|
يا أخواني الشيعة هذه النبوءة أعظم البشائر لكم د. حامد العطية معاذ الله أن أكون من المصدقين بالتنجيم والمنجمين، وعلى النقيض من الكثير من الناس الطيبين من أهلي الشيعة في جنوب العراق ووسطه، الذين أهملت النظم المتعاقبة تعليمهم ولم يحصلوا على توجيه ديني كاف لم ألجأ أبداً للسحرة والمشعوذين. مرتين فقط ذهبت بقدمي إلى متنبئتين إرضاءً لعزيز وصديق، في المرة الأولى كنت فتى في العاشرة من عمري، واثناء زيارة لمرقد الإمامين الكاظمين عليهما السلام أصرت والدتي العلوية رحمها الله على ذهابي معها لاستشارة قارءة الحظ، وأتذكر جلياً وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هذه الواقعة خطواتي الخجولة وأنا أسير وراء والدتي وسط حشد من النساء الزائرات حتى وقفت أمام المتنبئة، التي رمقتني بنظرة فاحصة سريعة، ثم فتحت مجلداً قديماً في حجرها، وبعدها نطقت بكلمات معدودات، أتذكر منها بكل وضوح نبؤتها حول مستقبلي: إبنك سيكون شاعراً، ولا إدري إن كانت نبوءة حاولت تحقيقها أم إنها نبوءة في طريقها للتحقيق، على أي حال فقد هويت الشعر من قبل ذلك وجربت الشعر العمودي والحر فلم أبرع بأي منهما، ولي أقل من عشرين قصيدة منشورة باللغة الإنكليزية في أمريكا وأوروبا، فهل تحققت النبوءة؟ إذا بقيت لي فسحة من العمر واستطعت الهروب بفكري من مصائبنا نحن الشيعة بحيث أكتب وأنشر مجلداً شعرياً آنذاك سأقول بأنها نبوءة صادفت قدراً. في المرة الثانية التي ذهبت فيها إلى متنبئة- ومن المثير للاهتمام هنا بأن مصدر النبوءات إمرأة في الحالتين، ومنذ القدم امتهنت النساء الكهانة في العديد من المجتمعات، وأبطلتها الديانات السماوية- وعودة على الموضوع أضيف بأن ذهابي لهذه المرأة كان بناء على إصرار وإلحاح من أحد الأخوة المسيحيين اللبنانيين، الذين تعرفت عليهم أثناء دراستي في الجامعة الأمريكية، ولم أستطع التملص من طلبه فرافقته إلى المرأة، التي كان يخشى من الذهاب إليها لوحده لأنه مسيحي والمتنبئة مسلمة، وأسمها فاطمة، ذاع صيتها بين اللبنانيين في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بعدما قيل عن تنبؤها بمقتل الزعيم اللبناني رياض الصلح، الذي لم يأبه بتحذيرها فاغتاله القوميون السوريون، وقد لبثت أنا وزميلي ساعات عدة في صالة بيتها بانتظار استقبالها لنا، وكان المسؤول عن إدخال الناس عليها يصف لها الحضور فتأذن لهم بالدخول، وقد سمح لجميع الحضور ذلك اليوم فيما عدانا، فانصرفنا أنا وصاحبي المكتأب بسبب عدم رؤيته المتنبئة فاطمة. أسهبت في التقديم للموضوع وحان وقت كشف النبوءة التي أعتبرها أكبر بشارة لنا نحن الشيعة، ولكن لابد من وقفة قصيرة مع تفاصيل مقتضبة عن خلفية الزمان والمكان، سمعت بالنبوءة في عام 1982، كانت الحرب الجائرة التي شنها الطاغية صدام وطغمته البعثية والطائفية على إيران الإسلامية مستعرة، والقوات الإيرانية تسجل الانتصارات تلو الانتصارات على البغاة البعثيين وجموعهم المهزومة، وكنت حينها موظفاً بسيطاً يلاحقني البعثيون وعلى رأسهم ضابط الأمن في الدائرة بعيونهم المبثوثة ومضايقاتهم المستمرة- وسيأتي اليوم الذي يساق فيه هؤلاء المجرمون وأمثالهم إلى العدالة- ويبدوا بأن موقفي المتحدي للبعثيين جذب انتباه بعض أصحاب الضمائر الحية من زملائي في العمل وجعلهم يتقربون مني، وأذكر منهم الأخ الكردي (شوان) الذي كان أيام اشتداد المعارك يترك مكتبه للاستماع لنشرات الأخبار من مذياع سياراته ثم يعود مسرعاً ليبشرنا بأنباء هزائم الجيش البعثي المعتدي، ولا أنسى الأخ (أرسطو) الكردي