|
أحذروا لعبة الأمن مقابل حياة صدام!؟ حمزة الجواهري بعد يومين فقط من صدور حكم الإعدام عليه في قضية الدجيل، مثل صدام أمام المحكمة في قضية الأنفال التي قتل نظامه خلالها ما يزيد على180 ألف كوردي وتشريد مئات الآلاف غيرهم، وهدم آلاف القرى الكوردية، هذا المجرم الذي فعل كل هذه الجرائم، وجرائم أخرى أكثر منها بمئات المرات، قام هذه المرة بدور داعية للسلام لا الحرب كعادته، ومن داخل قفص الاتهام في المحكمة، راح يدعو العراقيين العرب والأكراد ""للغفران والتصالح والتصافح""!!!!! ليس غريبا أن نسمع صدام يدعوا للتصالح ولا التصافح، لكن الجديد في خطاب صدام هو استعماله مفردة ""غفران""! في حين هذه المفردة تعتبر من المفردات الحرام لدى صدام وقد رفعها من قاموس خطابه طيلة فترة حكمه الدموي، السبب ربما يعود إلى حقيقة الموقف الذي هو فيه كونه سجين ويحاكم بأكثر من قضية تمثل نماذج من جرائمه البشعة ضد الشعب، لكن ما هو جديد هذه المرة أيضا أنه قد حكم عليه بالإعدام قبل يومين من ""دعوة الغفران""، وكما عرف عن صدام أيضا أنه يبقى يناور من أجل البقاء على الحياة مهما كانت التكلفة. ربما نتذكر وثيقة الذل التي وقعها النظام بعد حرب الكويت والتي نعرف تفاصيلها بالكامل، لكن الرجل قد أمر ضباطه بالتوقيع عليها نيابة عنه مهما كانت الشروط ثقيلة ومذلة، الهدف، وكما أسلفنا هو البقاء على قيد الحياة ليبقى يناور عسى أن يجد مخرجا يوما ما، وبالفعل بقي يفعل ذلك طيلة اثنا عشر عاما متواصلة حتى ملت أمريكا من تشبثه بالسلطة بالرغم من الحالة التي هو عليها، وبالرغم من الحالة المزرية التي وصل إليها العراق والعراقيين. قد تكون هذه القراءة إحدى الأسباب التي دفعت أمريكا لدخول العراق بعد أن يئست من سقوط النظام مادام هذا الغول على قيد الحياة. صدام الذي عرف بمكره وخبثه وغدره، كصفات لازمت حياته منذ الطفولة كما وصفه الذي عرفوه وتعايشوا معه خلال مراحل حياته المختلفة، وكما عرفه العراقيون وهم يرزحون تحت حكمه الجائر الدموي لمدة ثلاثة عقود، كانت أطول من التاريخ بكل فصوله، فقد عرفنا معاني مفردات التسامح أو التصافح بالنسبة لهذا السفاح الغادر، حيث هو في العادة يسميها "بالعفو العام"، وما أن يطمئن له الضحايا ويصدقوا نواياه، حتى تتوجه إليهم يد الغدر الصدامية من جديد لتصفيهم الواحد تلو الآخر، هذا إذا لم تكن التصفية جماعية، فلو رجعنا إلى عدد المرات التي أصدر فيها عفوا عاما معلنا تسامحه عمن خرج عن سيطرة نظامه الشمولي لوجدنا أن هناك في كل يوم من أيام الحكم عفوا عاما لفئة معينة من الناس، مرة عن الفارين من الخدمة العسكرية، أي محارق الجنود خلال حروبه التي لم تتوقف، والعفو عن الكورد لعدة مرات والعفو عن السياسيين المعارضين، وقد عرفنا أيضا تحالفاته العديدة والتي انتهت بكارثة لكل من تحالف معه، فالتحالف بالنسبة له مجرد حالة تزيد من قوته في تصفية خصوم آخرين أقوياء يقفون حجر عثرة في طريقه. وهكذا فإن العفو العام أو التحالف بالنسبة له تعني مجرد أنواع من التكتيك لتصفية المزيد من معارضيه، أو تكتيك للخروج من حالة ضعف أو أزمة كبرى تواجه نظامه، وما أكثر المواجهات التي مر بها. لذا لا أجد فرقا بين تلك التكتيكات و "دعوة الغفران" الجديدة بعد صدور حكم الإعدام عليه. مما لا شك فيه أن هذا السفاح لا يمكن أن يتسلل الندم إلى عقله، ولكن ما هو السبب في هذه الحالة الغريبة التي نراها من صدام وهو يطلب ""الغفران""؟! هذا ما دفعني للعودة إلى سيرته الذاتية واقتطاف هذا الجانب منها، وهو أن هذا الوحش عرف عنه المكر والخبث والغدر، كصفات لازمت حياته منذ الطفولة لا يمكنه التنازل عنها، ولا يمكن أن يكون نادما، لذا فهو ليس مخلصا أبدا بهذه الدعوة، وأستطيع الجزم أنها مناورة جديدة يوظف فيها طاقاته الخلاقة بالمكر الخبث والغدر للخروج من هذه الحالة. كأني بصدام يهمس للحكومة أو الأمريكان أن هناك نافذة تطل على الأمن في العراق جديدة يمكن أن تفتحها الحكومة، ألا وهي نافذة المقايضة ""بالحصول على الأمن مقابل رقبة صدام"، ولا يهمه أن يشمل أعوانه بها أم لا، وربما يطالب بما هو أكثر من ذلك، الإفراج عنه وتوفير حماية له، وربما يطلب مهجرا ليقضي به بقية حياته، لكن، وفيما لو ضعفت الحكومة أمام الحالة التي يمر بها العراق كنتيجة لضربات الإرهابيين البعثيين الجبانة وقبلت بهذا النوع من المقايضة، فإنها ستكون قد وقعت بالفخ العميق الذي لا خلاص منه، لأن صدام وكعادته عندما يكون في مأمن، سوف يتحلل من أي التزام خصوصا وأن الرجل بلا أخلاق، بل مريضا بالمكر والخبث والغدر. نقاش ايجابي لكن مع ذلك يمكن أن تكون الفكرة جيدة، وعلينا أن نكون إيجابيين وأن لا نغلق بابا قد تكون فعلا بداية جيدة لوقف نزيف الدم والسيطرة على الأوضاع وإنهاء الفساد المستشري في أوصال الدولة بسبب البعثيين، لأن وكما هو معروف، أن الذي يخل بالأمن هم البعثيون وهم الذين يقدمون العون والملاذ الآمن للسلفيين التكفيريين وهم وراء كل مصيبة حصلت في العراق لحد الآن أو تلك المصائب التي سوف تحصل، فلو كانت المقايضة هي الإبقاء على حياته كرهينة في سجنه مقابل الأمن فعلا، يمكن اعتبار أن المقايضة منطقية، لأن في حال عودتهم للإرهاب، فإن حكم الإعدام سوف ينفذ به، ولكن المشكلة التي سوف تواجه الحكومة هي كيفية الإبقاء عليه سجينا، حيث كما هو معروف أنه الآن سجينا لدى الأمريكان ولديهم القدرة على القيام بهذه المهمة التي أعتقد أنها مستحيلة على الحكومة. لكي تستطيع الحكومة المحافظة عليه كسجين بين أيديها، يجب أن يكون الجيش والقوات المسلحة خالية تماما من أي جهة مازالت تحمل الولاء لصدام أو البعث أو أي جهة يمكن شرائها حتى لو كان الشراء بثمن غالي جدا، لأن البعثيين سوف يسعون من اليوم الأول لشراء الذين يستطيعون إيصالهم إليه وتحريره من سجنه، سواء كان المسعى عن طريق البعثيين أو الفاسدين ماليا، وكلاهما موجود بكثرة في هذه الأجهزة، ولا يمكن المراهنة على نقاء القوات المسلحة من التلوث البعثي، فهو رهان خاسر ولا يمكن تحقيق هذه الحالة على المدى المنظور بالنسبة للحكومة العراقية. لذا يجب أن لا تقبل الحكومة بأي مقايضة من هذا النوع، لأن في حال تحريره من سجنه سوف يعودون للسلاح مرة أخرى، وبهذا نكون فعلا قد أدخلنا العراق في آتون انتقام رهيب. أضف إلى ذلك، وبنظرة سريعة لواقع مؤسسات الدولة العراقية نجد أن هذه المؤسسات معبأة بالبعثيين والكثير من الذين يقدمون الدعم لهم، أفرادا أو جماعات، من تلك الكتل السياسية التي تسللت إلى جميع مفاصل الدولة بمسميات مختلفة وهي مازالت تحمل الولاء لصدام والبعث، وما هو معروف عنهم أيضا ذلك الصلف الذي لا حدود له، بحيث نسمع مسؤولين في الدولة العراقية الجديدة يهتفون باسم صدام علنا وأبدوا انزعاجا، بل هستيريا وصلت إلى حد التطاول على رموز الدولة وشتم العراقيين جميعا يوم حكم عليه بالإعدام، وهم على استعداد تام لعمل المستحيل من أجل تحريره. بظل هذا الواقع هل تستطيع الحكومة الاحتفاظ به في السجن كرهينة مقابل الأمن؟ أنا لا أعتقد، ربما لدى الحكومة إمكانيات لا أراها، وهذا أمر وارد. أما لو تركته الحكومة بيد الأمريكان، قد يكون هذا ممكنا في الوضع الحالي، لكن مع تبدل الحكومات الأمريكية وكثرة أوراق صدام التي ادخرها لأيام الضيق، من يضمن أن الأمريكان لن يطلقوا سراحه في صفقة مقايضة؟ مثلا حياته مقابل أسلحة الدمار الشامل التي مازالت مخبأة لحد الآن، وربما المقايضة بتلك الأموال الكثيرة التي سرقها من العراق، وربما......وربما..... فكما أسلفنا، إن أوراقه كثيرة ولا تنتهي، وهو بالفعل قد هيأ نفسه لمثل هذا اليوم، وما استمرار العمليات الإرهابية في العراق إلا من أجل الوصول إلى السلطة كاملة من جديد وربما بقيادته، هذا فضلا عن الضغوط الدولية على أمريكا وعويل منظمات حقوق الحيوانات المفترسة مثل الهيومان رايتس وتش وغيرها، والإعلام الذي تسيل لعابه للدولارات التي سرقها البعث من قوت الشعب العراقي على مر السنين، فهل بعد معرفة كل هذه الحقائق نستطيع أن نطلب من أمريكا إبقائه رهينة عندها لحين السيطرة على الوضع الأمني وتنقية البلد وقواته المسلحة من التلوث البعثي؟ وهل ستضعف الحكومة أمام هذا الهمس العلني وهي التي تحمل برنامج المصالحة الانتحاري المعروف؟ وهل ستخضع لضغوط جديدة من زلماي بالإفراج أو إصدار العفو عنه تحت مسمى المصالحة؟ حيث مازال أمام زلماي وقت طويل لحين تسمية السفير الجديد في العراق، والرجل سوف لن يدخر جهدا لإغراق العراق أكثر في أوحال الإرهاب البعثي حتى يوم خروجه من العراق، لأنه حريص جدا على تدمير العراق بدبلوماسيته الهادئة هدوء الأفعى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |