الكوردي التقدمي  جلال احمد وداعا

البروفيسور الدكتور عبد الاله الصائغ / الولايات المتحدة

assalam94@hotmail.com

من يعرف دانا جلال عن كثب سيعرف عمق الحزن الذي تلبسه عشية الأربعاء الثالث والعشرين من تشرين الثاني 2006! ومن يعرف والده  المناضل الكوردي الماركسي جلال احمد  سيدرك مقدار الخسارة التي مني بها الوسط التقدمي العراقي! لقد كان الراحل الكريم جلال احمد صديقا للعديد من المثقفين اليساريين  والحالمين التقدميين  وفي الصميم ولده دانا وزوجه سميرة خان مراد! ما أقسى ان يرحل المناضلون دون ضجة؟ ان ننشغل بالجرح العراقي الفاغر عن اعلام صامتين لايحبون الشهرة ولايفكرون بالسطوع! يمكنني القول ان حياة الراحل العزيز جلال احمد رواية ساخنة تتمحور احداثها حول مناهضة الفكر الفاشي والبعثي معا! آه لو تكلمت ليالي خانقين ونهارات شهربان  شهربان ( المقدادية ) وازقة السليمانية! إذن لتأيد لنا حرارة الرواية وبطلها المفغور له جلال احمد! كان حربا على الظلامية والعماء! وليس غريبا ان  تحركت زمرة من البعثيين في الساعات الاولى لانقلاب 8 شباط الاسود 1963 فتلقي  القبض على جلال احمد وكان عمر ولده دانا  زمنها ست سنوات فقط فلنتخيل مشاعر طفل حساس يرى بعينيه اليافعتين ديناصور الموت البعثي يمسك اباه بعينين حمراوين وجحفلتين زرقاوين تتنزيان لعابا نتنا! فاحتجز الراحل اليساري  في محجر مكتظ بالكثير من المناضلين الذين اوقعهم الزمان بين شدقي ديناصور لايعرف معنى للرحمة! لكن والد دانا جلال لم يستسلم للحجر ورطوبة المعتقل  فهرب من المعتقل المحصن بالعيون والكلاشنكوفات فكان هروبه حدثا اثلج قلوب رفاقه وعائلته واصدقاءه! فماذا يفعل مناضل فر من الموت البعثي؟ ليس ثمة سوى الالتحاق بخندق رفاقه في حركة الأنصار! حيث جبال كوردستان السامقة والوديان الخلابة! والطبيعة الساحرة التي شوهها الحقد المتجلبب بجلباب العروبة الزيتوني! لقد انعكست حياة الوالد على الولد فهذا هو ولده دانا جلال يحتذي حذو ابيه فيؤمن بالفكر العلمي ويخوض حروبا غير متكافئة ضد الغزو البعثفاشي! بل ان دانا كان اشد غلوا من ابيه الذي لم يعرف الغلو! فحين مثلا وقع الحزب الشيوعي على عقد الجبهة الوطنية مع حزب البعث ثار دانا جلال وغضب وانسحب من كل الفعاليات التي ترتبط بانتمائه حين قطع علاقته بالحزب الشيوعي لاغضبا عليه ولكن غضبا من اجله! ثم كانت الحرب العدوانية العراقية الايرانية فجاهر دانا برفضها ورفض مسوغاتها وكان طالبا يافعا في كلية الادارة والاقتصاد بالجامعة المستنصرية ففصل من الكلية ولوحق وطورد فاضطر الى الاختباء عن اعين القتلة !! لدانا جلال اخلاق المناضلين الاشداء فها هو  يتماسك ووالده بين الحياة والموت! ولا احد يعذر دانا جلال عن النهوض بمهمة ترميم الواقع الثقافي حتى كاتب هذا النعي! وكان دانا جلال يقول انا بين طلبات والدي الثاني الصائغ وهو يدعوني للتحرك السريع وبين خطورة الحالة المرضية لوالدي الاول! وحين لفظ والده انفاسه العبقة الاخيرة واغمض عينيه الى الابد كتب لي ولدي دانا جلال ( مضطر للمغادرة ادعوك ابي الصائغ الى العودة عن قرار انسحابك ) فأي قلب بحق السماء يمتلكه هذا الكوردي الذي فتح عينيه على العذاب والمسؤوليات؟ فإذا اضفنا الى المشهد حرص المناضل الكبير البروفسور عز الدين مصطفى رسول على تعهد دانا وتقويم مسيرته ادركنا المنبع العذب الذي نهل منه الكاتب التقدمي دانا جلال! ولكي تكتمل الصورة فقد رزق دانا جلال زوجا تقدمية وكاتبة مقروءة وهي   السيدة سميرة مراد الفيلي والسيدة سميرة  لها وقفات ووقفات في الامور الوطنية العامة والثقافية معا! وحين تشكلت جماعة الدراويش التقدميين كان دانا جلال وسميرة مراد في طليعة الدراويش! بل ان دانا جلال مازال يوقع ايميلاته ( الدرويش الكوردي ) رغم انحسار ظلال  جماعة الدراويش! والسؤال الوفي في هذه الساعات المؤلمة من حياة العزيز دانا جلال هو : اي المواقف التقدمية لم يكن دانا وزوجه ضمن الطليعة؟  اي بيان تقدمي لم يوقع عليه دانا؟ فكيف اذن نخفف الحزن عن نفس هذا الدانا الكوردي العربي التركماني الآشوري؟ هذا الدانا المسلم الشيعي السني المسيحي المندائي الايزيدي؟ فيا دانا جلال اسمح لي ان اسمح لنفسي بكلمة صدق ان كل المثقفين التقدميين يشاطرونك الحزن في خسارة الوالد الكبير! ان كل قرائك معك يذرفون بعيونهم دموعك وينبضون بقلوبهم دقات قلبك! هم معك في حلك وترحالك! نهارهم معك ومساؤهم ايضا ! فإذا نمت دثروك بمحبتهم ودفئهم! وكما قلنا للحبيب الدكتور سيار الجميل حين خسرنا والدته العظيمة وكما قلنا للعزيز فالح الدراجي حين افتقدنا والده الكبير! وكما قلنا للحميم خيون التميمي حين فجعنا بفقد فلذة كبده! وكما قلنا  لأصدقاء الدكتور محمد عمارة حين غاب عنا وكما قلنا للعزيز الدكتور صفاء المياحي حين استشهدت شقيقتاه! وكما قلنا في رحيل فلذات من اكبادنا الحرى نقول لك يادانا جلال احمد بعزم ويقين ان والدك لم يمت ولديه ولد ساطع مثلك عاشق للحرية والديموقراطية! فلنصل معا يارفيقي دانا جلال احمد  بقلوب خاشعة وعيون دامعة من اجل صحة موفورة لرفاقنا المرضى المنسيين  ولنصل معا من اجل بهجة ميسورة لرفاقنا الموجوعين بالجرح العراقي! ولنصل معا من اجل وطن سعيد آمن لرفاقنا المغتربين الذين طال اغترابهم وعذابهم! لنصل معا من اجل راحة شهدائنا الخالدين بل لنصل معا من اجل ان يسكن الله المغفور له جلال احمد فسيح جناته وان يرزقنا نحن المثقفين التقدميين ويلهم عزيزنا دانا واسرته جميل الصبر والسلو .

لا رثاء للراحل الجميل

ياشلالات بيتواته الهانية

خبئي عن خانقين وشهربان والسليمانية

اغنيات الرحيل

خبئي عن حصارست وزوزك معزوفة العاشق  النحيل

الفتى الكوردي جلال لم يمت بعد

فلديه الوقت ليكتب سيرة الكفاح الطويل

والزاد الضئيل ...

والحلم المستحيل

هو ذا العاشق النصير يحلم ثانية

فيغفو في احضان  عشتارات  باب إيل

وعذراوات  أربا إيل

يؤلمه بكاؤنا ! يجرحه العويل

ياشلالات بيتواته بعد هنيهة..

ستمنح الملائكة جناحين فيروزيين

لجلال احمد كي  يحلق   عاليا عاليا

كما  الطيور المهاجرة ..

ياشلالات بيتواته الهانية

فلا رثاء ..

للراحل الجميل .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com