الفيلي الشيعي الذي قاده البعثيون هو وأسرته إلى معسكر التسفير إلى إيران ثم أخلوا سبيلهم، وكان أقربهم لي العزيز أبا محمد الابراهيمي، وهو جنوبي مثلي وبين عشيرتينا ود قديم، أما الذي أتانا بالنبوءة فقد كان أخاً فاضلاً لا يقل عنا تمسكاً بالحق وكرهاً للباطل البعثي، فسلام عليهم حيثما كانوا. تضمنت النبوءة ثلاثة أمور، أولها يتعلق بمدة الحرب العراقية الإيرانية، حيث تنبأت بدوامها سنين عديدة، وفي وقتها سخرت من النبوءة لأني توقعت انتهاء الحرب خلال سنة أو سنتين على أبعد تقدير بعد الهزائم الشنعاء التي تعرضت لها القوات البعثية، ولم أحسب حساباً في وقتها للدعم العسكري والمالي واللوجستي الذي ستقدمه أمريكا ودول الغرب وأعراب الخليج وغيرهم انقاذاً للنظام الصدامي من الهزيمة النكراء والزوال. أعجب وأغرب ما تضمنته النبوءة كان الجزء الثاني منها، وهو أشبه بصورة لما يخبئه المستقبل حول المرحلة التالية للحرب، ومن المعروف بأن بعض أشهر النبوءات تأتي على شكل صور عن المستقبل أي رؤيا، وأتذكر جيداً ذلك الجزء العجيب من النبوءة: (عندما تحط الطائرات العراقية الضخمة في مطارات إيران سيفرح الناس) ولكم أن تتصوروا دهشتي واستغرابي لسماع هذا الكلام، فهل يصدق عاقل في عام 1982 إمكانية حدوث ذلك فيما بعد؟ وبالطبع لم أخف عدم تصديقي بتلك النبوءة، ولعلني سخرت منها أيضاً، فلماذا سيفر الطيارون العراقيون بطائراتهم الحربية الضخمة إلى إيران وهم جلهم إن لم يكن جميعهم من أتباع صدام البعثيين والقبليين والطائفيين؟ في نفس العام تركت العراق إلى بلاد الغربة ولم أعد له إلا في زيارة بعد سقوط النظام الصدامي، وفي تلك السنين العجاف تابعت شؤون بلدي الحبيب يوماً بيوم، وشهدت تحقق النبوءتين، فقد دامت الحرب العراقية على إيران ثمان سنوات، ثم احتل صدام الكويت، وقبل أن تشن عليه قوات التحالف هجومها أرسل طائراته العسكرية والمدنية الضخمة إلى إيران ضماناً لسلامتها، من كان يتوقع ذلك؟ لا أحد بالطبع، فهل تحققت النبوءة؟ نعم، أما كيف درى بها المتنبأ فالعلم عند الله، ولكني الآن أكثر استعداداً للتصديق بأن النبوءة كلها ستتحقق بإذن الله، وبالذات الجزء الثالث منها، وهو البشارة العظمى التي ننتظرها جميعاً نحن شيعة العراق المظلومون، وهي كما يلي: ( عندما تغادر السفن الكبيرة مياه الخليج سترتفع أعلام الحسين من شمال العراق حتى جنوبه) الله كبر! إنها البشارة يا أخواني الشيعة والتي ستتحقق بإذن الله، بل إنها وعد الله الحق، والذي سيمن علينا بها، ولكن علينا واجب السعي لها، وتقريب موعدها من خلال نبذ الفرقة والتنازع والتنافس بيننا، فما الفرق الجوهري بين حزب الدعوة المناضل والمجلس الأعلى المجاهد والتيار الصدري الصامد وغيرهم من الحركات والتيارات الممثلة للشيعة وقضاياهم؟ كلنا شيعة، يجمعنا حب آل البيت والسير على نهجهم في إقامة العدل ودفع الجور، ولم يميز أعداؤنا بيننا في الظلم والقتل والتهجير، ويحتم علينا اخلاصنا لعقيدة آل البيت رص صفوفنا، والتمسك بعقائدنا وقيمنا السامية، والتصدي للمعتدين علينا، وحماية المستضعفين منا، وعدم التفريط بحقوقنا، ومن ثم الطلب إلى القوات الأجنبية بمغادرة أراضينا، وعندما تبحر سفنهم الضخمة حاملة آخر جنودهم سيتحقق نصر الشيعة وانتصار العدالة الربانية برفع رايات الإمام الحسين (ع) على طول وعرض أرض الأئمة، ليحيا شيعة العراق مع الطيبين من أخوانهم أبناء القوميات والأديان والطوائف الأخرى في سلام ووئام وأمن ورغد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |