|
عراقيّو المهجر وحلم العودة سناء صالح / هولندا لم تكن الهجرة في قاموس العراقي سوى كلمة ليس لها معنى فالعراقي لصيق بأرضه ... يتغنّى بخضرة جباله وعذوبة مائه وشموخ نخيله .. ان تاريخ العراق الحديث يثبت أن العراقيين الذين اغتربوا لتحسيين أوضاعهم المعيشية هم قلّة مقارنة بغيرهم من شعوب المنطقة حتّى من خرج للدراسة وضع نصب عينيه العراق ورفع من خلال جمعياته ومؤسساته الشبابية والطلاّبية ( التفوق العلمي والعودة للوطن ) شعارا،الى أن جاء اليوم الذي أصبحت الهجرة أملا يراود العراقيين بعد أن احترقت الأرض تحت أقدامهم ورحى الموت تطحنهم يوميا دون رحمة . انّ غالبية العراقيين في المهجر الآن الذين يتجاوزون الأربعة ملايين أما لاجئين لأسباب سياسيّة أو بسبب الحروب والحصارأو ممن هجّرهم النظام البائد خلال السبعينات والثمانينات تحت ذريعة التبعيّة الأيرانيّة , ورغم السنوات الطوال فقد بقي العراقي معتزّا بعراقيّته معبّرا عنها بأبسط الوسائل حاملا معه في حلّه وترحاله الشهامة والكرم وعزة النفس التي يتميّز بها شعبنا وتعرفه بها الشعوب الأخرى . وأذكر في السنوات الأولى من هجرتنا الأضطراريّة في نهاية السبعينات أنّ حقائبنا كانت جاهزة للعودة لم نشتر أثاثا بل بقينا آملين ،طبعنا الوطن في مخيّلات أبنائنا الذين غادروه صغارا أو ولدوا في المغترب صورا جميلة تجلت في رسوماتهم المدرسيّة نخلة ونهرا وشمسا . طالت السنين ، تقاذفتنا المطارات والحدود والجلاّد مستمر في غيّه يخرج من حرب ليدخل في أخرى ارضاء لنزواته وأطماع أسياده ,أمّا نحن فقد تسرّب الخوف الى قلوبنا أن نقضي دون أن تبتل عروقنا من ماء الرافدين وقبل أن تكتحل عيوننا بمرأى الوطن , حاولنا أن نضحك وأن نعتاد الحياة ونمارسها ونصنع أجواء مشابهة لتلك التي فقدناها. تجمّعنا ، جعلنا من أصدقائنا أعماما وخالات لأطفالنا ، علّقنا العراق قلائد فضيّة وذهبيّة في أعناقنا رقصنا الجوبي والدبكة والهيوة ,تعلّمها أبناؤنا ، لبسنا الأزياء التقليدية ,قدمناها لمضيفينا ،كان العراق زائرا يوميا في أحلامنا ،كانت الكوابيس تفسدها ، كنا نحاول أن نجد بديلا ، تعويضا عن شيء كنّا بأمسّ الحاجة اليه ، كانت المرارة تغلّف أفواهنا ، فالعراق عصيّ على أحبابه . جاء اليوم المنشود ،جاء لاكما نريد ، كنا نريد صباحا مشرقا كصبيحة الرابع عشر من تموز حيث تلاحم الشعب فأسقط الطغاة ،لم يدر ببالنا أن يكون الخلاص على هذه الشاكلة ، أن يهييء لنا ماكنا نسميّه (عدوا تاريخيا للشعوب) الديمقراطيّة التي كنا نحلم بها على طبق من صديد ، وجرنا على أنفسنا نعللها بالتمني ان هي الاّحالة مؤقتة وحملنا أمتعتنا وآمالنا لنبحث لنا عن موطيء قدم عسى أن نفلح! عن دور نؤديه ..الأبواب موصدة ! الطرق مغلقة ! المؤهلات التي لديكم غير مطلوبة ! أفكاركم مخيفة! ارجعوا من حيث أتيتم ، رجع البعض منّا يجرجر أذيال الخيبة الاّأنّ الأمتعة مازالت محزمة أملا في انبلاج يوم جديد حيث العراق يتسع للجميع دون تمييز.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |