وأبرار سوريا وشجعانها، والذين عهدنا في مواقفهم، كل رجولة، ونخوة، وبطولة، وإباء، ويد كل سوري على قلبه، وفؤاده يتضرع للسماء، في هذه الأيام المباركة من العام، أن تخرج قناة الشام السورية، من هذه المحنة، ومن غرفة العناية المركزة، ومن بين مباضع الجراحين، بكل عافية، وصحة، وتعود إلى بيتها الصغير الدافئ، في قلب الشام، ليتحلق حولها، وكأسرة واحدة، ومن جديد، كل السوريين، لتشارك، مع الجميع، في بناء هذا الحلم العظيم، والوطن الجميل.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com