وقفة عز عراقية من سنة 1922 لعلماء الدين العراقيين من  السُنة والشيعة ضد التطرف الطائفي التكفيري ..

 

علاء اللامي

 ما أحوجنا  في هذا الظرف العصيب الذي يحياه العراق وشعبه إلى تدبر عبر تاريخنا واستعادة الدروس المناسبة والمفيدة والمنتمية إلى خندق الحياة والسلام والمناوئة للموت والإرهاب والقتل الأعمى ...

وبهدف قطع الطريق على غربان الشؤم من دعاة الطائفية البغيضة التي تحاول اليوم  اللعب على وتر العلاقات والخلافات الطائفية بين العراقيين من سنة وشيعة ، سنتوقف في هذه المقالة عند وقفة عز وتضامن عراقية قام بها العراقيون من الطائفة السنية ضد الوهابيين من "حركة أخوان التوحيد" تضامناً مع مواطنيهم وإخوانهم من الشيعة الذين كانوا يتعرضون إلى المذابح على أيدي الوهابيين في عدد من مدن الجنوب والفرات الأوسط.

  معروف تأريخيا أن حركة أخوان التوحيد التي أسسها محمد بن عبد الوهاب ارتكبت عدة مجازر بحق العراقيين الشيعة ففي يوم عيد الغدير سنة 1216 هـ وهو من أعياد الشيعة (دخل الوهابيون مدينة كربلاء وهم شاهرون سيوفهم يذبحون كل من يلقونه في طريقهم ولم يستثنوا منهم الشيوخ والنساء والأطفال.. واختلف المؤرخون في عدد القتلى فقدره بعضهم بثمانية آلاف.. ص190 الجزء الأول / لمحات اجتماعية / علي الوردي) وبعد مجزرة كربلاء شن الوهابيون هجوما مشابها على مدينة النجف ولكن سكان النجف وكانوا ينتمون إلى قبائل وعشائر عربية في أغلبيتهم الساحقة تصدوا للمهاجمين الوهابيين وصدوهم وطردوهم شر طرد. (وبعد انسحاب الوهابيين بادر النجفيون إلى نقل خزانة المرقد الحيدري الثمينة إلى الكاظمية مخافة أن يعود الوهابيون فينهبوها كما نهبوا خزانة المرقد الحسيني في كربلاء / ص19  مصدر سابق)  وقام الوهابيون أسلاف ابن لادن بمجزرة أخرى في كربلاء بعد بضعة أعوام وقتلوا أكثر من مائة وخمسين شخصا كما يسجل الشيخ جواد العاملي في كتابة "منهج الكرامة" كما هاجم الوهابيون مدينة سوق الشيوخ مركز مقاطعة المنتفق قبل بناء مدينة الناصرية وقتلوا فيها المئات ونهبوا قطعان الماشية.

  وفي سنة 1922 بدأت  التحضيرات لعقد مؤتمر كربلاء الذي دعت إليه المرجعية في مدينة النجف ودعمته القبائل والعشائر العراقية  بقيادة عبد الواحد الحاج سكر وعلوان الياسري وقاطع العوادي (بهدف الدفاع عن العراق تجاه هجمات الأخوان / ص140 م. س) وقد دعي المرجع الديني الكبير في الكاظمية سماحة الشيخ مهدي الخالصي أحد قادة حرب التصدي للغزو البريطاني سنة 1914 وحتى الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 إلى المشاركة في ذلك المؤتمر، فبادر الخالصي إلى تشكيل أربعة لجان اختصاص لإدارة المؤتمر وسافر إلى كربلاء. أما على جهة الطائفة السنية العراقية فقد بادر علماؤها الأجلاء إلى التحرك التضامني والمشاركة الفعلية  كما يخبرنا علي الوردي في كتابه المشار إليه (وجه الشيخ عبد الوهاب النائب الدعوة إلى عدد من علماء السنة البارزين ببغداد لحضور اجتماع في تكية "الخالدية" للتداول في أمر "الأخوان" وهل يجوز حربهم. وفي صباح 5 نيسان 1922 تم عقد الاجتماع وحضره أكثر المدعوين... افتتح عبد الوهاب النائب الاجتماع وأخذ يذكر الفظائع التي اقترفها الوهابيون في المسلمين العراقيين ثم تساءل قائلاً "ما تقولون في هذه الطائفة المسماة بالإخوان، هل ترون وجوب قتالهم وردعهم عن أمثال هذه التجاوزات نظرا لكونهم هتكوا حرمات المسلمين واستباحوا دماءهم وأموالهم بغير ذنب ؟.. ثم قرأ أحد الحاضرين فقرة من كتاب مفادها أن من يستبيح دماء المسلمين كافر تجب مقاتلته فوافق الحاضرون على ذلك وأجمعوا رأيهم على وجوب الدفاع العام، ثم نهض أحمد الشيخ داود فتكلم بما يؤيد ذلك وحصلت محاورة فقهية بين النائب وداود إذ سأل النائب "ماذا نسمي هؤلاء أ بغاة أم خوارج ؟" فقال أحمد "إنهم الخوارج بعينهم".. وعند ذلك قال النائب "إن إخواننا الجعفرية قد صمموا على الاجتماع وإعطاء القرار بهذا الخصوص ولما لم يكن بيننا وبينهم خلاف في أي شيء فكلمتنا واحدة" فقال الحاضرون "لا شك في ذلك". واستقر رأي الحاضرين على انتخاب وفد منهم لحضور مؤتمر كربلاء فاختير عبد الوهاب النائب رئيسا للوفد واختير الشيخ داود وإبراهيم الراوي وعبد الجليل الجميل أعضاء في الوفد وباشروا بكتابة الفتوى، وهذا نصها (ما قول علماء المسلمين الأعلام فيمن يدعي الإسلام ويحكم بشرك من خالف معتقدهم من جماعات المسلمين مستحلين قتالهم ودماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم بغير سبب وقد هجموا على بلاد المسلمين عداءا وبداءا فهل يجب قتالهم ودفاعهم أم لا؟ أفتونا مأجورين! الجواب والله سبحانه وتعالى أعلم: نعم يجب قتالهم والحالة هذه) وقد وقع على هذه الفتوى عبد الوهاب النائب وعبد الملك الشواف وإبراهيم الراوي ونعمان الأعظمي وعلي القرداغي وأمجد الزهاوي ومحمد رشيد الشيخ داود وخليل حسن النقي وبهاء الدين النقشبندي واحمد الراوي ومحمد رؤوف. ص145. م.س) وسافر الوفد يوم العاشر من نيسان إلى كربلاء وبعد أن اجتمع بسماحة الإمام الخالصي في دار الشيرازي  توجه إلى دار قاسم الرشدي فنزلوا عليه ضيوفا. وفي مساء اليوم نفسه وصل إلى كربلاء وفد من الموصل مؤلف من مولود مخلص وسعيد الحاج ثابت  وأيوب عبد الواحد وعبد الله النعمة وثابت عبد النور وعبد الله آل رئيس العلماء وعجيل الياور رئيس قبيلة شمر  ومحمد أغا رئيس "الكركرية" ونزلوا في دار عمر العلوان. ووصلت إلى الخالصي برقية من أهل تكريت وشرقاط يذكرون فيها إنهم انتدبوا مولود مخلص ليمثلهم في المؤتمر وإنهم مستعدون لتنفيذ أي قرار يصدر منه بأموالهم وأنفسهم. أما الملك فيصل الأول فقد اعتذر عن حضور المؤتمر تحت ضغط من الحاكم البريطاني الفعلي للعراق السير برسي كوكس !

لقد أكد علماء الدين وشيوخ القبائل من السنة إنهم عراقيون أولاً، ولهذا فقد هبوا إلى التضامن مع إخوانهم  العراقيين الشيعة ووقفوا هذه الوقفة المشرفة والتي تمثل واحدة من انصع صفحات التاريخ العراقي، واليوم، والعراق يعبر بحر الدماء  المأساوي ينبغي على الجميع أن يتذكروا هذه الصفحات البيضاء الشريفة من تاريخنا القريب عساها تهدأ من روع البعض وتذكر البعض الآخر الذي تغلبت الغريزة عنده على العقل بأن العراق بلد ليس كسائر البلدان فبه خط الإنسان أول حرف مسماري على لوح الطين وعلى طينه ولد أبو الأنبياء إبراهيم الخليل وسالت دماء إمام المتقين علي ونجله الحسين ودماء سميه الحبيب الحسين بن منصور الحلاج وآهات أخيه عبد القادر الكيلاني القائل : لو كانت الدنيا في يدي لأطعمتها للجياع ..!

رحمة بالعراق أيها العراقيون والعراقيات  لكي تليق بكم هوية العراق واسمه المقدس بدماء الأبرياء !

 

هامش : كتبت هذه المقالة قبل بضعة سنوات موثقة  من كتاب علي الوردي " لمحات من تاريخ  العراق الحديث "  ونشرت في الصحافة ويعيد كاتبها كتابتها اليوم  لتتلائم مع الدم البريء الطازج والذي يتكاتف الساسة -في الخندقين -  من أجل الاستمرار في سفكه ...

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com