|
تعمد الفشل هو البديل الإستراتيجي للسياسة الأمريكية في العراق يشار آصلان كركوكلي من وجهة نظر التاريخ يعتبر تلاشي أية دولة وإنهيار إمبراطورية أو تحول أي شعب ثري في ماضيه العريق الى أمة هزيلة وواقع ممزق مريض أمرا ممكنا كما أن عودة الصحة وتبلور الكيان القوي للأمة من أشتاتها يعتبر ممكنا أيضا فليس هناك من دور إستحالة في هذا الباب, والممكنات هي البعد الفلسفي للوجود والتغييرات في العالم, وهي التي تشحن الطاقات للنهضة وتُقدم للصعود مدارجه في الحياة. والحياة مساحة واسعة تتوزع ما بين القمة والحضيض وما بينهما مسافة كبيرة وطريق شائك طويل, والأمر مرهون للأمة أن تختار فيها القمة وتسعى اليها لتكون, أو لا تكون فتركبها أمواج السيل الى واد سحيق. فإذا ما إختارت وصح إتجاهه وإنفعلت إرادتها حركة عليه هانت الصعاب أمامها وتذللت الوسائل فكانت خير ما ترد بها على العاديات وتبني المستقبل من بين أنقاض الركام . فهل أن ما يتجه ويسير اليه الشعب العراقي هو الصعود للقمة في الحياة ام تسيير وسوق الى الجحيم. المرئي من كل الوقائع والأحداث وملابساتها لا يقدّم صورة تمثل الإتجاه الصحيح أو إرادة تعبّر عن تنازع من أجل البقاء بل الأقرب للحقيقة أنها تنازع من أجل الفناء. من يصنع الأحداث في العراق ومن يوجهها ويشرف على معالجهاتها ؟ لقد إشتكت الحكومة العراقية أن لا حول ولا قوة لها في تحريك سرية من الشرطة في بغداد الى مواقع الأحداث أو تجهيزها بالأسلحة اللازمة من دون التشاور وإذن القوات الأمريكية وأن حصوله يخضع لحسابات السياسة الأمريكية الغامضة. فأمريكا هي التي تصنع وتوجه وتعالج وهي المسؤولة وفق تفويضات مجلس الأمن . يصف البعض الأوضاع في العراق بأنها فوضى وفشل للسياسة الأمريكية كما يؤكده روبرت فيسك في الإندبندنت والحقيقة هي أن النجاحات الأمريكية في العراق وفق التصورات الأيديولوجية للسياسة الأمريكية قد تحققت فعلا من خلال هذا الفشل والإخفاقات وشيوع ظاهرة الفوضى لأنها وحدها التي تستطيع أن تلغي مجتمعا وقدرات عربية وإسلامية من المشاركة فعلا والتأثير في سياسات المنطقة على المدى الطويل لتستفرد وتستأسد فيها حليفتهم المقدسة إسرائيل وهي المقصودة أصلا على مدار أكثر من نصف قرن في سياسة الجمهوريين والديموقراطيين معا. فهل كانت الرغبة الأمريكية في غزو العراق أو البقاء فيه من أجل الإنتخابات الديموقراطية التي لو تحققت فعلا وجلس البرلمان لإصدار رسالة الشكر للقوات الأمريكية بما قدمتها من جهود خدمية للشعب العراقي ومعلنا عن إستغناء العراق عن خدماتها لإستتباب الأمن والإستقرار فيه وشروع حركة النهضة والنمو والتبلور القوي لكيانه الإجتماعي والإقتصادي والدفاعي؟ لا شك إن هذه الرغبة لا تلتقي مع السلوك الأمريكي في العراق أصلا, وإذا كانت صادقة كانت الأولى أن تبدأ من السعودية الأقرب اليها من حبل الوريد ولكنها بدأت من العراق لأسباب , حتى أن ما جرت من الإنتخابات فيه أرادت أمريكا التملص من تفعيلها لو لا تدخل المرجعية الشيعية التي وضعت الإدارة الأمريكية في مأزق الوفاء على ما أعلنتها من شعارات وتجنبا من تأثيراتها الفعلية سعت القوات الامريكية ومنظماتهم المدنية والإستخبارية في العراق لتوجيه النتائج الإنتخابية وتزويرها الى حد الجنون كما حدثت في كركوك لخلق التناقضات في كل تفاصيل الإدارة العراقية فتبلورت على أثره هيمنة الأحزاب الكردية على كل مرافق الدولة والجيش والإقتصاد بين مشرف رئيس أو رقيب ولا رقيب عليهم, وكان السفير الأمريكي في بغداد هو الحاكم الزرنيخ . ولعل ما كتبه مايلز كوبلاند المسؤول عن المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط في كتابه( لعبة الأمم) بأن الفشل والإخفاق في التوصل الى نتائج طالما كان الهدف غير المعلن للمشاركات الأمريكية في اللجان والمؤتمرات الدولية التي ربما كانت أمريكا نفسها من دعت الى إنشائها وهو ما يصدق تماما على الأوضاع في الشرق الأوسط وفي العراق بالخصوص. وان فشل معظم قرارات مجلس الأمن وإخفاقاتها الدائمة تجاه قضايانا في الأمم المتحدة كانت تعبيرا عن نجاحات أي ممثل للولايات المتحدة الأمريكية فيه وآخرهم (جون بولتن) الصهيوني الأكثر من إسرائيل الذي وقف بإصرار في مجلس الأمن لرفض إدانة إسرائيل على ما قامت بها من جرائم ضد الإنسانية في بيت حانون. فإسرائيل هي التي توجه السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي ولن يكون العراق في خارجها أبدا إن لم يكن في قلبها . إن النظرية التي تفرض نفسها بقوة في العراق كما في الصورة والوقائع اليومية منذ أكثر من ثلاث سنوات من الغزو قائمة على دعامات ومخطط مدروس عصارته (إلحاق أكبر الخسائر التي لا تجبر ولا تعوض بالشعب العراقي حاضرا ومستقبلا ليكون أكثر من أمة هزيلة في بلد مريض). ولكي يكون كذلك الزم سيناريو النظرية أن تكون العوامل الظاهرية داخلية تغطي على العوامل الخارجية المؤسسة, كما المحت الى هذه النقطة وزيرة الخارجية الأمريكية رايس في الطائرة التي أقلّتها من المانيا الى فيتنام مؤخرا حيث قالت بالحرف الواحد (ان العراق يعيش حربه الخاصة به وأن ليس من حل سحري للعراق فهو مكان معقد يعيش فترة صعبة) وتعني بذلك أنها نتيجة للصراعات الطائفية وليست الإحتلال ولا يتوقع حلها على المدى القريب فمن عقّّد هذا المكان حتى يستعصي الحل له ومن زرع التناقضات فيه وجاء بالتكفيريين من أفغانستان وأوربا ؟ إنه أمريكا وتصريحات بوش في أن يكون العراق الجبهة المركزية لمحاربة الإرهاب في العالم, لماذا العراق وأي قانون الغاب الذي يمنحه الحق في أن يختار ويصنع الجبهات؟ فلا زال العراقي, الشيعي والسني يعصرهم الألم من هذه التنسيبات الظالمة والمظاهر الفاسدة والوقائع المفروضة عليهم ويخشون تأصيلها من خلال التفرج العام عليها, وأنهم يدركون جيدا أن الدماء التي تسيل بحرا في العراق ما هي إلا أهداف سياسة مدروسة لنظرية أمريكية إسرائيلية مزدوجة, وأنها لن تحرك شعرة في رأس حاكم عربي ولا نبضا في قلب الشارع الإسلامي ولا وخزة في ضمير العالم . فليس العراق بدعا من الأمم ففيه الطوائف والأديان والمذاهب والقوميات جرى التعامل معها خلال أكثر من ثلاثين عاما تحت نظام شمولي قاس مدعوم من القوى الكبرى وأمريكا بالخصوص وكانت إنعكاسات ذلك التاريخ الرهيب مهيأة للإنفعال بعد سقوط النظام, فجرت تغذيتها عبر تزريق العراق بأمصال من وباء التكفيريين لخلق التنافر بين الأقطاب كجزء من مهمات نظرية الإرهاب والتخريب ومكمل لها وان إعتراف رايس بأن لا حل سحري للعراق يعني نجاح النظرية وإستمراريتها على المدى البعيد. إن الحجم الخطير والطريقة البشعة التي تسفك بها الدماء العراقية, وتدمر بنية العراق التحتية والفوقية وكفائاته ومصادره الطبيعية وعلاقاته النسيجية تعبّر عن طبيعة نظرية التدمير الإجرامية وهي نفسها التي طرحها وعبّر عنها كيسنجر في حرب دول الجوار بين العراق وإيران( بأن الحاق أكبر الخسائر للدولتين هي المصلحة القصوى للولايات المتحدة الأمريكية)وهو الذي يسعى اليوم من خلال رؤيته الصهيونية البعيدة عبر الدعوة الى مؤتمر دولي بشأن الوضع في العراق لترسيخ ما تم خلقه من الواقع المريض وأسباب التقسيم والمساهمة بخروج قواتهم من العراق بماء الوجه. وأن النموذج العراقي اليوم وأحداثه يعتبر ترجمة أمينة لنظريته في إطار الدولة الواحدة عبر تفجيرها شاقوليا من خلال عواملها الداخلية كي لا تنتشر شظاياها أفقيا كما حدث قبل اشهر بين حزب الله وإسرائيل ولكنه إنقلب عليهم بفضل وحدة ووعي المقاومة الإسلامية هناك فكانت حقا أول خسارة عسكرية وفضيحة لإسرائيل منذ قيامها. وفي إعتقادي أن الرؤوس المدبرة للأحداث الداخلية لا يهمهم تحول العراق الى كدس من الخراب وهم أسوأ الناس على الإطلاق وأكثرهم أنانية ممن لا يعيرون قيمة للشعب والوطن والمقدسات والإنسان العراقي وهم أدوات النظرية وجزء مهم من سيناريو التدمير الشامل للعراق. إن الذي يقول أن العراق لن ينقسم لم يقرأ التاريخ جيدا ومن يقل إن العراق لن يعود واحدا موحدا قويا عزيزا لم يقرأ التاريخ جيدا فالعراق بين أيدينا ونحن أبناءه فليكن خيارنا العراق قويا موحدا بشعبه وأرضه وقيمه, لا بجنوبه وحده ولا بشماله وحده, بكله وكله. فإلى كل عراقي بيده خيط من القوة والتوجيه أو معه السلاح والعتاد: ( قف) لا ترمي عراقيا أبدا ولا عدوا محتلا حتى تستيقن النتائج, فالعدو لا يخاف من إطلاقاتك مهما إدعيت فمنذ أربع سنوات من دخول المحتل الى العراق لم يمت أويقتل ثلاثة الاف من قواته ومعظمهم من المرتزقة وقد قتل أكثر من نصف مليون عراقي بين طفل وإمرأة وشاب وشيخ وأكثر من مليون جريح مع خراب العراق فأين المقارنة ومن قتل العراقيين ومن . إنما يخاف العدو : أن تتذكر شعبك وجارك ومجد بلدك العريق فتستقيم من دون لثام ولا خوف فتغدوا (ووجهك وضّاح وثغرك باسم). يخاف أن تضع يدك على يد خصمك العراقي تتصالح على عزة العراق وشعبه يخاف أن يسود الهدوء والأمان قبل أن يبلغ الهدم محله حيث لا يقوم من بعده البناء. يخاف أن ترفع شعار أنا الذي أتنازل لخصمي لأنه أخي وإبن مدينتي وبلدي وعراقي ويرفع خصمك الشعار نفسه فلا خصام . يخاف أن لا تكون طائفيا فتكشف أدوارهم ومخططاتهم وجرائمهم. هذه مواطن الخوف عند العدو وانت تأتي عليه من مواطن رغبته فلن تفلح إذا أبدا. قل لي وبالله عليك لو أن خمسة ملايين في بغداد خرجت تقول للمحتل بالجلاء هل يبقى إحتلال في العراق؟ ولكنهم لن يخرجوا لأنكم حشرتموهم في البيوت والزوايا خوفا على حياتهم من المفخخات والإغتيالات وعبوات أكياس القمامة, إنكم تحملون شعار الموت للشعب لا للإحتلال إنكم من تخدمون العدو المحتل وإنكم أعداء الشعب عن قصد أو دون قصد . أيّ معتوه, متحجر العقل, مشوه الفكر, لا فقه له في الدين ولا عقل له كإنسان سليم تراوده نفسه أن يأتي الى بلدنا العزيز بلد الثقافة والفكر والفقه والتاريخ والتراث ليفجر فيه الأسواق والزبائن وتجمع العمال ورواد المطاعم ويقتل الخباز والحلاق والمارة والمرأة والطفل الرضيع لا لشيء إلا لأنهم عراقيون ينتمون لهذا المذهب أو ذاك ثم يدعي أنه ذهب الى العراق للجهاد فتبّاً له ولا جرم انه من أصحاب النار. وأي جريمة وسقوط لهذا الذي يؤويهم ويسهل لهم مقاصد الشر . أخي العراقي لا أدعوك الى ترك الدستور الذي خلقكم مختلفين وصوركم فأفسد صوركم وأخرجكم أعداءا مشوهين بل أدعوا الى تحقير ما تفسدكم منه ومنه مواد الفتن وتقسيم العراق وهي : 1- المادة 140 وإن قصد منها سحق ثالث أكبر شرائح العراق السكانية وهم التركمان ولكن بيت القصيد منها تقسيم العراق الى دويلات كما نصح كبار المهتمين في جامعة هرتزليا في إسرائيل إدارة البيت الأبيض. 2- الفدرالية القومية والطائفية للفتنة والتقسيم . 3- توزيع الثروات الطبيعية في الأقاليم كما في الدستور لخلق نظام الإقطاع والتناحر الطبقي والحزبي والقومي والطائفي حتى ينتهي بالتقسيم. فاطلبها جميعا للزبالة تعش وطنا وشعبا وقمة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |