|
سعاد خيري* ومهارة تغييب الأقلية والمؤتمرات القادمة...! محسن الجيلاوي سعاد خيري توصف دائما داخل الإطارات الشيوعية (بالمناضلة المخضرمة) وهي حقا كذلك وكان يقاسمها المكان والتوصيف زوجها المرحوم (زكي خيري)، الاثنان عاشا على كلاسيكيات الشيوعية ولعبا أدورا هامة في حياة الحزب الشيوعي العراقي ومنعطفاته السياسية بحكم موقعيهما المؤثر فيه تنظيميا وفكريا..ولكن دائما في الأحزاب اللاديمقراطية (ينقلب السحر على الساحر)... فهذه المرأة النشطة شاركت في الكثير من المؤتمرات الحزبية وفي رسم السياسة وفي إقصاء الأقلية التي لا (تركب) مع الخط السياسي السائد نراها اليوم ضمن إطار الأقلية المهمشة والملعونة حزبيا (لازالت عضوة في الحزب كما هو واضح من كتاباتها والحمد لله لا تطالها يد أغلظ من يد التهميش كونها تعيش في القطب) فهي الآن ضمن إطار فكري وسياسي يساري(وكذلك عراقي واسع ومتعدد الأطياف) يناوئ الاحتلال براديكالية واضحة وهذا لا ينسجم مع خط الحزب أطلاقا، لهذا نجد مقالاتها الكثيرة على صفحات الحوار المتمدن في حين نرى غيابها التام على جميع مواقع الحزب وصحافته وأدبياته وندواته السياسية، هذا ما يحدث مع شخصية كانت (مالئة الحزب وشاغلة القيادة) فما الذي يحدث يا ترى مع الناس الذين هم أقل شئنا وحظوة...؟ تلك هي أهم وأبرز مساوئ الأحزاب التولتارية في تغييب الأقلية ومعها السعي لفعاليات تنظيمية (صناعية) معدة نتائجها ومحتوياتها سلفا تسمى (مؤتمرات) لتزكية الواقع الذي تسير عليه (الطغمة) الحزبية السائدة...في هذه المؤتمرات يُبَرز (النظام الداخلي والبرنامج) وهما وثيقتان لا يشغلان هما ولا نقاشا في الغالب بل يوضعان كاستحقاق روتيني في تلميع الشعار على حساب الجوهري الممارسة العملية ونتائجها التي أدت إلى منزلقات خطيرة في حياة الحزب، وثيقتان يعرف الجميع أن تغيير العبارات فيهما لأكثر من سبعين عاما لا يعني تغيير الحراك السياسي السائد داخل وخارج الحزب فهما يوضعان على الرف لأن نفس المُعد والمصادق عليهما يجيرهما لخطه السياسي المصاغ بإجماع مرتب مسبقا وكالعادة بدقة متناهية...تلك ليست مشكلة الحزب الشيوعي العراقي وحده فذلك أرث وتاريخ متشابه ومتماثل لسائر الأحزاب التي بنيت على نفس الآليات لهذا ذهبت مع التاريخ لأنها عالجت مشاكل الإنسان بصياغات ملتوية لم تصمد طويلا..قسم من هذه الأحزاب خرج كليا عن هذه الدائرة بقراءة سريعة للواقع وللممارسة وتجلياتها لكي يعود من جديد ملتصقا بحياة الناس وليس بؤس الجمل التنظيرية المضللة...! كل المنعطفات السياسية للحزب مثل التحالف مع البعث إلى الكفاح المسلح إلى الدخول في تحالفات سياسية إلى التعاون مع المحتل وغيرها لم تجري وفق المنطق والمنظور الجماعي للحزب ولم تُعد لها فعاليات تنظيمية تدرسها بعناية بل تُركت لعقل مسيطر يعتقد انه فوق الشبهات وفوق الخطأ ومع الزمن تحولت هذه العقلية إلى إستزلام وشخصنه ومصالح لسرقة الحزب من الناس وجعله غنيمة شخصية يستفيد منها أولئك الذين صفوا كامل خصومهم وأي فكرة جنينيه مختلفة أرادت أن تنمو يوما ما..هناك شل مدروس لأي آليات ديمقراطية تسعى لبقاء الرأي المخالف والمحافظة عليه باعتباره مصدر عافية وثراء ووسع في التمثيل لهذا يُترك الباب مفتوحا بعنوة إلى رأي وحيد وواحد يبدو وكأنه يعبر عن أجماع حزبي يتجاوب مع احتياجات القيادة بل يطرب (القيادة) على أن الشعب يفكر هكذا.. لقد سألت عدد من الذين تركوا الحزب بعد صراع فكري في السنوات العشرة الأخيرة ممنيا نفسي أن هناك شيء تغير بفعل الزلازل الكبيرة في السياسة والفكر وبشكل خاص موضوعة الديمقراطية..ما هي ردة فعل الحزب العملية والإجرائية تجاه مغادرتكم صفوفه، هل شعرتم بسعي الحزب الجدي والحريص لبقائكم في صفوفه كان جواب أغلبهم(يمعود بالعكس ارتاحوا منا وفرحوا كثيرا) ولم يطرقوا الموضوع معنا حتى ولو من باب الصداقة، بمعنى ارتاحوا من مجموعة (أقلية) قد تشكل خطرا يوما ما... ؟؟؟ الحزب الذي يريد أن يحقق ديمقراطية داخل مجتمعه عليه أن يحترمها أولا داخله ويمارسها عمليا وبشكل واسع لا يقبل الجدال والمتناقضات والتأويلات...، لقد أكدت التجارب أن(فاقد الشيء لا يعطيه)..لهذا ما أن نرى مقالات سعاد خيري وغيرها منشورة على مواقع الحزب، متى ما نرى نقد حقيقي لشكلية المؤتمرات السابقة بل وضرورة رفضها والتخلي عنها لأنها لم تقدم شيئا لتطور الحزب فكريا أو سياسيا ولم تضعه في إطار صحيح كما هو واضح بشكل جلي لخدمة جسد يساري جديد يحتاجه العراق اليوم وغدا، متى ما نرى تعددية فكرية حقيقية وصراع على كل المستويات التنظيمية، متى ما نرى كل ذلك في حزب عراقي ما سنرفع له قبعاتنا وننحني احتراما سواء في الاختلاف أو الاتفاق عكسها ستسمر عقلية النفاق والتدجين ومعها عقلية هذا العدد الثابت من المداحين الذين لا هم لهم سوى(تصحير) عقلية الناس وبقائهم أسيري قدرهم بأن لا يخرجوا من غربة الايدولوجيا إلى رحاب فكري جديد من مهامه تحفيز وتشجيع الاختلاف وتعدد الرؤى لكي نخلق أحزاب تكون محطات للإشعاع الفكري المنفتح ومعها مجتمع حيوي يقبل بالرأي والرأي الآخر فكرا وممارسة...! كذلك هل نسمع من السيدة الفاضلة سعاد خيري نقدا جريئا للفكر ولتجربة الحزب السابقة التي ساهمت بصياغتها وخصوصا تلك المهارة في إقصاء الأقلية التي هي ضحيتها اليوم بلا شك...؟؟؟!
* ملاحظة:- لا أتفق مع أغلب اطروحات السيدة سعاد خيري وخصوصا الفكرية منها كونها مع الحزب أيضا لازالت مشدودة لماضي الشيوعية الذي رفضته الشعوب المنتجة له..ولكن سواء في الفكر أو السياسة أرى أن أبسط مقومات الديمقراطية هي أن ندافع عن ما تؤمن به فغريب جدا أن إعلام الحزب يتيح للبعض من الذين خدموا النظام الدكتاتوري إعلاميا مكانا كونهم الآن يمارسون غوغائية المديح الرخيص لكل من هب ودب وبالتأكيد ليس حبا بالحزب بل حبا بمسح ماضي بغيض ساهموا بصنعه، في حين لا يتسع المكان لرفاق الأمس بذلك تلك هي من مفارقات وتراجيديا الخراب التي تعيشها الأحزاب العراقية مجتمعة لهذا أنتجت مجتمعا مطابقا لها في السلوك وفي الممارسة والأهم في إنتاج نخب منافقة......!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |