مانفيستو جديد للعراق: من اجل ستة مبادئ وطنية!

د. سّيار الجميل

 بعد شهرين فقط من سقوط النظام السابق في العراق على أيدي قوات التحالف وهيمنة الاحتلال، قمت بنشر ورقة مبادئ، ازعم بتواضع شديد، أنها مهمّة جدا، وأسميتها بـ " مانفيستو العراق: من اجل ستة مبادئ وطنية " (الزمان اللندنية، العدد 1532 بتاريخ 16 يونيو 2003)، مهّدت فيها لتأسيس تاريخي جديد على مرتكزات وطنية مدنية وحضارية لا يمكن للعراق أن يحيا أبدا من دونها.. وكنت أتمنى صادقا أن يمضي العراقيون بتنفيذها ولم يكن الانقسام الاجتماعي والسياسي والثقافي والإعلامي قد حصل بعد.. ولكن لا المحتل سمع للعراقيين المستقلين، ولا زعماء الأحزاب قد استأنسوا لغيرهم!! وما كان مصير العراق ليكون هكذا لو طبقّت معايير حيوية انبثقت عن مصداقية وطنية ونظافة سياسية وأجندة شجاعة كانت ولم تزل تعمل من اجل المجتمع لا من اجل أحزاب أو كتل أو طوائف..
 لقد كنت ولم أزل أطالب العراقيين بالاجتماع على مبادئ وطنية لا حيدة عنها، وهي مرتكزات للتأسيس، وهي: الوحدة الوطنية والاستقلالية التحررية والدستورية المدنية والتعددية السياسية والديمقراطية التوافقية والثورة التحديثية، وان تجدد كل الأحزاب والكتل العراقية أهدافها وأساليبها القديمة التي كانت ولم تزل تسوّقها باسم العراق والعراقيين لتحقيق أجندة انقسامية أو طائفية أو شوفينية أو كتلوية..، وعليها أن تحلّ كل الميليشيات والذيول التي كانت قد تكونت قبل عقود من الزمن أو التي تشكلت بعد سقوط النظام السابق.. وينبغي للعراق أن يمر بفترة نقاهة قدرها أربع سنوات على اقل تقدير، من اجل أن يستعيد حياته بعد أن ضربت الفوضى كل أرجائه.
 كّنا نتأمل أن يتضمن دستور العراق الدائم تلك المبادئ المدنية العراقية الحقيقية التي لا يمكن أن يجد أي عراقي نفسه خارجها مهما كان طيفه ووزنه وعرقه ودينه ومذهبه، ولكنني اعتقد أن ملايين العراقيين اليوم يجدون أنفسهم خارج إطار الدستور وفي مقدمتهم أولئك الذين يؤمنون بعراق مدني متطور لا تلعب به أية محاصصات، ولا تذبحه أية انقسامات اجتماعية ولا يقامر باحتساب العملية السياسية على أساس الأغلبية والأقليات.. وان تتم أية انتخابات على أساس المناطق والتصويت لمرشحيها الأكفاء بعيدا عن الصيغة التي جعلت العراق منطقة واحدة والتصويت للأحزاب والتكتلات، فكانت العملية بمثابة كارثة حقيقية!
 هل يمكنكم أن تراقبوا انهيار العراق اجتماعيا بعد انهياره سياسيا، بدءا بمجلس الحكم وما حفل به من رزايا محاصصة طائفية وعرقية مضادة للمشروع الوطني؟؟ وفي العام 2004، مرّ العراق بمشكلات صعبة عدّت مجرد مشكلات ستزول بعد الانتخابات! وجاءت سنة 2005 لتحمل أجندة جديدة تكّرس الانقسام في لجنة كتابة الدستور التي أخرجت دستورا لا يليق بالعراقيين أبدا، إذ اعتبره أصحاب العملية السياسية منقذا أساسيا للعراق، في حين قابله اعتراض شديد في يوليو 2005.. ذلك انه يحمل تناقضا ت صارخة وترسيخ للانقسام! وعندما دخل العام 2006، بدأ الحديث فاضحا عن انقسام العراق.. كل ذلك جرى في ظل افتقاد للأمن والنظام وتفاقم للإرهاب ومشروعات القتل والخطف والتفجير وتفاقم الصراع الطائفي والتهجير القسري وفرق الموت إزاء ضعف الحكومة..
 السؤال: من الذي سينحر العراق كله؟ من الذي سينقذ العراق كلّه؟ ما حجم الثمن التاريخي الذي سيدفعه شعب العراق نتيجة للتغيير؟ وما حجم ما دفعه الشعب العراقي من دماء وثروات والآم ومعاناة على مدى خمسين سنة من حياته المعاصرة؟ لقد ساهم الاحتلال والانقسام في تفاقم المخاطر وتعاظم التحديات وكثرة التدخلات وهول الاختراقات.. وكلها كانت ولم تزل لم تعالج، والمشكلة أن الرهان يمّرر سريعا باسم الديمقراطية والدستور.. وان الفشل يلحق الحكومة والاحتلال، وان الأمن ضائع بين المقاومة والإرهاب.. من دون التفكير بالسؤال: هل يمكن تنفيذ أي عملية سياسية وإقرار أي شرعية دستورية في ظل أوضاع شاذة؟ لقد وصلت الاحتقانات اليوم إلى درجة لا يمكن تخيّلها من التشظيات نتيجة التفسخ الحاصل وبدء اندلاع حرب أهلية.. لا تسلم من شراراتها المنطقة كلها!
 كنت أتمنى على كل الفرقاء العراقيين أن يكونوا أكثر دقة في إطلاق التصريحات وعدم نشر المعلومات الخاطئة التي لا حقائق لها، ويدركوا أنهم بأسلوبهم ذلك إنما يهيجون به مجتمعهم ويضربون هذا بذاك.. إن جملة هائلة من المعلومات الخاطئة قد جرى تداولها مأخوذة من الخارج عبر قنوات لا حصر لها، يذيعها أمريكيون يتقصّدون نشرها ليتداولها العراقيون كأنها حقائق مسّلم بها، فتكون بمثابة وقود للنار المستعرة في القلوب.. هذا إذا استثنينا فقدان الأمن والنظام وارتكاب كل الموبقات التي لم يعالجها احد علاجا حقيقيا، إذ أصبحت مناطق عدة في العراق خاوية من أية سيطرة ومن أية خدمات أساسية.

السؤال الآن: هل فات القطار على العراق والعراقيين؟ نعم، لقد خسر العراق وأهله كثيرا من أحلامهم وأزمانهم وآمالهم ومواردهم وتطلعاتهم.. ولكن لم يزل هناك متسع من الزمن لمعالجة الأمور، واستدراك الأخطاء متمنيا على الجميع الاعتراف بالتجنّي على العراق بعيدا عن استعراض العضلات وتبادل الاتهامات وتمجيد الأدوار. أتمنى أن يتفقوا على أي صيغة في ما بينهم للخروج من النفق المظلم.. إذ ينبغي عليهم أن يعيدوا حساباتهم وآليات العمل المشتركة والقطيعة مع كل ما من شأنه إن يودي إلى الانهيار ولابد من البدء بصفحة سياسية ودستورية جديدة ومختلفة ليستقر العراق ويستعيد حيويته ودوره الحضاري، ويغدو صمام أمان للمنطقة برمتها. فهل سيتحقق ذلك؟ نتمنى ذلك بحول الله.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com