الاسلام يعز المراة ... مقارنة مع مقالة الاسلام يذل المراة لكامل النجار

حسين عادل

intethar79@yahoo.com

لقد ظهر الإسلام في مجتمع ذكوري يستهين المرأة ويقيدها ويقتل إنسانيتها فجاء الإسلام ليعيد للمرأة إنسانيتها وحريتها وكرامتها ويفك عنها القيود الذكورية التي وضعت عليها فقد حدد القران الكريم أن وحدة النوع الإنساني هي الأساس وان لا فرق بين البشر (الناس) وإذا كان لا بد من التمايز فهو عند الله الحاكم العارف على أساس التقوى فقال تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ))"الحجرات 13"

 فلا فرق بين المرأة والرجل من المنظور القرآني الإسلامي بل التمايز والافتراق بأساس التقوى هذه الصفة التي لا يمكن لاحد معرفة وجودها عند أحد أو حتى قياس شدتها إلاّ الله عز وجل.

 فجاء القران الكريم ليخاطب النساء كما يخاطب الرجال لا لأنهن نصف المجتمع بل لعدم وجود الفرق في نظر المولى عز وجل بين الرجل والمرأة – طبعاَ هذا على خلاف ما اعتاد عليه ذاك المجتمع- فيقول تبارك وتعالى: (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ...)) "النساء اية 1 "

 غير ما جاء به القران من آيات لتنظيم شؤون المرأة خاصة فالإسلام في حقيقته قد اعز المرأة في كل المحاور فلو أخذنا مثلا:

1ـ كرامة المرأة :

 فمنذ الصغر تعطى المرأة كرامتها في الإسلام الحنيف وتعامل كمواطن من الدرجة الأولى ولا نجد الإسلام يتعامل معها بتفرقة عما لو كان المولود ذكراً فعن الإمام الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (عليهم السلام) إن رسول الله قال: (البنون نعيم والبنات حسنات والله يسال عن النعيم ويثيب على الحسنات ) في إيحاء رائع وذكي أن البنات حسنات صافية – وهذا ما يتمنى الحصول عليه أي مسلم – وهذا افضل من نعيم يطول السؤال عنه بين يدي الله تعالى، هذا الأسلوب يشعر المسلمين بخطأ الاعتقاد السابق بأفضلية البنين على البنات الذي أدى بهم حتى إلى قتل مولودهم إذا كان بنتا (( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ))

بل اكثر من ذلك حيث زادت شدة الجرعة التربوية للمسلمين لإزالة أي راسبة لهذا الاعتقاد الراسخ الخاطئ بقول الرسول المنقول عن ابنه الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) حيث قال (صلى الله عليه واله وسلم) ( من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة فقيل واثنين فقال واثنين فقيل وواحدة فقال وواحدة ) واستمر هذا التسلسل التربوي الذي يزداد شدة كلما وجد من المسلمين استجابة بهذا الاتجاه بقوله عن ابنه الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (عليهم السلام) قال ( قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة – أي قرابة تحرم الزواج أو الزوجة نفسها – ألاّ فرَحهُ الله يوم القيامة ) حتى يصل صلى الله عليه واله وسلم إلى آخر لقاء بجموع الجماهير في حجة الوداع ليثبت لهم ما يخشى ويخاف ضياعه من المسلمين بعده فيجعل قضية المرأة إحدى هذه القضايا الهامة فيوصي بها قائلا: ( فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا )

 هذه الاضمامة من الأحاديث والنصوص الإسلامية الأولى لا نصوص علماء انتسبوا إلى الإسلام وصعدوا على أكتافه تدل على تكريم المرأة .

 ولم يُجوز الإسلام إهانة المرأة لمجرد إنها امرأة ولم يسمح بضربها إلاّ في حالة واحدة وهي إذا تمردت عليه بدون مبرر في حق الاستمتاع فقط والعملية محددة ومقننة في الفقه الإسلامي حيث يقول السيد محمد الصدر (رحمه الله) في منهج الصالحين – وهو كتاب يحتوي على مسائل في الفقه الإسلامي: (ولكن لا يجب عليه – أي الزوج – ردعها عن النشوز إلاّ من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن من حقه ذلك فيبدأ بالوعظ فإذا مكنت نفسها لم يجز الزائد فان لم يؤثر جاز له هجرها في المضجع والأحوط استحباباً بان يختار الهجر الأخف ثم الأكثر فان لم يؤثر الهجر جاز له ضربها والاحوط الاقتصار على الأقل فالأقل على أن لا يؤدي إلى الإدماء فضلاً عن الكسر ) هذا لإصلاح تمردها عليه ليعودا زوجين متفاهمين لا أن يضربها انتقاما منها لأنها منعته من نفسها أما إذا منعته من نفسها لمرض أو غيره من الضرورات فلا يعتبر هذا تمرداً في نظر الشريعة الإسلامية وليس لزوجها أن يمسها بسوء يقول السيد محمد الصدر (رحمه الله) ( إذا لم تمكن الزوجة نفسها للجماع كانت ناشزاً .... لكن ذلك في مظان الإمكان زماناً ومكاناً ولا يجب عليها اكثر من ذلك كما يحرم عليها – تمكينه منها – ما هو ممنوع شرعاً كحال الإحرام والحيض ولا تكون بالمنع ناشزاً ) يعني لا يجب على الزوجة إعطاء زوجها حق الاستمتاع في غير مظانه المكانية والزمانية كما إذا طالبها في مكان غير مناسب أو زمان لا يناسب فلها الرفض وليس له أن يجبرها .

وقضت الأعراف الجاهلية أن تسوم المرأة ألوان التحكم والافتئات فتارة تقسرها على الزواج ممن لا ترغب فيه أو تعضلها على الزواج، وأخرى تورث كما تورث المتاع يتحكم بها الوارث كيف يشاء فله أن يزوجها ويبتز مهرها، أو يعضلها حتى تفتدي نفسها منه، أو تموت فيرثها كرها واغتصاباً ومن الممكن أن تتكرر في أي من الأزمان ليعود الرجل متحكماً غاصباً مقيداً للمرأة.

 وقد حررها الإسلام من ذلك الأسر الخانق والعبودية المقيتة لا فقط من اسر الماضي بل حتى من أي اسر في المستقبل . فقد حرم إستيراثها قسراً وكرهاً (( يا أيها الذين أمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن )) " النساء19"

وكانت التقاليد الجاهلية وحتى الغربية منها إلى عهد قريب تمنع المرأة حقوق الملكية كما حرمتها الجاهلية حقوق الإرث لان الإرث في عرفهم لا يستحقه إلاّ رجال القبيلة طبعاً قد يعترض بان هنالك بعض البيوتات الجاهلية ممن تورث النساء حتى إن ذو المجاسد يعتبر أول من أورث نساءه وهذا صحيح ولكن لا ينبغي لنا تعميمه بل انه حالة نادرة ولم نقل بعدم وجودها لكنها مع ذلك حالة نادرة والحالة العامة هي ظلم المرأة كما أن الحالة العامة كانت شرب الخمر مع وجود جعفر الطيار الذي لم يشربها فحالته لا تعني إن مجتمع الجاهلية كان لا يقرب الخمر وهذا واضح جداً على العموم فان الإسلام منح المرأة حقوقها الملكية والارثية وقرر نصيبها من الإرث سواء كانت أماً أو بنتا أو أختا أو زوجة (( للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن )) "النساء32" (( للرجال نصيبٌ مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيبٌ مما ترك الوالدان والاقربون)) " النساء7"

واستطاع الإسلام بفضل مبادئه وسمو آدابه أن يجعل المرأة المسلمة قدوة مثالية لبناء الأمم في رجاحة العقل وسمو الإيمان وكرم الأخلاق ورفع منزلتها الاجتماعية حتى استطاعت أن تناقش الخليفة الثاني أبان خلافته وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المغالاة في المهور فانبرت له امرأة من سواد الناس وقالت : ما ذلك لك فقال : ولم فأجابت : لان الله تعالى يقول: (( واتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا )) "النساء 20"

 فرجع الخليفة الثاني عن رأيه وقال : خطأ عمر وأصابت امرأة.

هذا فضلا عن دورها السياسي فقد أتمر الله رسوله إذا جاءت جموع النساء مبايعات أن يستقبلهن ويرحب بمشاركتهن وان يستغفر لهن (( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ... فبايعهن واستغفر لهن )) "الممتحنة 12"

فهل يعقل بعد كل هذا أن يقال بان الإسلام أذل المرأة؟!!

2ـ المرأة والعلم :

يقسم العلم من وجهة النظر الإسلامية إلى علوم واجبة التعلم، وعلوم مستحبة التعلم (مندوبة التعلم)، وإلى علوم محرمة التعلم.

أما العلوم واجبة التعلم فتقسم إلى الواجب على كل المسلمين تعلمه مثل ما تحتاجه لأداء فروض دينك ككيفية الصلاة والصوم وغيرها والى (واجب كفائي أو اجتماعي) يكفي أن تقول به فئة معينة من المجتمع ليسدوا حاجة المجتمع إلى الاختصاصات الضرورية مثل الحاجة إلى الأطباء أو المهندسين الواجب توفر عدد كافي منهم في الدولة الإسلامية.

وان وإيجاد هذا القدر الواجب منهم يشمل كل مسلم ومسلمة ولا تقع مسؤولية سده على المسلمين فقط لأننا نحتاج وبشكل ضروري إلى طبيبات و معلمات و فقيهات...الخ من الاختصاصات وقد قيل إن مقدمة الواجب واجبة ومقدمة إيجاد هذا العدد الكافي من الأطباء أو الطبيبات أو الممرضات أو .. واجب يقيناً ولا يمكن أن يتوفر هذا القدر إلاّ بتوفر مقدماته المتمثلة بوجوب تعلم عدد كافي من الناس علم الطب والهندسة وغيرها ليسدوا احتياجات مجتمعهم المسلم بل ويعاقب الله المتخاذلين والمتخاذلات عن شغل مثل هذه الاحتياجات .

 وبشكل عام فقد حث الإسلام كل من الرجل والمرأة على التعلم بدون فرق بينهما لان الإسلام لا يمنع من العلم والتعلم لا للمرأة ولا للرجل بل يؤكد على ذلك ويعتبره فضيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) "بحار الأنوار ج1 ص177 ب1 ح54"

هذا بالإضافة إلى العمومات الدالة على الحث على طلب العلم والشاملة لكل من الذكر والأنثى ( وللمزيد مراجعة كتاب منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني رحمه الله ). 

 

 3ـ الحياة الأسرية :

 زواج المرأة : "هل يشترط أذن ولي الأمر في تزوج البكر مطلقا ؟ تعددت الأقوال في المسالة تبعاً للروايات والمستفاد منها عدة وجوه :

الأول : استقلال الأب بالآمر وعدم وجود أي ولاية للبنت على نفسها وقد استدل له بأدلة عديدة:

 منها موثقة الفضل بن عبد الملك عن أبى عبد الله الصادق (ع): ( قال لا تستامر الجارية التي بين أبويها إذا أرادا أن يزوجاها ) ( وسائل الشيعة ج14 باب 3 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح6"

 ومنها: صحيحة أخرى للحلبي عن أبي عبد الله ( في الجارية يزوجها أبوها بغير رضاء منها قال ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وان كانت كارهة ) "نفس المصدر والجزء باب 9 ح 7 "

 فان المرأة بحسب نمط التربية الذي سار عليه المسلمون تكون غالباً في البيت لذا فهي قليلة الخبرة بالرجال ولا تعرف دخائلهم كما إن تكوينها النفسي يجعلها تنساق وراء الوعود المعسولة وكلمات الإطراء على الجمال أو الحب المصطنع والشواهد من واقعنا كثيرة حيث يرسم لها الرجل في الوهم والخيال جنة الخلد فلما يقضي منها حاجته يرميها كما يفعل مع أي حاجة يمتلكها فكان اشتراط أذن الأب صيانة للبنت وحماية لها وليس في ذلك إهانة لها أو حط من مكانتها بل هو تخطيط حكيم لمستقبلها ولذا تجد إن الثيب – وهي التي تزوجت من قبل وخبرت الرجال – لا تحتاج إلى إستئمار وليها لانتفاء هذه الأمور فيها وإتماماً لهذه الوظيفة الاجتماعية فان الشرع المقدس حث الآباء على اختيار الكفؤ لبناتهم قال رسول الله (ص): ( إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير).

 والكفؤ في شرح للإمام ( الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار ) واليسار بالمقدار الذي يكفي لأعالتها والأنفاق عليها .

 وحذروا الآباء من تزويج كرائمهم إلى الفاسق وسيء الخلق فعن الإمام الصادق (ع): (من زوج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها )

 وعن الحسين بن بشار الواسطي كتب إلى الإمام أبي الحسن الرضا (ع) انه لي قرابة قد خطب إلى وفي خلقه سوء فقال (ع):(لا تزوجه إن كان سيء الخلق ).

وفي نفس الوقت فان الشارع المقدس لم يحرمها من حق الاختيار لنفسها ( مالكة لأمرها ) حسب تعبير الروايات من القسم الاخر وهي

 

1ـ استقلال البنت بأمر زواجها واستدل عليه

أولاً: بإطلاق الآيات والنصوص الواردة في النكاح فان العقد إنما هو صيغة تقع بين الرجل والمرأة فيجب الوفاء به سواء ارضي الأب أو الجد أم لم يرضيا كما يقتضيه إطلاق قوله تعالى ( واحل لكم ما وراء ذلك ) والآيات الدالة على إضافة النكاح إليهن من غير تفصيل كقوله تعالى: ( حتى تنكح زوجا غيره ) (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) ( فلا جناح عليهن فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) وهذا مفيد للعموم ومن ما يستدل أيضاً الروايات الخاصة بالمقام فمنها صحيحة الفضلاء عن أبى جعفر الباقر (ع): ( قال المرأة التي ملكت نفسها غير سفيهة ولا المولى عليها تزوجها بغير ولي جائز ) ومنها رواية زرارة عن آبي جعفر (ع): ( قال إذا كانت المرأة مالكة لنفسها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي مالها ما شاءت فان أمرها جائز تزوج إن شاءت بغير أذن وليها وان لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بأذن وليها )

 ومنها: قول الإمام الصادق (ع): ( لا باس بتزويج البكر إذا رضيت بغير أذن وليها )

هذا إذا كانت حاذقة وبصيرة بالأمور و(مالكة لأمرها ) بحيث كان الأب يحترم قرارها وتمتلك الموازين الصحيحة لتقييم الرجال أو لإسباب أخرى مثلا إن الأب قد لا يختار لها الكفؤ لاختلال الموازين عنده ويهتم بالأمور المادية فقط أو كان الأب معرضاً عن بنته وأسرته ولا يلي من أمورهم شيئاً هذا غير حالات عناد الأب مع ابنته لسبب أو لأخر كما لو كانت تعود عليه بدخل مالي ففي كل هذه الحالات يجوز تزويج البنت الباكر بدون الرجوع لأبيها .

وبصورة عامة كلما كانت البنت اكثر وعياً ونضجاً استحب استشارتها حتى إذا كانت مستقلة بقرارها لنضجها وحكمتها وذات دراية بأحوال الرجال وصفاتهم وطبائعهم.

 ومن هنا يظهر إنما جعل الولاية على الفتاة الباكر لا لتقييد حريتها بل لضمان مصلحتها وتحقيق سعادتها ولو أراد الإسلام بذلك تقييد حريتها لجعل هذه الولاية على الثيب أيضاً .

هذا وعلى الأب وأبيه – الجد- أن لا يعبثوا بهذه الرخصة استجابة لرغباتهم وأفكارهم المريضة مما يؤخر تزويج البنت وبالتالي لا يستبعد انحرافها، وعلى الفتاة أن تعرف إن الأب والجد إذا كان من هذا النوع فلا ولاية لهما شرعاً ويمكنها أن تضرب برأيهم عرض الحائط (أنظر،آية الله الشيخ محمد اليعقوبي(أعزه الله) بحوث استدلالية في الفقه المقارن، وكتاب فلسفة تشريعات المرأة للمرجع)

أما في مسالة الطلاق فنقدم لها هذه المقدمة :

لما اطل الإسلام بعهده الزاهر وتشريعه الكافل اقر الطلاق وأحاطه بشروط من التدابير الوقائية والعلاجية لتقليصه وملافاة أزماته ومشاكله فهو ابغض الحلال إلى الله عز وجل ولكن الضرورة تبيح المحذور فهناك حالات يتسع الخلاف فيها بين الزوجين ويشتد الخصام وتغدو الحياة الزوجية آتوناً مستعراً بالشحناء والبغضاء مما يتعذر فيها التفاهم والوفاق. 

وهنا يعالج الإسلام هذه الحالة المتوترة بحكمة وتدرج بالغين فهو لا يسرع الى رباط الزوجية المقدس فيفصمه لأول وهلة ولأول بادرة خلاف انه يشد على هذا الرباط بقوة ولا يدعه يفلت إلاّ بعد المحاولات واليأس.

 انه يهتف بالرجال (( وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) "النساء 19" فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية . فان تجاوزت مسالة الكره والحب إلى النشوز والنفور فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام بل لابد من محاولة يقوم بها الآخرون وتوفيق يحاوله الخيرون: (( وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً )) "النساء 35" (( وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير ))"النساء 128"

فان لم تجد هذه الوساطة حلاً فالأمر إذن جد وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة وإمساك الزوجين على هذا الوضع محاولة فاشلة ويزيد الضغط فشلًا ومن الحكمة التسليم للواقع وإنهاء هذه الحياة – على كره من الإسلام – فان ابغض الحلال إلى الله الطلاق .

ولعل هذه التفرقة تثير في نفس الزوجين رغبة جديدة لمعاودة الحياة فكثيراً ما نرى حسنات الشيء عندما نحرمه والفرصة لم تضع (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) "البقرة 229"

وهناك فترة العدة في حال الدخول بالزوجة وعليه أن ينفق عليها في هذه الفترة ولا يقتر وفي خلالها يجوز له – إن كان قد ندم – أن يراجع زوجه وان يستانفا حياتهما بلا أي إجراء جديد . فان تركت مدة العدة تمضي دون مراجعة ففي استطاعتهما أن يستانفا هذه الحياة متى رغبا ولكن بعقد جديد وتلك التجربة هي الأولى وهي تكشف لكلا الزوجين عن حقيقة عواطفهما وعن جدية الأسباب التي انفصلا بسببها فإذا تكررت هذه الأسباب أو جد سواها واندفع الزوج إلى الطلاق مرة أخرى فعندئذ لا تبقى سوى فرصة واحدة هي الثالثة التي إن فشلت تدل على إن العلة عميقة والهوة بعيدة لا يمكن ردمها فان طلق يعاقب: (( فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره )) "البقرة 230"

هذا وقد أكدت الشريعة على إن ابغض الحلال عند الله الطلاق في اكثر من مورد وبشدة موحية ومبينة أهمية القضية ويقول في ذلك أبى جعفر الباقر (ع): ( قال رسول الله أوصاني جبريل بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة بينة ) " الحر العاملي ص 215"

 هذا ولا ننسى وصيته الأخيرة (صلى الله عليه واله وسلم) لجموع المسلمين ( فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً ) .

 هذا على إن الإسلام أراد تشكيل اللبنة الأولى للمجتمع الإسلامي على خير أساس فجعل لها نظاماً اسرياً دقيقاً ووضع أمامهم أهم المشاكل المؤدية إلى دمار هذه اللبنة لتحذيرهم حتى يتلافون وقوعها .

 وان من أهم هذه المشاكل والآفات التي تدخل الإسلام لمنعها وتحريمها هي الامتناع عن حق الرجل بالاستمتاع فان أهمية هذه المشكلة هي إن معظم أو اغلب الزيجات قائمة على أساسها لذلك جعل تمرد المرأة عن هذه القوة الهائجة للرجل نشوزاً حراما . فالإسلام أراد جعل المودة والرحمة هو الأساس الذي يقوم هذه اللبنة لا التمرد والعصيان ولكل مشكلة حل فلا حاجة للتمرد والعصيان.

 ولكن هذا لا يعني إن للرجل الحق بإجبار زوجته على أداء هذه العملية إذا كان للزوجة مانع من مرض أو غيره (مسالة 1506 اذا لم تمكن الزوجة نفسها للجماع كانت ناشزاً ... لكن ذلك في مظان الإمكان زماناً ومكاناً ولا يجب عليها اكثر من ذلك ...)( محمد محمد صادق الصدر (ره) منهج الصالحين ج2 القسم الأول ص 267 طبعة مؤسسة بقية الله)

 وهذا يدلنا على أن الواجب الوحيد في ذمة الزوجة لزوجها إعطاء حقه الجنسي وعدم الخروج إلاّ بأذنه إذا كانت تحت رعايته غير إذا ما كان تاركا لها في بيت أهلها فرضاً . فمثلًا لا حصراً لا يجبر الإسلام الزوجة على خدمة الرجل من تحضير مأكله وملبسة والاهتمام بشؤون أطفاله بل حتى إرضاع أطفاله وأطفالها منه غير واجب عليها وإذا طالبته باجرة على إرضاعهم وجب عليه إعطاءه وليس عليه إجبارها على ذلك بل حتى إذا امتنعت عن إنجاب الأطفال فلا يحق له إجبارها هذا ما نصت عليه شريعتنا الإسلامية مما هو مسطر في كتب فقهائنا الأعلام لمن أراد المراجعة والتأكد. 

نعم يستحب لها أكيداً التعاون مع زوجها ومساعدته على مصاعب الحياة لكن كل ذلك بإرادتها وكعطاء منها لزوجها تشكر عليه من قبله لا كإجبار.

 أما حقها عليه فيورده الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن آبي طالب (ع) بقوله: (واما حق الزوجة قان تعلم أن الله عز وجل جعلها سكنا وانسا فتعلم إن ذلك نعمة من الله عز وجل عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقك عليها أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها)(وسائل الشيعة ج11ص 134).

 وغير ذلك فان الإسلام يؤكد وبصورة جلية من آية ( وجعلنا بينكم مودة ورحمة ) أن أساس التعامل في الآسرة بين الزوجين هو المودة والمحبة والعطف والاحترام هذه المبادئ تحث على الانصياع لرغبة الزوجة إذا ما طالبت بحقها في الاستمتاع خاصة إذا كانت شابة بل واكثر من ذلك فان الإسلام يحث الرجل على إعطاء الزوجة متعتها الكاملة وان اكتفى بأقل من ذلك فعن الإمام الباقر والصادق والرضا عليهم وعلى آبائهم آلف تحية وسلام ( ... ولا تجامع امرأة حتى تلاعبها وتكثر ملاعبتها وتغمز ثدييها والشهوة تظهر من وجهها وعينها واشتهت منك مثل ذلك الذي تشتهي منها ) (طب الامام الرضا ص46) ومثله (عن الصادق (ع): ( أن أحدكم ليأتي أهله فتخرج من تحته ولو أصابت زنجياً لتشبثت به فإذا أتي أحدكم أهله فليكن بينهما مداعبة أو ملاعبة فانه أطيب للأمر ) وهذا مما لا يحتاج التعليق عليه .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com