|
بين الحكم على صدّام .. والمصالحة باسم السعيدي / بغداد طفت الى سطح الجدال السياسي العراقي معالم الخلاف بشكل أبكر مما ظهر على الشارع العراقي نفسه، في أن النطق بالحكم سيفصم عرى مشروع المصالحة الوطنية، وتقدم السيد صالح المطلك بشكل أوضح من غيره، وذهب محامي صدام السيد خليل الدليمي الى أبعد من ذلك حين حذّر في رسالة الى الرئيس الأمريكي من أن الحكم على صدام سيشعل فتيل الحرب الأهلية، بينما كان سياسيون آخرون يتحدثون على الأمر بشكل إستحيائي كالحزب الإسلامي .. ولزم البعض الصمت المطبق الذي إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عدم الإرتياح في أقل التقديرات. الموقف يشبه الى حد كبير الأيام التي تلت مقتل الإرهابي الكبير أبي مصعب الزرقاوي، حيث لم يعلن أحد عن موقفه من القاتل الأول لأبناء الشعب العراقي سوى الدكتور محمود المشهداني ووصمه بسمة الإرهاب .. وللأمانة فإن الدكتور ظافر العاني عضو مجلس النواب عن جبهة التوافق كان صوته واضحاً في إعلان البراءة منه وتأييده للعدالة المتحققة في عملية قتل الزرقاوي، هذا في الوقت الذي كان بعض الأعضاء في مجلس النواب وحتى في الحكومة يهرولون بعيداً عن الكاميرات والميكروفونات لكي لايتم إحراجهم بالسؤال عن آرائهم بمقتل الزرقاوي، وكان آخرون ينتحون جانباً من أجل (مسح) بعض أرقام الهواتف من موبايلاتهم لكي لايتم التعرف على صلاتهم بالمجاميع الإرهابية ومنها القاعدة. الحادثان كانا أكثر جلاءاً في الشارع العراقي .. فهو لايعرف لغة السياسة المخاتلة التي تبتسم في الوجه وتطعن في الظهر، فقد عمَّت التظاهرات مدن العراق ما بين مبتهج .. وما بين غاضب ، والسمة المشتركة بين التجمعات هي هي في كلتا الحالتين. نعود الى قضية المصالحة ومحاولة الربط بينها وبين النطق بالحكم على صدام، الربط من وجهة النظر المبسَّطة صحيح، فمظاهر الإنقسام بدت أكثر من واضحة في الوقت الذي تلا النطق بالحكم ، وكان الخروج الى الشوارع للتعبير عن الفرح الغامر أو الرفض الحاسر عفوياً تماماً بلا تدخُّل من أحد على مايبدو، لذلك فإن عملية المصالحة في خطر جدِّي كما تجلَّى في المواقف، ولكن أهذه هي الحقيقة ؟؟ أهذا الذي ظهر في الشوارع من مظاهر الإنقسام الشعبي هو نتيجة لجلسة النطق بالحكم؟ أختلف مع كل الذين يحيلون الأمور الى هذه البساطة في الإستقراء، وأعزو توجههم هذا الى أحد أمرين وأي منهما لايفترض بالساسة والإعلاميين الغباء الذي يبدو للوهلة الأولى:- الأول :- (في إفتراض لحسن النوايا) إن الزعماء والساسة الذين أحالوا الأمر الى النطق بالحكم وشهَّروا بالتوقيت كانوا يحاولون إمتصاص غضب الناخب الذي أوصلهم الى مجلس النواب والى المناصب التي شغلوها، وبذلك هم يحاولون بما أوتوا من قوة ومن لباقة لسان الى (التقليل) من شأن الإنقسام الشعبي وعزوه الى تفصيلات صغيرة من أجل تقريب وجهات نظر الشارع فيما بينه، ولكن .. أيمثِّل هذا الموقف منهم (حصافة) وحكمة وبعد نظر كافٍ لحل المشكلة المجتمعية والأخلاقية الضاربة في العمق العراقي؟؟ الجواب عن هذا السؤال نجده في ثلاجات الطب العدلي وعلى الطرقات الخارجية وفي الفيدراليات المصغَّرة غير المعلنة والحليم تكفيه الإشارة. الثاني : - إن هذا البعض لايستطيع الإعلان عن (ولاءاته الحقيقية) لنظام صدام ، ودخل الى العملية السياسية من أجل إختراقها ونسفها من الداخل ، وتمثِّل محاكمة صدام والحكم عليه بالإعدام (خطَّاً أحمراً) في وجوده من ضمن هيكلية العملية السياسية، لأنها تعني الفشل الذريع في الخطة الشاملة لإعادة نظام صدّام الى سدة الحكم من خلال إفشال عمل أية حكومة في البرلمان، ويكاد اللص يقول خذوني في المفاصل الستراتيجية في العمل السياسي، وتفضحه المواقف التي أشرنا اليها في النطق بالحكم ومقتل الزرقاوي. على أية حال فإن تقرير المحتمل الأقرب للحقيقة ليس موضع البحث هنا، بل موضوعة المصالحة هي مطلبنا .. إن هذا التباين في المواقف ليس كما يحلو للبعض تسميته (خلافاً ديمقراطياً) إنه في الواقع تقاطع تام في الستراتيجيات وفي التكتيك بل في العقيدة السياسية لبناء دولة العراق، ويفضح هذا التقاطع (كذبة) السياسيين على أنفسهم في السعي لتحقيق المصالحة. إن المصالحة تعني فيما تعنيه أن يتخلَّى كل فريق عن بعض مطالبه والتقليل من سقفها من أجل الوصول الى منتصف الطريق وبالتالي يمكن الخروج من المأزق الإجتماعي بإيجاد أرضية مشتركة تمثل عقداً إجتماعياً جديداً يرضي الحد الأدنى لأبناء الوطن الواحد، ويفترض بذلك العقد أن يعني في أحد مضامينه (طيَّ) الصفحة السوداء لنظام صدام والبدء من جديد. الملاحظ على أطراف المصالحة الوطنية هو (غياب) الستراتيجية التي ربما تقود الى تحقيق الهدف من المصالحة، المشكلة الأعظم هي (صدام حسين) على ما يبدو .. ففي الوقت الذي يمثِّل الإنتصاف من صدام وطي صفحته خطاً أحمراً لايجوز التخلي عنه بالنسبة لضحاياه نجد أن إطلاق سراح صدام وإعادته الى الحكم (خطاً أحمراً) لايجوز التخلي عنه بالنسبة للطرف المقابل في ميزان المصالحة، وكذلك يشير هذا التقاطع بوضوح الى أن الساسة (المتورطين) في هذه القضية ليس بإمكانهم تغيير وجهات نظر الشارع (حتى لو حاولوا) ، ويقرر بعدم أهلية هؤلاء الساسة لقيادة ناخبيهم الى برِّ الأمان، أو أنهم يمارسون النفاق السياسي بين الناخب من جهة .. والفرقاء السياسيين من الجهة الأخرى. وفي كلتا الحلتين على الناخب الذي يؤازر الحقبة الماضية حقبة صدام حسين أن يبحث له عن ساسة جدد يعكسون وجهات نظره بصراحة تامة وبلا مواربة لكي تستجد إمكانية إتخاذ القرار الأهم .. هل من الممكن للعراق أن يستمر كدولة موحدة؟ أم إن التقسيم واقع لامحالة؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |