إعلام الحرب - نفوذه وتأثيره

فالح الساعدي

faleh@iraq-info.com

لقد ذكر لي صديق عربي في تعليق له على نقل الفضائيات العربية المباشر لمايجري في العراق، بأن الفضائيات نقلت ساحة الحرب الى صالات جلوسنا و أكلنا و حتى غرف منامنا.

كم كان محقاً بهذا الوصف. فالإعلام بسط سلطته على المواطن العربي وسيطر تماماً على كل مشاعره وصار يسيره كما يشاء.

فبإمكان الإعلام أن يحرض الزوجة على زوجها (على سبيل المثال ببث برامج عن إضطهاد المرأة في المجتمعات العربية) و الإبن على أبيه و الجار على جاره. بإمكانه أن يجعلك تكره شيء كنت تحبه أو تحب شيء كنت تكرهه. أو تكره أو تحب إنسان لا تعرفه أبداً. إنه يتدخل بكل شيء و يؤثر بكل شيء . بما تأكل و ماتشرب (برامج عن التغذية) و ماتلبس.

فصار المرء يحزن لخبر و يفرح لآخر و يغضب لصورة أو تعليق، دون إرادة منه، لأن حزنه و فرحه و غضبه هو ليس لعداء أو مودة أو خصام، بل هو رد فعل على ما تنقله له الفضائيات.

فقد غدى مشدود الى شاشة التلفزيون حتى تحول نفسه الى جهاز إستقبال و تنفيذ في بعض الأحيان.

لا سبيل الى تكذيب خبراً ما أو الشك فيه و بشكل خاص إذا نقل من فضائية زينت وجهها بالإستقلال و الحيادية لإن ذلك يجعلها أكثر مصداقية و تأثير.

فمن أحدى أهم الطرق التي يستخدمها الإعلام الموجه الجيد لتعميم نفوذه هو أنه ينقل لك دائماً الصور و الإخبار صحيحة عن الإشياء الغير مهمة لكي يكسب ثقتك. فإذا نقل لك الصور و الأخبار مطعمة بالأفكار التي التي يرتئيها في الإحداث المهمة، فستصدقه أيضاً وتتبنى الأفكار التي يغذيك بها.

فحتى الأحداث الغير معقولة و التي لا يمكن أن يصدقها عاقل، فيكفي أن تكرر أمامك عدة مرات من قبل أناس مختلفين (!) حتى تبدء في الشك بصواب حكمك أنت و تصدق بالتالي ما تذكره وسيلة الإعلام، لأن المرء سيسئل نفسه: ليس من المعقول أن أكون أنا على حق و كل هؤلاء المراسلين و المحللين و الخبراء على باطل. أما إذا كان ما ينقل لك فقط من جهة واحدة عن أحداث معينة فلا سبيل للشك بصحتها أبداً، إذ ليس هنالك ما قد يحاول تحييدك، أو يعطيك الفرصة للمقارنة و الحكم على الأمور.

فمالذي دفع بالشاب الأردني (رائد منصور البنا) الى الذهاب الى العراق وتفجير نفسه في أحد أسواق مدينة الحلة (مدينة تقع الى جنوب بغداد)؟ لقد كان الهدف من العملية التي قام بها هذا الشاب هو قتل أكبر عدد ممكن من العراقيين بغض النضر عن إنتمائتهم المذهبية أو القومية أو الدينية، لأن مدينة الحلة هي مدينة مختلطة، فيها يعيش السنة و الشيعة على حداً سواء.

و الإحتفال بقتل العراقيين في مدينة هذا الشاب الأردني جاء لأن الإعلام صور لهؤلاء المحتفلين بأن قتل العراقيين الأبرياء ليس جريمة همجية بل هو بطولة و من يقوم بها هو شهيد وبطل، وسيمنحه النبي محمد (ص) حورية من حوريات الجنة. فمن المفروض بهم أن يحتفلوا بعرسه على الحورية.

عالم من الخيال ليس له علاقة لا بالواقع و لا بالدين.

إنه عالم حرب لإعلام.

الدين الإسلامي حرم قتل الأبرياء وهو بريء من هذه الجرائم. إنه دين الرحمن الرحيم.

حرب الإعلام لا تستخدم قناة واحدة أو أسلوب أو تقنية واحدة. فإمام المسجد و معلم المدرسة إذا تم كسبهم لحرب الإعلام صاروا أشبه بمصانع للعبوات البشرية الناسفة.

إعلام الحرب هو الذي يدفع بشاب سعودي أويمني أو سوري أو أردني بعمر الزهور للذهاب الى العراق و تفجير نفسه للمساهمة بقتل الآلاف من الأبرياء الذين لم يسبق له معرفتهم. أناس ليس بينه وبينهم أية عداوة أو كره مسبق؟

فالسعودي أواليمني أو السوري أو الأردني كان يلتقي بالعراقيين و يصادقهم و يعيش معهم دونما أن يهمه هل هذا العراقي هو سني أم شيعي أم كردي أم مسيحي.

و الآن و لأسباب قد لا يعرفها هو نفسه صار يقتل الطفل العراقي فقط لأنه شيعي أوسني أو مسيحي أوكردي. صار ينضر الى العراقي الذي كان صديق وكأنه العدو الأول.

هل حصل ذلك بقدرة قادر ؟

كلا ليس بقدرة قادر بل بقدرة الإعلام.

أحد أفضل الأمثلة لدراسة موضوع إعلام الحرب هو أداء فضائية الجزيرة.

التهمة الموجهة لهذه الفضائية على أنها جهاز حرب لها أسباب عديدة منها العداء المطلق للعراق من قبل مراسليها و مقدمي برامجها، الذي يصل بهم أحياناً الى إستخدام ألفاض بذيئة في التهجم على العراقيين، و إستخدام أساليب خبيثة و جارحة ضدهم.

إشتهرت فضائية الجزيرة لأنها كانت و لاتزال الفضائية المفضلة لبن لادن و تنظيم القاعدة.

بالإضافة الى ذلك فنظام صدام حسين المباد كان قد منح إمتياز بالبث المباشر من العراق لفضائية الجزيرة فقط إبان حرب الإجتياح الأمريكي قبل 9 نيسان 2003 مما زاد من شهرتها أكثر ليس العربية فقط بل و العالمية أيضاً لأن وكالات الإنباء كانت تنقل عنها الإخبار عما يجري في العراق أثناء الحرب. وقد أصرت الجزيرة على أن يكتب أسمها تحت كل خبر تنشره وكالات الأنباء العالمية عن العراق.

لقد إستمرت العلاقة بين تنظيم القاعدة و مؤيدي نظام صدام من جهة و فضائية الجزيرة من جهة أخرى حتى بعد سقوط هذا النظام حيث ضلت هي السباقة في نقل أخبار العمليات المسلحة و القتل العشوائي و التفجيرات التي تجري في العراق. وقد تم طرد أوألقاء القبض على الكثير من مراسلي الجزيرة في بعض الدول الأوربية و العربية لتورطهم بإعمال الدعم و التأييد للأعمال الإرهابية.

فإذا فجرت مدرسة بنات في العراق وقتل فيها أعداد كبيرة من الأبرياء فترى أن مراسل الجزيرة يعلم علم اليقين أن العملية كانت موجهة ضد الجيش الأمريكي و هو (أي الجيش الأمريكي) المسؤول عن هذه الجريمة، هذا حتى إذا أعلنت جهة معينة مسؤليتها عن تفجير المدرسة.

لقد سعت الجزيرة الى إبعاد الشبهة عن مرتكبي هذه الجرائم عن طريق ذكرها في سياق الحديث عن رد أمريكي مسلح على عمليات إرهابية، قد يتسبب أحياناً بقتل مدنيين عراقين أبرياء. أي أنها تحمل قوات الإحتلال الأمريكي أو القوات العسكرية العراقية بشكل غير مباشر مسؤلية كافة الجرائم التي ترتكب بحق العراقيين الأبرياء.

نفوذ هذه الفضائية يجعل العديد من العاملين فيها يميلون للتطرف و أحياناً التطاول في الطرح وهذه علاماتلا تدل على القوة بقدر ما تدل على التعالي و الغطرسة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com