|
حرب الإعلام - الإعلام كسلطة رابعة فالح الساعدي سلطة الإعلام تتعدى أحياناً قدرات الكثير من الدول بكل أجهزتها و جيوشها الإعلام الموجه يصبح جهاز حرب عندما يعمل في دولة غير دستورية مفهوم السلطة الرابعة ظهر مفهوم الإعلام كسلطة رابعة مع ظهور الحكومات الدستورية و تبلور مفهوم السلطات الثلاث. أي عندما بدء الفصل بين السلطة الدستورية والسلطة التنفيذية و السلطة القضائية و إعتبارها سلطات مستقلة. و من هذا المنطلق جاء تعريف الإعلام كسلطة أخرى في الدولة التي تتكون من السلطات المذكورة أعلاه. وتعريف الإعلام كسلطة من سلطات الدولة يعتمد بالطبع على العلاقة بينه و بين الدولة وأجهزتها. فمفهوم السلطة الرابعة غير جائز إذا كانت هنالك علاقة ما بين الدولة و الإعلام أو شكل من أشكال التأثير للحكومة على الإعلام. هذه الحالة تظهر عندما تسيطر أجهزة الدولة على الإعلام و تشرف عليه وتسيره بما تراه مناسب لها. مثل هكذا إعلام لايمكن أن نسميه سلطة لأنه تابع لجهاز الدولة المستبدة. أي أنه جزء من أجهزتها. ينبغي الإشارة هنا الى أن مفهوم السلطة الرابعة في الدول الدستورية لا ينطبق فقط على الإعلام بل كذلك على منظمات المجتمع المدني و الإتحادات و النقابات و البنوك أيضاً.
المقارنة بين سلطة الإعلام و السلطات الأخرى هنالك أوجه من التباين و الإختلاف بين الهيكل التقليدي لأجهزة الدولة و سلطاتها ومنها سلطة الإعلام. فالإعلام كماهي الدولة لديه تأثير على رقعة جغرافية أو أثنية ولديه جمهوره ، مستمعيه أو قرائه أو مشاهديه يؤثر عليهم و يسيرهم من خلال برامجه. لذلك فإن السياسة و الإقتصاد في حكومات الدول الدستورية تقيس تأثير و نفوذ جهةً إعلاميةً ما بعدد قرائها و بقعة إنتشارها. إن تأثير و نفوذ الإعلام أمر واقع مقرون بوجوده. فلا يمكن للمرء أن يهرب من نفوذ الإعلام. إذ هنالك القليل من البشر ممن لا يقرء الجريدة أو يسمع الراديو أو يرى التلفزيون . الإعلام له حضور دائم. وكلما إزددنا سماعاً و رؤية له كلما زاد نفوذه علينا. الإعلام ليس له تأثير فعلي بمفهوم السلطة التنفيذية للدولة. أي أنه لا يقوم بالفعل نفسه بصورة مباشرة. لكنه يمكن أن يحول المستمع أو المشاهد الى أداة فاعلة عن طريق التحريض لأمراً ما. أو إعطاء تصور مسبق عن حدث ما. كما هو الحال في بعض وسائل الإعلام العربية التي تحارب العراق، فهي تحول بعض من المستمعين أو المشاهدين الى عبوات ناسفة. وتجعل ضابط الحدود أو المطار في الدول المجاورة للعراق يغض الطرف عن المتسللين للعراق و يرى فيهم ليس إرهابين بل مجاهدين. الإعلام لايمكنه أن يغير القوانين و لكنه يستطيع التأثير على المستمع أو المشاهد عن طريق تحريضه وإعطائه تصور جاهز عن التغيير الذي يرتئيه (الإعلام لا المشاهد بالطبع). الإعلام لا يمكنه أن يصدر حكم بتهمة ما ضد أحد و لكنه يستطيع التأثير على الرأي العام وعلى المحلفين أو أحياناً على الحكام لإصدار الحكم المناسب (للإعلام لا للقضاء بالطبع). السلطة الرابعة - سلطة الإعلام - تأثيرها و نفوذها وقدرتها على التغيير تتعدى أحياناً قدرات الكثير من الدول بكل سلطاتها و أجهزتها و جيوشها. يمكننا أن نقول دون تحفظ أن الإعلام لديه الآن القدرة للتحضير ومتابعة و توجيه وإنجحاح العديد من التغييرات السياسية و إشعال الثورات أو التوترات السياسية أو تحريض جهة ما ضد جهة أخرى أو إشعال الفتن و الحروب الطائفية أو العرقية في العديد من دول العالم. يستطيع الإعلام من خلال الضغط السياسي تغيير الأنظمة وإبدالها بأنظمة أخرى. تأثير ونفوذ وتدخل الإعلام في الشؤون الداخلية للدول لا تقف أمامها حدود أو إتفاقيات أو إلتزامات دولية و لا مواثيق، لا قوانين و لا إلتزامات أمام الأمم المتحدة أو ماشابه ذلك. إنه ذبذبات تنقل عبر الأثير. بدون الإعلام لم يكن من الممكن إنجاح التغييرات التي جرت في المعسكر الإشتراكي والإسراع بإسقاط الإنظمة البوليسية هناك بدون أي تدخل عسكري من قبل جيوش حلف الناتو. وكم من الحكومات سقطت بما يسمى بالثورات البيضاء بتأثير ونفوذ الإعلام فقط. و من الأمثلة المهمة في الشرق الأوسط هو دور الإعلام في إنجاح التغيير السياسي في إيران وإسقاط سلطة شاه أيران التي كان المراقبين السياسيون آنذاك يعتبرونها مطلقة، وقيام الدولة الإسلامية في إيران.
