|
خمسة وسبعون بالمئة من الشعب العراقي تجوز عليهم الصدقة سمية الشيباني / كاتبة واعلامية السلام عليكم يا عرب: أليست هذه هي التحية الإسلامية العربية؟ السلام عليكم، أي: سلمت أعراضكم وبيوتكم ونساؤكم وأموالكم من كل شر. ليت الله لا يذيقكم ما ذاقه أهل العراق، ليتكم لا تعيشون ولا يوما واحدا ولا ساعة ولا دقيقة، مما عاشه وعاناه أهل العراق في زمن صدام، وأدعو لكم بالسلام وأسأل الله أن يستجيب دعائي. خمسة وثلاثون عاما والشعب العراقي لا يعرف طعم "السلام" دون استثناء كل الشعب العراقي بكل دياناته وأطيافه وطوائفه، حتى أقرب الناس إلى السلطة فلا تغتروا بهم، هم مخصيون مكممون مأمورون عبيد، ظاهريا يبدو أنهم منعمون، أما من الداخل فكل شيء ممنوع، وكل من له لسان يقطع لسانه، وكل من يرى تفقأ عينيه، وكل من ينجب يدفع بابنه لجبهة ما ولحرب ما، ليس مهما أن تعرفوا أي حرب فحروبنا كثيرة وصولات صدام كثيرة وجولاته مختومة بطموحاته التوسعية على حساب المستقبل والجار والطفولة والأحلام، "وحتى لو لم يبقى في العراق أكثر من مائة ألف عراقي!" أليس هذا ما كان يتبجح به بطل عروبتكم؟ والذي لا يموت أو يشوه أو يصاب بالإعاقة في هذه الحرب، فحرب أخرى بانتظاره!. خسر أهل العراق على مدى خمسة وثلاثين عاما كل الزرع وجففت أنهارهم ورملت نساؤهم وتغربت ملامح بناتهم وشاخ شباب العراق قبل الأوان، الشيوخ والعجائز في العراق يعيشون بالحسرة "وبالياحيف" على العمر الذي ضاع وتسرب وهم ينظرون من حولهم بذهول وكأن الدنيا توقفت عن الدوران، ولم يترك بطل عروبتكم من خلفه سوى الفقر والكثير من الديون. رجل حكم العراق على مدى خمسة وثلاثين عاما، وبدل أن يكافئ هذا الشعب الذي كان أداة حروبه ومخططات جنونه، وكان ولا يزال يدفع ثمن جرائمه، تركه تجوز عليه الصدقة. مرحبا بكم يا عرب يا من خرجتم تتظاهرون وتهتفون حين صدر حكم الإعدام بصدام! فهذه هي شيمكم نعرفكم! صدام حاكم عربي! ونكست رؤوس العرب بهذا الحكم الباطل! صدام أعدل الحكام العرب! والحكم عليه بالإعدام هو إعدام للشرف العربي! كما أعلنت تلك الأردنية الساذجة على القناة العراقية! هي أيضا مدعوة لهذه الوليمة التي نعد لها منذ خمسة وثلاثين عاما كي نشترك مع إخواننا العرب بتذوق ما طبخه الطباخ، وحتى لو كان الطباخ قد أضاف سما إلى القدر فلا تفزعوا، الطباخ أيضا سيتذوق الوليمة المسمومة، فإذا متنا ومات الطباخ خير على خير، أما إذا تم إسعافنا وغسلت أمعاؤنا ونجونا من الموت فإنكم ستنضمون إلينا ونقتسم الصدقات، هذه المرة الصدقات ستأتينا من بلاد الغرب! فكلنا تذوقنا السم، "وكلنا تجوز علينا الصدق". لسنا الآن بصدد الحديث عن إعدام صدام أو إطلاق سراحه أو حبسه أو عودته، أو أنه سيخرج ليتنزه على نهر دجلة، أو ليسترجع أحد قصوره ويستريح ويستحم وينام. نحن نتحدث بأمر آخر أكبر وأهم، أمر يعنيكم على حد قولكم يا عرب طالما أن صخرة عروبتكم نزت دما بمجرد أن صدر الحكم بإعدام صدام. سنتحدث عن سنوات التهجير والتصحير وقطع الرقاب والألسن والأكف وتجفيف الأنهار وإغلاق المدارس والمطابخ، فلا سوق بالأصل وعليه أغلق العراقيون مطابخهم وصار الضيف ثقيلا مُكلفا حتى ولو كانت زيارته لا تكلف سوى "إستكانة شاي" وقف العراقيون على أبوابهم لسنوات وأعينهم تنظر وتنتظر وتدعو الله أن تأتي البشارة من بعيد بدولارات قليلة من الولد الذي دفعوا به إلى بلاد الله الواسعة: اذهب يا ولدي وانجوا بنفسك فأخوك قد قتل بحرب لعينة وأختك سوف لا نسمح لها أن تخرج لتعمل، فمعاش الدولة لا يسد الرمق والشارع ليس آمنا، نحن في زمان مُرٍ يا ولدي، لا تنسى، "لا تنسانا" العين عليك والأمل بك وأنت الذي ستنقذنا من الجوع. ويغيب الولد بين الحدود والمطارات والسفارات والدول والمخابرات والملاحقة ويستقر في مكان بعيد، ينفي اسمه واسم أبيه وتاريخه ويؤجل أحلامه ويسرد حكايته، فيتم التعاطف معه سواء كان في لندن أو باريس أو ألمانيا أو السويد أو كندا، ولكم أن تتخيلوا يا عرب ما يحلو لكم من أرض الله الواسعة، فالعراقي في زمن صدام صار خبيرا بالسفر وابتعد حتى اجتاز الخيال، فوصل حدود الصين واليابان والفلبين والهند، وما أن يستقر الحال بالولد، على أنه استقرار به طعم المرارة والضياع والغربة، فلا زواج ولا فرحة ولا عيد ولا رمضان ولا حب، فالحب تركه وراءه ورحل. يقتسم الولد الصدقة أو عرق الجبين أو اللقمة المغمسة بالدم، بينه وبين الأهل! الذين من المفروض أن يكونوا بحماية الوطن وبكنف السلطة العادلة، والحال أنهم تحت ظلم السلطة والسلطان لا يشبع من دمهم ولا يؤنسه إلا قهرهم، وفراشهم الهم وغطائهم الحزن ومخداتهم الخوف. هذه هي الشوربة، ضرورية لترويض المعدة، فالطعام الصلب دفعة واحدة يسبب عسر الهضم والحموضة، تفضلوا فالسفرة عامرة والوليمة ملوكية لا تستحوا فالبيت بيتكم يا عرب والعراق عراقكم، ونحن أهل "والضيف عندنا رب للبيت ونحن الضيوف". سنتحدث الآن عن النساء، سنذيقكم طعما مميزا له نكهة النكبة والفجور وسواد الوجه والحسرة، طعم لو ذقتموه ستكسرون كل المرايا في بيوتكم لأن وجوهكم ستسود وملامحكم لا ريب ستشتعل قهرا وأسى، أما شعوركم فستشيب بين ليلة وضحاها، لا بل بين ساعة وأخرى، حين تختطف عروسكم من غرفة الفندق ويرمى بعريسكم من الشرفة وتغتصب مرات ومرات، ثم ترمى لكلاب الشوارع، أو إذا ما كانت لدى عدي صدام حسين "الليث الكبير" رحمة، فسيرميها أمام باب بيت أبيها ويتركها كجرو لوحق لليال طويلة على أيدي قطاع الشوارع الليلية. وعلى باب الجامعة تقف ليلى بشعرها البني، فيتقدم أحد حراس عدي أو قصي أو صدام نفسه أو أي ذكر من ذكور حزب البعث شرط أن تكون له كلمة وسلطة ويستطيع أن يتلاعب بأقدار وأعمار ومصائر البشر كما يحلو له دون حساب، تغيب ليلى يوما أو أسبوعا! ليس مهما ففي نهاية الأمر سترمى حالها كحال العروس تلك على باب بيت أبيها! لا شيء معها سوى الفراغ فتنتحر ليلى أو تموت كمدا. لكن أعين الكلاب يا سادتي يا عرب ستضل تلاحق نساء المدينة، وهناك حيث الاحتفال بخطبة سلمى تغص القاعة بصبايا الأسرة، وبالمناسبة فالليلة هي ليلة رأس السنة الميلادية والرجل ديانته مسيحية فرأى أن يكون الحفل حفلين حفل استقبال العام الجديد واستقبال العديل الجديد وأصوات الموسيقى والغناء لا تسمح بأن يسمع أحد ما يدور خلف الأبواب أو باتجاه دورات المياه لكن شابة - وتخيلوها إحدى بناتكم، أم فقدتم القدرة على التخيل أيضا؟ كانت تصارع لتتخلص من قبضة جلادها وعبثا محاولاتها تفلح فتغيب صرخاتها بشوارع بغداد، اختفت لأسبوع وتحولت المناسبة إلى ذكرى مشئومة بعد اكتشاف الأسرة لاختفاء الصبية ذات السبعة عشر عاما! لكنها لم تظهر فالمسكينة أفرغت ما في أحشاءها وروحها بعد أن اغتصبها كائن من كان وعدي يشاهد ويلعق لعابه فقط! لأن ذكورته كانت في هذا الوقت عاطلة عن العمل، ولا أضنكم تريدون أن أذكركم بأن عدي قد تعرض لمحاولة اغتيال في 12/سبتمبر عام 1996 لكن الرصاصات جعلت عدي "عنينا" ولم تجهز الرصاصات على حياته، ليس مهما أن اروي الحكاية من جديد فهي ليست خافية على أحد. هذه هي "السََلَََطة" أضنكم استمتعتم بطعمها كانت لذيذة "أليس كذلك؟" كانت مالحة؟ لست أنا من زاد من الملح إنه الطباخ صدامكم هو الذي ذر الملح في قدوركم وتعرفون يا عرب ما معنى أن يذر الغريب الملح في قدور أهل البيت. والله لا تستحوا خذوا وقتكم في الاختيار، فالوليمة تكفي لملايين البشر. هذه امرأة تبحث عن عضام ابنها! فقدته منذ حرب إيران، تحلف المسكينة وتصرخ: "والله ما خان الوطن" ودعتهُ حتى الباب ودعوت له بالعودة سالما غانما، أنت الرجاء يا ولدي، "دير بالك على نفسك" أنت فرحتي، لا تكسر قلب أمك، ولم يعد لا سالما ولا غانما. الآن هي تعثر على خاتم كانت قد وضعته بإصبعه الخنصر وقالت له هذه "عقيقة" يا ولدي تحميك من كل شر، "فالعقيق موصوف للضيق" لا تقف في مواجهة الرصاص تطرف يا ولدي فالرصاص لا يرحم. لكن الولد تجرأ وتأفف من حرب ليست مقنعة، ولم يعد إلى أمه، منذ عشرين عاما وهي تنتظر تريد أن تنصب العزاء وتستقبل المعزين، لكن أين الجثمان؟ قالوا لها ابنك ليس شهيدا إنه لا يستحق الشهادة وادفعي ثمن الرصاصات. ربما لا تعجبكم هذه الخلطة؟ ادنوا من هذه الوجبة، فيها رائحة رجل يصيح بأعلى صوته "شوفوا شسوى بالعراق" وهذا العراق لا أضنكم تتأففون من خلطته، هذا العراق ذليل، العراق بلا تقسيمات لا سنة ولا شيعة، لا مسيح ولا صابئة فقط العراق "شوفو اشسوى بالعراق؟" لا إسفلت في الشوارع ولا مطارات تعمل، ولا أسواق عامرة، ولا بضائع في موانئه ولا أموال في بنوكه، لا طفولة ولا مدارس، لا قرآن في الصباح ولا نشيد ولا رحلة ولا لعبة، صدام الأغاني والأناشيد، ورحلات أطفال العراق في شوارع العراق يذهب إليها الأطفال حفاة بلا ألوان ولا حقائب وبدون وعي يهتفون "عاش صدام" لا رائحة للشاي في مقاهي العراق، لا كهرباء ولا ماء في بيوت العراقيين، لا مطر يروي العطش ولا شمس تبعث الدفئ في الأرواح الباردة. "العراق في زمن صدام بارد كالخوف". ما بكم لا تمدون أيديكم؟ هذا العراق إنه يستغيث هذا الرجل يستغيث "شوفو اشسوى بالعراق" من برأيكم أهم عندكم؟ صدام... أم العراق؟ هل أنتم عبدة تماثيل؟. والله الحلو موجود، ماذا تفضلون؟ قالب من الكعك بالجبنة؟ أم "تيزاب" يرش على جثثكم لتذوب؟! هل تريدون أن تُرشوا "بالتيزاب" وأنتم أحياء أم أموات؟ لا أضنكم تريدون الكعك بالشاي، فقناني البيبسى الفارغة والمكسورة أعناقها بانتظاركم؟! لا أرجوكم هذا اختيار سيء إنها مؤلمة دعونا نجرب "لقمة القاضي" لقد أغرقها طباخنا بالقطر يعرفكم مترفون ولكم ألف طريقة لتدليل أنفسكم، ولكن اللسانات والآذان البشرية ربما تكون أكثر هشاشة في الفم! خصوصا لو كانت غارقة بدم العراقيين، العرب الأصايل، أهل العشائر والأسر العريقة، والألقاب الضاربة بعمق التاريخ، سيكون لهذا الطعم نكهة مختلفة إلا إذا رفضتم! فربما ضمير العروبة لا يسمح لكم بلعق دم أهلكم في العراق. ليت الذين احتشدوا واستنكروا الحكم بإعدام صدام هم أنفسهم تظاهروا حين كان صدام يذبح العراقيين على كل قِبلة، أيام كان صدام يجر النساء إلى قصره ويفرغ فيهن كل عقده وجنونه وفجوره وجرمه الذي ليس له حدود، لكن صدام كان أذكى من عدي، كان صدام حين يفرغ من إحداهن يرمي بها لرجاله وما أدراكم ما رجال صدام، بعد ذلك ينتهي ذكرها ووجودها وتختفي. لماذا الآن تتظاهرون؟ هل فعلا المقصود صدام؟ أم هناك غايات أخرى؟ هل حقا لأن صدام يمثل عروبتكم؟ أم يمثل تطرفكم وطائفيتكم ومصالحكم؟ لو كان صدام من الكوفة مثلا أو من النجف؟ هل سيكون رد الفعل نفسه؟ أم أنكم ستقولون "فخار ويكسر بعضه البعض؟" لو كنتم خرجتم بنفس هذه المظاهرات أيام كان صدام يذبح العراق من شماله إلى جنوبه وطالبتم بنجدة إخوانكم وأهلكم في العراق لأنهم عرب وما يفعله صدام إهانة للعروبة لو صرخ أحدكم أو جماعة منكم "يا صدام عيب شمتت بينا العالم" لو كان أحدكم كتب مثلا بأن ما يحدث في العراق لا يقبله المنطق ولا العقل، لكانت المعادلة صحيحة، وحتما سنقول: هو العدل بعينه، يرفضون الظلم، سواء كان على العراق من صدام أوعلى صدام من أهل العراق. حسنا سنفترض بأنكم كنتم غافلون عما يحدث في العراق في زمن صدام، وهذه حجة مقبولة، فالعراق كانت أبوابه مغلقة وأسواره عالية وسدوده منيعة حتى على لجان حقوق الإنسان، لكن المجهول أصبح معلوم بعد سقوط صدام وفتحت الملفات للجميع، لماذا لم تتحرك مشاعر عروبتكم؟ لماذا عرق العروبة لديكم لم يُستفز؟ لماذا لم تطالبوا بإنصاف العراقيين بالتحقيق فيما جرى لهم؟ لماذا لم تعلنوا عن أسفكم وغضبكم وتعتذروا عن غفلتكم؟ ألسنا عرب؟ من منكم من كتب على أقل تقدير؟ وعبر عن دهشته وطالب بمعاقبة من أذل أهل العراق وقطع ألألسن والأذرع واغتصب النساء، وأغلق المسارح، وصحر الأراضي الخصبة، وجفف الأنهار ووزع الثروات بلا ثمن، أم تراكم كنتم سعداء بهدايا صدام؟ وأي هدايا!؟ "بترول!" وفي هذا الزمن الوحش، بلدان تستقبل نفط العراق ببلاش! يا بلاش. من منكم تساءل مجرد تساؤل، عن السبب الذي يدعو الفرد العراقي يرقع ثيابه ألف رقعة وهو يرقد كل ليلة على آبار من الذهب؟ لماذا لم تخرجوا بمظاهراتكم هذه وتصرخوا؟ لا لقتل أهلنا في العراق، لا لتدمير مسارحهم، لا لنفي شبابهم، لا لقطع رؤوسهم، وتفجيرهم واحدا تلو الآخر وأمام أعين بعضهم البعض والميت بعد دقيقة يرى الميت قبله بدقيقة وقد تحول إلى لحم متطاير، والقيادات تصفق وتهنئ وتدير ظهورها بدم بارد! أين كنتم منذ 2004 ؟ لقد سقط النظام وسقطت الأقنعة، والعروبة تستدعي والإنسانية تجبر أن يطالب أحدكم بمحاكمة من فعل هذا بأهل العراق. تعالوا سنشرب القهوة، أم أضنكم تفضلون الشاي؟ هذا الشاي الذي حرموا منه أهل العراق لسنوات وصار بسعر الذهب وأنتم تعرفون كم يحبون أهل العراق الشاي، وخصوصا لو كان مطبوخ على مهل ومطعم بحبات "الهيل" فهم لا يستسيغون الشاي بالنعناع، فالنعناع عندهم مبذول والريحان له لحن خاص عند العراقيين، ومع ذلك حدائقهم في زمن صدام ذبل ريحانها وشح نعناعها وعز عليهم حتى البصل. تعالوا ندخن الغليون على أصوات النحيب بصمت، فهذا شريط سينمائي فيه لقطات لأحداث حقيقية أنظروا هذه الأسرة تخشى الحزن علنا وتخشى نصب العزاء واستقبال المعزين، لذلك هم ينتحبون بصمت، الأم تحاول نزع رحمها وكل أحشاءها بحركة من يديها باتجاه بطنها وكأنها لا تريد لهذا الرحم أن يذكرها بالغالي الذي قتل بدون ذنب وبلا حساب، وهذه شابة محبوسة منذ سنوات في غرفتها، جنت بعد أن أعدم زوجها بليلة العرس سحبوه من أمامها وقالوا لأهله: ابنكم متهم بخيانة الحزب! وتهمة خيانة الحزب واسعة كوسع ذممكم، ويعدم من يخون الحزب بدون محاكمة أو قضاة! جنت المسكينة وأرادت أن تلحق الأذى بنفسها، فقيدها الأهل، ولكن بعد أيام من الذهول والحزن والصمت والبكاء والضحك والهستيريا، فقدت عقلها، تلك هي نافذة غرفتها وذلك هو صوتها. وهذا مشهد لامرأة تحبوا على الأرض علها تعثر على أي شيء يؤكد لها أن ابنها قد دفن هنا الجميع أشار إليها بأنه مدفون في هذه المقبرة الجماعية، ولكنها منذ ساعات وهي تنبش ولم تعثر لا على عين ولا على إصبع ولا خاتم ولا حتى مفتاح خزانته التي لا تزال مغلقة بما فيها من ذكريات ورسائل حب وصور للحبيبات، ومرة تدور حول نفسها تنتحب وتنادي عليه كأنه يسمعها وسيدلها على قبره! ومرة تزحف على الأرض وكأن الأرض ستحدثها بما جرى. أما هذا المشهد فتابعناه جميعا في قنوات كثيرة، لا تكترثوا للأمر، لا تفرغوا ما في أمعائكم، فكل ما في الأمر مجموعة من الأوباش الخائنين للحزب والقائد، خارجين عن القانون ويحاول رجال صدام الأشاوس تلقينهم درسا بجَلدهم بالعصي وهم عراة. لم تكن هذه المشاهد متداولة لقد خرجت من زمن الأسرار، هل سأل أحدكم لماذا صورت هذه المشاهد؟ الإجابة ليست بسيطة لأنها لا تعقل، صدام يا سادتي يا عرب لم يكن يهدأ ولا يهنأ ولا يطمئن حتى يتأكد من أن أوامره نفذت، وما هذه الصور والأفلام والمشاهد سوى هدية متواضعة من كلابه المسعورة، بعد نهاية كل يوم، ليتسلى صدام بمتابعة هذه الأفلام وبحظور أسرته وليتأكد من أن "الخدم" عوقبوا. انتهت السهرة وتذوقتم كل أصناف الطعام! أقصد العذاب، سأوصلكم إلى الباب، وأدعو أن يبعث لكم الله من حيث لا تعلمون صداما في كل زمان، ليذيقكم مر العذاب ويسمم أيامكم ويحول أحلامكم إلى كوابيس ولياليكم إلى قلق وفراشكم جمرا، ولنرى كم هي شجاعتكم في مواجهته؟ فعلى العلم أنكم تؤكدون بأن الطاغية غالبا ما ينشأ في المجتمعات الجبانة!. ولكن قبل أن تركبوا سياراتكم الفخمة لتصلوا لبيوتكم الهادئة وتناموا على أسرتكم الوثيرة تأكدوا بأن صدام قد تعرض لأكثر من مائة محاولة اغتيال وهناك كتب ألف فقط ليخبرنا مؤلفوها عن محاولات اغتيال بطل عروبتكم على مدى سنوات جرائمه، راح ضحيتها آلاف من الشباب والأسر والأطفال والنساء، فبعد كل محاولة كانت تهدم مناطق بكاملها وتجرف بساتين وتجفف أنهار وتختفي بيوت ومدن تحت الأرض.
ملاحظة: كل ما ذكر من أحداث في هذه المقالة هو من الواقع
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |