لغتنا ..

جواد السعيد / السويد

J12alsaaid@hotmail.com

 ليس من باب الفخر أو التميز والعنصرية ولكن ما من أحد تعلم  اللغة العربية إلا عشقها وليس لأني عربي أشعر بموسيقية العربية وأحبها وأجد فيها تعبيرات عميقة وصحيحة لما أرغب قوله وتعبيرا صادقا لمشاعري، فإنك تجد مفردات اللغة العربية في كثير من اللغات الشرقية وليس لهذه اللغات مفردة واحدة في العربية..! تعدد معاني الكلمة أعطاها اتساعا في الأستعمال وتعبيرا صادقا للمسميات.

 تعال واستمع لآي القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته لتستريح الروح على ايقاعات سجعه وتستكين الأوجاع وتختفي حشرجات الصدور بين بهجة حروفه، وتعال الى نهج البلاغة اذا أعيتك الحيلة عن التعبير لتزداد بلاغة وفهما لما يدور حولك من مفردات زادت اللغة جمالا وتنورت بها اشراقا فعلى لسان علي عليه السلام تتجلى الحكم وتنساب التعابير العربية فصيحة وكيف لا وهو استاذ البلاغة والحكمة ووريث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ولم يعط أحد مثل ما  أعطي علي من الفصاحة والبلاغة.

 واذا أردت للروح أن تسكر الى حد الثمالة فاقرأ كلام سيد العابدين الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في صحيفته السجادية فهناك مراتع خصبة لراحتها واستعداد تام لها كي تعرج  الى السموات العلى لتخترق حجب النور فتركع على أعتاب حضرة القدس فتعود عليك الدعوات مجابة، ففي تعبيراته عليه السلام تتعلم آداب التحدث مع الرب الجليل وفي مقاطع أدعيته تتدفق ينابيع المودة والرحمة والاستكانة والتذلل لملك الملوك.

العربية لغة تملكت مشاعر العرب فسالت قرائحهم  فيها شعرا خلد على مر العصور وبقيت مشاعر الأجداد خالدة كخلود المعلقات والحوليات، فذاع صيتهم بموسيقية لغتهم وعزفوا للدنيا أجمل سمفونية عشق لكل فن ففي الحرب كانت اللغة أول سلاح يرمى به وهكذا في الفخر والرثاء والمدح والهجاء، فأي لغة جميلة هذه، سجدت اللغات لها إجلالا واحتراما لغزارة معانيها ووفرة عطاءها.

وزادها نزول القرآن بها خلودا وكأنه جاء ليحفظها من الزوال متنبأ َ بدخول الأعاجم عليها ليسلبوها جمالها فاستخفوا بألفاظها لعجمة ألسنتهم واستعمروا أبناءها فراحت معانيها تتبدد بين ناطق بحروف غريبة عليها وبين من ألحن في النطق بها أو قدم وأخر في مفردات جملها فتصدعت قواعدها وصعبت حتى على أبنائها وراحت زائلة لولا وجود قرآن محمد صلى الله عليه وآله.

في الحجاز تقتل العربية ألف مرة في اليوم بسبب الاستهانة فيها من قبل أهلها بعد أن استعملوا تعابير وألفاظ الخدم الذين جلبتهم حكومة السعودية مجاراة لإيصال المعنى لهم، فإذا ذهبت لزيارة الديار المقدسة فإنك ترى العجب في اللفظ وفي الكتابة وفي الاستعمال، ففي أحد الأيام وعند أذان المغرب وفي أحد مساجد مكة كان يرطن بالأذان مؤذن ليس عربيا ولا يجيد اللفظ كدت أقتحم عليه المسجد لألقي به من سطح المسجد من شدة الحنق عليه لتخريبه ألفاظ لغتنا الحبيبة ولكني تذكرت أني في البلد الحرام وفي الشهر الحرام وخشيت على نفسي دعاة الدين من أحفاد اللقيط محمد بن عبد الوهاب الذي جعل من الدين سخرية فطالت اللحى وقصرت الثياب وانتفخت الكروش وكثر العوران والعميان في صفوفهم فصارت شعارا للوهابين.

