هؤلاء هم الخطر الحقيقي على الأوطان

إبراهيم علي

bumarwan@batelco.com.bh

الاستقرار والأمن اللذان تتمتع بهما الدول والمجتمعات يمكن ارجاعهما إلى واحد من السببين التاليين:

فإما أن يكون الاستقرار بسبب استبداد السلطة الحاكمة واستفرادها بصناعة القرار، وقيام أجهزتها الأمنية بممارسة القمع ، وخوف الناس من هذه الأجهزة ، على نحو ما كان سائدا في العراق في ظل نظام صدام حسين الذي بدد مليارات الدولارات من ثروات بلده في بناء المعتقلات وسجون التعذيب وأوكار التجسس وشبكات التآمر وفي شن الحروب الداخلية والخارجية وشراء ولاءات الشخصيات والأحزاب والصحف الاجنبية من اجل الحفاظ على كرسيه. وهذا النوع من الاستقرار هو بلا أدنى شك استقرار مؤقت ومهزوز وقابل للانفجار في أية لحظة. حيث لم ينفع مثلا ما أقدم عليه النظام الصدامي المخلوع في ديمومة سلطته البغيضة إلى الأبد، وكانت النتيجة انه لئن استطاع أن يجثم فوق صدور العراقيين طويلا، فانه في النهاية سقط في أيام قليلة وصار في مزبلة التاريخ.

 النوع الآخر من الاستقرار هو ذلك المستند إلى والمتأتى من وجود دولة المؤسسات الدستورية، وسيادة القانون، وحيوية المجتمع المدني وتماسكه. وهذا هو الاستقرار الحقيقي الذي يحقق طموحات الإنسان في حياة هانئة مستقرة ومفعمة بالأمل والازدهار والمستقبل المشرق ، وفي ذات الوقت يضمن للسلطة الحاكمة استمرارية وجودها، واستعداد مكونات المجتمع للدفاع عنها متى ما تعرضت لأي اعتداء خارجي.

و يقترن النوع الأول من الاستقرار ، إن لم يكن من شروطه الأساسية، بالنفاق السياسي. ففي ظل النظام الصدامي ، ومن قبله النظام الشاهنشاهي في إيران والنظام الناصري في مصر، كان النفاق السياسي للأفراد والجماعات في طليعة المؤهلات المفضية إلى نيل رضا النظام وبركاته وتجنب شر أجهزته القمعية وقسوتها. وهكذا كثر المداحون والمطبلون ممن بالغوا في إطراء شخص الزعيم وتنزيله مرتبة الآلهة التي لا تخطيء وتسويغ قراراته والدفاع عن سياساته، وبما جعله يزداد غرورا ويكرر الأخطاء والحماقات والقرارات الارتجالية المميتة، الأمر الذي نستخلص منه درسا تاريخيا بليغا لا نتعلمه للأسف مفاده أن وجود المداحين والمنافقين والمطبلين حول صانع القرار هو مقتل لأي نظام، وبما يشبه العلاقة الطردية، أي كلما كثرت وتفرخت هذه الفئة وزاد تأثيرها كلما اقترب النظام المعني من الانهيار والسقوط، والعكس بالعكس.

 في المقابل نرى إن نظام الحكم في إسرائيل ، وعلى الرغم من الحروب المتكررة التي تخوضها منذ تأسيس الدولة العبرية في عام 1948م، وبالرغم من اللاتجانس الثقافي والإثني الذي يتميز به المجتمع الإسرائيلي، يزداد استقرارا وقوة ورسوخا. والسبب بطبيعة الحال يكمن في استناد الدولة ونظام الحكم هناك إلى سيادة القانون والمؤسسات الدستورية والصحافة المستقلة وحيوية المجتمع المدني ودوره في توجيه النقد لرموز السلطة الحاكمة وتصحيح الأخطاء أولاً بأول. وقد لاحظ الجميع مدى حدة النقد والنقاش والمناظرات الدائرة في المجتمع الإسرائيلي على مختلف المستويات حتى هذه الساعة حول نتائج الحرب الأخيرة بين تل أبيب وميليشيات حزب الله اللبناني، وبما يشكل دليلا على صحة هذا المجتمع وحيويته وترسخ نظامه واستعداده للمراجعة والتصحيح والاعتراف بالأخطاء، مهما كان رأينا فيه وعداودتنا له. لكن دعكم من هذا كله وانظروا كيف يتعامل هذا المجتمع مع قضية التحرش الجنسي لرئيس جمهوريته كاتساف وما قيل عن تهرب رئيس حكومته اولمرت من الضرائب! فهل سمعتم يوما عن شيء من هذا القبيل في مجتمعاتنا العربية الفاضلة المعصومة؟

 إن معالم الكارثة والانهيار يا سادة يا كرام تبدأ وتلوح في الأفق فقط حينما يلجأ صانع القرار في أي بلد إلى إتباع أسلوب إبعاد الكوادر المثقفة ثقافة عالية من المفكرين والمصلحين الغيورين على مصالح الأمة، لصالح تقريب المداحين المنافقين والاستماع لهم والأخذ بمشورتهم، تحت حجج مغلفة تارة بغطاء الحرص على الدين وحماية الموروث وتارة أخرى بتخويف النظام من الفئات المعارضة والتحريض ضدها. أن هذه الفئة الأخيرة هي التي تمثل الخطر الحقيقي على الأوطان والشعوب، وهي مصدر البؤس والتراجع المفضي إلى الشلل والجمود والانهيار، وبالتالي فمن الحصافة والحكمة توخي الحذر منها وإبعادها عن مراكز صناعة القرار وإهمال مجمل توصياتها الغبية كيلا يتكرر ما حدث في أماكن كثيرة حولنا، حينما استنفعت هذه الفئة كثيرا من وجودها بالقرب من السلطان، لكنها كانت أول المنفضين عنه في وقت الشدائد والمحن، بل أول المنافقين لخلفائه والمستجدين من أعدائه.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com