الإعلام كجهاز حرب لقد إستخدم الإعلام في بعض الدول الدستورية أو لتقل وجه نحو العمل كجهاز دعائي للترويج لأفكار ما، كما ذكرنا أعلاه بدور الإعلام الغربي في إسقاط أو على الأقل الإسراع بإسقاط العديد من دول المنظومة الإشتراكية دون مشاركة القوى العسكرية لحلف الناتو. المشرفون على الإعلام الغربي يرفضون هذا الإتهام لأنهم يقولون أنهم إنما روجوا لأفكار هم يؤمنون بها وواثقون من صحتها ، كالديمقراطية و حرية الرأي و الإنتخاب و الحريات العامة الأخرى. لكن رغم هذه المساهمة للإعلام الغربي فإن الإعلام كسلطة رابعة من السلطات المستقلة لدولة دستورية لا يمكن أن يسمى بجهاز حرب لأن هنالك دستور ينضم عمل سلطات الدولة. لكن الإعلام الموجه يصبح جهاز حرب عندما يعمل في دولة غير دستورية ضد دولة أخرى.
هنالك ظاهرة غريبة في الدول العربية حيث نلاحظ فيها المثقف العربي يتنصل من كل إلتزاماته أمام شعبه في المطالبة بالحرية و الديمقراطية ومحاربة البطالة و حق التعيلم وتصنيع البلاد ويصب كل غضبه و عجزه عن القيام بمهمته الحقيقية هذه على العراق و على أهل العراق. والحكومات العربية تتاجر بهذا الأمر على أنه حرية رأي منحتها هي للمثقف العربي. وحسب مفهوم الإعلام كسلطة رابعة و مفهوم حرية الرأي فيمكننا القول أن الجزيرة هي جهاز حرب و ليست وسيلة إعلام حرة كما يحاول البعض تسميتها ،لأن وسيلة الإعلام الحرة بالمفهوم المهني لا يمكن أن تعمل في دولة غير دستورية. الإعلام يمكن أن يحمل صفة الإعلام الحر إذا عمل في دولة يشرف فيها الشعب على الحكومة و أجهزة الدولة بالإقتراع السري المباشرعن طريق إنتخاب ممثليه في السلطة التشريعية، التي تختار من بينها الحكومة. ليس هنالك في أية دولة عربية بإستثناء العراق إعلام يمكن أن يصف نفسه بالإعلام الحر رغم الجو الإرهابي السائد في بعض مدن العراق، لأن صفة الإعلام الحر تشترط وجوده في دولة دستورية حقيقية. قوة الإعلام الموجه ضد العراق كما ذكرت في بحوث سابقة في هذا الموضوع تكمن في أنه يلبس لباس الإعلام الحر فيبدو بذلك وكأنه السلطة الرابعة (والتي هي كما بينا أعلاه أقوى سلطة في الدولة وأكثرها تأثيراً) . فيتمتع بذلك بكل القوة والنفوذ الذي تتصف بها هذه السلطة. مدرع بدرع الرأي االحر مما يجعل تأثيره على الرأي العام كبير جداً. وإذا توفر لمثل هذا الإعلام الإمكانيات المالية الازمة للتسلح بالأسلحة الحديثة لحرب الإعلام فسيكون نفوذه واسع وبالتالي قدرته على التغيير كبيرة جداً. وعندما توجه كل هذه القوة نحو نقطة واحدة وهي ضرب العملية السياسية في العراق ، فإن تأثيرها غني عن التعريف، فما يحصل من دمار في العراق لم تراه البشرية من قبل بمثل هذه الكثافة الكمية و الزمنية العراق في الوقت الحالي يمكن أن نسميه بمفهوم حرب الإعلام أعزل لأن العراق ليست لديه أجهزة إعلام قادرة على صد الهجمات الموجهة ضده.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |