بعض الأطراف السورية المعارضة تحث الخطى باتجاه واشنطن، غير عابئة بما يجلبه لها هذا من توجس عام في الشارع السوري، وعلها ترى لدى واشنطن الترياق الشافي لعزلتها السياسية، وحالة العجز، والكمون التي وصلت إليها. وصار الاستقواء بأمريكا هدفا معلناً لبعض فصائل المعارضة السورية بعد أن كان سبة، ولعنة، ووصمة عار، في أدبيات هذه المعارضة، أيام الصخب الوطني الغابر. فيما أشارت آخر الأنباء، أن حزباً سورياً معارضاً اشتهر دعاته بالمراهقة، والتهريج السياسي العام، خلال عمره القصير، قد ذهب هو الآخر باتجاه البيت الأبيض طلباً للعون، والدعم، وعل أمريكا المأزومة تنشله من استمرار غرقه نحو قيعان مظلمة من العتمة، والإهمال، والنسيان.
ومجمل هذه التحركات، غير المنسقة، يتسم في الواقع، بعدم القراءة الجيدة لواقع الحال السياسي، الذي يحتم على هذه القوى، نفسها، ومن باب النخوة فقط، أن تهب لمساعدة واشنطن للخروج من مأزقها، وورطتها في كل من فلسطين، ولبنان، وأفغانستان، والعراق، هذه الجروح الأمريكية الدامية، التي لا تلبث أن تتوسع، وتزداد ألماً مع الأيام، لتصير كابوساً يؤرق جورج بوش، وتوني بلير، وتجبر التكساسي المغامر أن يعترف أنه في مواجهة فيتنام أخرى هذه الأيام، تلك الذكرى المؤلمة، والمريرة في نفس كل أمريكي. وتشير كثير من المقالات، والدراسات، والتحليلات على اقتراب نهاية مشروع المحافظين الجدد برمته، وانهياره في القريب العاجل، حيث أن واشنطن التي يطلب هؤلاء مساعدتها، هي بحاجة إلى حبال الهواء، وأية قشة أخرى، يمكن أن تتمسك بها، وإلى أي طرف إقليمي فاعل، قبل أن تهب هي لمساعدة فلول، وبقايا هذه المعارضات البائسة، التي لا تعرف، كيف، ولا من أين تنفذ لساحتها الوطنية، ووجدت في وطريق اشنطن، درباً لـ"الخلاص". واشنطن ذاتها التي لا تعرف كيف "تخلص"، وتخرج من ورطتها في العراق، لا يعتقد بأنها قادرة على إرشاد الآخرين إلى طريق "الخلاص"، بل إلى مزيد من الضياع، والضلال.
وإنه لمن دواعي الحكمة، والتبصر، الآن، أن يفكر الشعب الأمريكي، نفسه بإنشاء جبهة وطنية أمريكية للخلاص ، وحزباً لـ"إصلاح"، خطايا، وكوارث، وتعثر جورج بوش في المنطقة. جبهة الخلاص الأمريكية هذه عليها، بعد أن تعقد مؤتمراً في بروكسل، أو الرمادي، أو تلعفر، أن تطلب المساعدة، والدعم من قوى فاعلة في المنطقة، استطاعت أن تقلب الطاولة، واستعاد ت زمام المبادرة. ومن يطالع التحليلات، والمقالات اليومية الصادرة عن كتاب، واستراتيجيين غربيين كبار يدرك تماماً، أن أمريكا باتت فعلاً، بحاجة إلى جبهة خلاص أمريكية يتولاها عقلاء أمريكا، لا مجانينها، وبلهاؤها، وتعيد لهم شيئاً، من الكرامة، والعنفوان المفقودين، هذا إذا بقي لديهم أية كرامة، وعنفوان.
لقد كان قصر النظر السياسي سمة عامة للسياسة الأمريكية الشرق أوسطية، التي اعتمدت على خيار القوة، وتطويع الناس عسكرياً، ونسي هؤلاء المغامرون أن في التاريخ والحياة حقائق دامغة لا يمكن أن تغيب عن بال أحد سوى المعتوهين، والحمقى والأغبياء. فماذا تنتظر أمريكا من شعوب، لم تعد تملك سوى خيار المقاومة، ولم تترك لها أمريكا وربيبتها الإسرائيلية، أي أمل بحياة حرة وكريمة. لقد جرّوا بسياساتهم الخرقاء، الجميع نحو خيارات المقاومة التي ما بعدها خيار، وقد نجحت هذه الخيارات حتى الآن في وقف ماكينة المشاريع الأمريكية ، وحشرت أمريكا نفسها في خانة ضعيفة. ولعلها المرة الأولي في تاريخ الحروب التي يحتمي فيه الغزاة في مناطق، وثكنات، ومعاقل، لا يتجرؤون على مبارحتها، ويتعرضون في كل يوم للمذلة، والمهانة، والإذلال.
فمن يراهن على أمريكا في هذه الحال، ومن يعول عليها في أن تنقذه من تورطه السياسي، وهي ذاتها بحاجة لمن ينقذها، وينشلها من ورطة كبيرة؟ يبدو أن غلاة المحافظين الجدد، بغطرستهم، وغرورهم لم يحسبوا هذا الحساب.
الذاهبون اليوم، والحجاج إلى البيت الأبيض الأمريكي الحرام، فقط اليوم، ولكي نكون موضوعيين، فقد تتغير الأحوال غداً، وباتجاه واشنطون، وأولئك الذين يطلبون نجدتها، قد أخطئوا في الهدف، والمسير، والاتجاه، وحتى إن كانوا قد أخطئوا، وما دام أنهم قد وصلوا هناك، و"بطريقعهم"، وما دام قد صارت وصارت، فعليهم أن يقدموا أية مساعدة، أو مشورة، أو نصيحة لمساعدة واشنطن قبل أن يفكروا في أن تساعدهم هي، أو تقدم لهم أي عون. وليت الجميع يتذكر المثل الشعبي الشامي العريق:"الميت لا يجر ميت".