وقفة لخاطر الأُمة

سمية الهادي

som_alhadi@yahoo.com

كُف إذاً عن الإحساس بنفسك، وعن تتبعك مشاعرك وهواجسك، فهناك الكثير من البشر، من يشعرون، ويضحكون قليلاً، ويبكون، ويتأملون وينتظرون، فلست وحدك صاحب البلاء، ولا أنت وحدك أهل للثناء، فغيرك كثيرون يجتثون الصبر من أنقاض عنائهم، ويتجرعون العناء في كؤوس شرابهم، ويتمرمرون على فُرُشهم، ولا تهنأ بالنوم ساعة أجسادهم، فهم في صحوهم صابرون مكافحون بل ومثابرون، وفي منامهم قد يهبهم سكون الليل شيئاً من الأمان، وقد تنتشلهم أحلامهم لحظة من جور زمانهم، فهم لا يعرفون من الأمان إلا مايحلمون به، ولا يجدون في دنياهم من العدل إلا مايأملون به، فلتتأمل للحظة أرواحهم.. هؤلاء المحرومون من الأمان.. ومن اللقمة الهنيئة والشراب السائغ.. محرومون من إنسانيتهم وحقهم في الحياة !!

وانظر لنفسك حينها.. وماذا سيكون حالها.. إن كان كفافها الخبز اليابس إن وُجِد.. وشرابها مرٌ معكر يقضي على أعضاء الجسد ويفتتها حتى تنهش الأمراض بعضها بعضاً.. انظر لنفسك حينما ينقصها فرشها العطب الرطب.. حينما يفترش جسدك القاع ويتوسد الألم ويلتحف لهيب مرارته.. حينما تغفو على طلق الرصاص ونهش الأجساد.. وحينما يكون آخر ما حضرته هو مقتل أخٍ لك أو صديقٍ أو قريب..

وفيما أنت مهتمٌ كئيب.. تفكر وتتأمل.. وتراجع ذكرياتك.. وتستعيد تاريخك وتاريخ أمتك.. حينها وفي خِضم هذه الحرب الجسدية النفسية الروحية، يعرض عليك أحدهم أن : \" اتبعنا فمعنا ستجد أن للحياة طعم آخر لم تعرفه قط على مر سنينك ؛ نعرف أن لك تاريخ قديم وإرث مسلوب وثأر مغصوبٌ حقه، فاحذر أن يغادر ربيع حياتك وأنت تبحث عن حقك المسلوب فلا تجده وأؤكد لك أنك لن تجده! فأنت وكما أخبروك وليد حضارات وأمجاد، ولكن هذه الأمجاد وتلك الحضارات قد هدتها عواصف الطائفية والحزبية منذ عشرات السنين ولم يبقي لك من ذلك الإرث إلا هذا التعصب وهذه النزعة العنصرية، فأهل ملتك كلٌ يسعى لمصلحته ولا يحركه إلا قائده وأهدافه الخاصة، لا تلتفت إلى الشعارات فهي مجرد نيران توقد الدفء في النفوس الثائرة وما تلبث أن تطفئها أمواج الحياة المتلاطمة ؛ فتجد عندها أن الحقيقة قارسة جافية..

فهل تعتقد بعد ذلك أنك محققٌ شيئاً من أملك في هذه الأمة..

اعتقد أن مامضى من وقت كان كفيلاً بأن يعلمك الكثير عن حياتنا وأحلامنا وكيف نحققها.. ألا تريد أن تحلم معنا ونحن كما ترا، لا نكل ولا نمل نحقق مساعينا وأهدافنا.. فالأمان لنا والقوة لنا والغلبة لنا، فاختر إما أن تعاهدنا وإما أن تبقى على حالك بلا حرية وبلا أمان وبلا إنسانية \"

عندها وبعد أن عرض عليك أحدهم طريقاً جديداً للحياة، يخرجك من مأزق الخوف إلى الأمان، ومن الجوع إلى موائد الأمراء، ومن الذل إلى الكرامة والإنسانية..!

إن الإختيار ليس سهلاً، ولا نعتقد أنه سهل، فنحن في كل يوم نواجه هذا الإختيار بأبسط صوره وكثيراً ما نخسر، وبدون أن نشعر أننا لا نستطيع الإستغناء عنهم.

لقد جرت براثن الإحتلال القديم في عقولنا وأجسادنا وأرواحنا وبدون أن نشعر فهم انسحبوا بأجسادهم ولكنهم زرعوا لنا الأرض ذلاً في طلب الدنيا، وخوفاً في النيل من رضاهم، وضعفاً في الإنصياع لهم فهم أرباب نعمتنا، وسنظل خانعين خاضعين مالم نطلب العزة لأنفسنا.

إن الإستغناء عنهم يورثهم الضعف والهزيمة وإن كنت لا تملك أي من الأسلحة لتدافع بها عن هذه الأمة، فخذ مني هذا السلاح، إنه سلاح الكرامة، فلنتعفف قليلاً ولنقسو على أنفسنا قليلاً.. ولنحقق شيئا من الكرامة المفقودة لهذه الأمة..

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com