وذات يوم في جنة البقيع في المدينة المنورة وقفت وأصحابي على قبر يضم رفاة شهداء واقعة الحرة وكان رجل أفريقي أشعث قد طالت وتجعدت واتسخت لحيته يرتدي ثياب بيضاء ويشماغا أحمر فيظهر وكأنه علبة تبغ ((مارلبورو)) فأحببت أن أتحدث معه فسألته: هل تستطيع ان تجيبني من مدفون هنا؟ فقال بلهجة عربية متداخلة مع نبرة أفريقية حادة (( الله أألم هذا كبر كديم ياهاج، لا دائي للسؤال زيارة الكبور هرام هرام ياهاج)) فنظرت إليه وسألته من أي بلد أنت؟ فقال أنا من غانا فقلت: عجبا  أن تأتي أنت من مجاهيل أفريقيا وغاباتها لتعلمنا تاريخنا وديننا، سأجيبك أنا عن هؤلاء الذين اضطجعوا في هذه الجنة ياهذا: هؤلاء أجدادنا الذين بنوا الأسلام وشيدوا دعائمه وأركانه فلا حاجة لنا الى سماع فتواك بتحريم زيارة القبور وانصرفنا عنه.

في المصعد الكهربائي وعلى لوحة التعليمات كتبوا هذه العبارة(( الحمولة فقط 13 أشخاص)) فصوّرتها كذكرى مؤلمة أو عند الصعود الى السيارة تسمع كلمة(( صكه باب .. صكه باب)) يعني اغلق الباب.هذا مستوى اللغة في الديار المقدسة ومهبط الوحي ومواطن قريش.

 أما في عصر انتشار الفضائيات وكثرتها فيعتصر قلبك ألما عندما تصغي مجبرا لمذيعة تيبست شفتاها المثقلتين بالحمرة أو مراسل متخشب متكلف أمام الكاميرا أو مذيع اعتنى برباط العنق  وتصفيف شعره ونسي الأهتمام باللفظ السليم فتعطل عمل حروف الجر عندهم وتاه الفاعل أمره وصارت كان وأخواتها  تعمل كأخوات إن وأخواتها  والمضارع ساكنا والأمر منصوبا، ولم يعد مبني لمجهول ولا نائب لفاعل، وأظن هذا سبباً رئيسيا لعدم فهم الأخبار بشكل صحيح فترى كل شخص ينقلها حسب فهمه.

أو تستمع لمحلل سياسي من المحللين الذين يدعون البحث في علم السياسة أو لسياسي كبير يتحدث في لقاء مع الصحافة بلغة عربية لا علاقة لها بالعربية ولا يخجل اطلاقا من تكرار نفس الخطأ وهذا السياسي الذي يدعي العروبة لايقتصرعلى سياسيي العراق الجديد بل يشمل كل السياسين العرب ففي مصر مثلا يتهاونون في ادخال اللهجة المصرية على لغتنا العربية الجميلة وفي اليمن مهد اللغة العربية يظهر سياسي ذو وجه مكفهر كأنه بعير وأسنان مصفرة مسودة من أكل القات يدخل مايشاء على اللغة فيذهب بمحاسنها، ولم أر أكثر جهلا من البعثيين باللغة العربية وهم يدعون أنهم من دعاة الوحدة العربية والقومية، وهكذا في لبنان فلا استغراب من ذلك عندما تستمع لشخصية سياسية لبنانية تستعمل اللهجة المحلية المائعة في الحديث الرسمي، أما في بلدان الخليج  فلا يحفظون سوى أسماء الأبل بالعربية أما الخيول فتبدلت أسماؤها الى لغات شتى  ولكل جملة مصطلح بالهندية أو الفارسية.

أما نحن في المهجر فتعال واستمع إلينا ولأولادنا نتكلم بين كل كلمة أو جملة أو عبارة عربية مصطلحا انجليزيا أو سويديا أو هولنديا أو ألمانيا أو فرنسيا وما يؤسف له أن البعض يستعمله تبجحا وزهوا واذا اختلى الأولاد لبعضهم للتحدث أو تشاجروا  فلا وجود للعربية عندهم اطلاقا.

 يبدو أن العرب وصل بهم التنازل والاستهزاء بأنفسهم الى تدمير لغتهم كي يزدادوا انحدارا الى انحدارهم الحضاري كما تنازلوا عن دينهم وجعلوه لعقا على ألسنتهم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com