|
زيارة الحكيم لواشنطن ولقاؤه الرئيس الامريكي جورج بوش.. رؤية من زوايا اخرى غير منظورة كريم النوري زيارة سماحة السيد الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحد لواشنطن ولقائه الزعماء الامريكيين وعلى رأسهم الرئيس الامريكي جورج بوش اثارت جدلاً واسعاً في الوسط السياسي المحلي والدولي، وهي زيارة قد جاءت في ظروف غاية في التعقيد والصعوبة. نحاول تسليط الضوء على هذه الزيارة متناولين زواياها غير المنظورة مؤكدين قراءة جديدة قد تنأى بعيداً عن التحليل السائد لنقترب الى مساحة قد تبدو محظورة وممنوعة في طبيعة الوعي العام الذي اعتدنا عليه من الامتناع او الابتعاد عن محاكاة الواقع الصعب الذي لا يرغب الكثيرون الخوض فيه اما خشية الانزلاق في متاهات التحليل والقراءة المشوشة او الخوف من الفهم الخاطىء الذي تعبأنا به نتيجة صخب الشعارات والمزايدات والتعتيم عن نقاط محددة يصعب تجاوزها الا المرور عليها. السيد الحكيم كان يدرك تماماً ان هذه الزيارة محفوفة بالمخاطر والمصاعب والتفسيرات الخاطئة لكل حركة وكلمة واشارة وكذلك يدرك ان الاصطياد بالماء العكر هواية المفلسين والمتسكعين من الذين كانوا مشحونين بالاوهام والخرافات ومعبئين بنظرية المؤامرة. ونعتقد ان التفكير بمثل هذه الزيارة يحتاج الى شجاعة استثنائية وهمة اضافية لا يستطيع القيام بها الا من يمتلك هذه المزايا والسجايا التي لا تجتمع عادة الا في القيادات الاستثنائية. على ان الوقوف على التل او التفرج من بعيد على جراحات شعبنا النازفة او الوقوف في الجانب الاخر قد لا يكلف اصحابه المزيد من المتاعب والمصاعب ، وربما الاصطفاف في حشود المولعين بالهتافات ضد امريكا صباحاً امام الفضائيات واللهاث ليلاً امام السفارة الامريكية للالتقاء بخليلزاد هواية مفضلة لاشباه السياسيين الذين تفننوا بممارسة النفاق السياسي بالاضافة الى انها قضية سهلة ويستطيع الكثيرون ممارساتها لانها لا تثير لغطاً او همساً . السياسي عندما يضمر خلاف ما يظهر ويبدي خلاف ما يخفي فهو يريد ان يؤسس الى ظاهرة النفاق السياسي، وهي عملية لا تحتاج الا الى القليل من المكر والدهاء. من يعبأ جماهيره على شعارات تباعد شعوره وعلى اقوال تنافي الافعال انما يريد خداع شعبه وقد يستطيع ان يخدعهم بعض الوقت او يخدع بعضهم كل الوقت لكن لا يستطيع ان يخدع الجميع في كل الوقت. الزيارة الصعبة والشائكة تحتاج الى زعماء استثنائيين ورجال صادقين بشعورهم وشعارهم،واما المتلونون فلا يقدرون على ذلك. وقد يثير البعض سؤالاً يبدو وجيهاَ في بعض وجوهه وهو سؤال قد ينبع عن حرص وشعور بالمسؤولية وهو لماذا لا يختار السيد الحكيم الدبلوماسية السرية والصالات المعتمة والكواليس المظلمة وينأى بنفسه بعيداً عن الاثارات الاعلامية والاستهداف المغرض والمزايدات؟ واذا كان السيد الحكيم يخطط لانقاذ شعبه من العنف الطائفي الذي بدا يهدد استقرار وامن العراق ويقرب اشباح الحرب الاهلية فان ذلك يتحقق بلقاءات سرية مع الزعماء الامريكان حتى لا يعطي مبرراً لحارث الضاري ووليد جنبلاط الدرزي وغيرهما ممن يلتقون يومياً مع رجال المخابرات الامريكية في السر والخفاء ويلعنون الامريكان في العلن والاضواء؟ هذه القضية من اللقاءات تحت اشعة الشمس والاضواء الكاشفة واطلاع العراقيين على حقيقة ما يجري هي قضية تميز بها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ومهما كانت مخاطر ذلك وتأثيراته السلبية او مضاعفاتها الجنابية فهي افضل بكثير من اخفاء الحقيقة عن الجماهير او تغييبها عن حقيقة ما يجري. هذا المنهج من التعامل الصريح مع الجماهير وعدم تغييبها عن مجمل التحركات السياسية هو منهج اكده سماحة السيد الحكيم لشعوره ان ذلك وان احتمل اضراراً معينة من التوظيف السلبي والاستغلال المغرض من الاعداء الا انه افضل بكثير من اسلوب السرية والكتمان والخفاء. الشعب العراقي هو محور حركة السيد الحكيم وهو المنطلق لكل جهد سياسي يبذله سماحته وبالتالي فان تغييبه عن ذلك لا يحقق القدر الاهم من اشراك الجماهير في صناعة القرار والرأي والفكرة الصائبة. السيد الحكيم لا يضلل او يستغفل ابناء شعبه بل يبصرهم وينورهم لكي يكونوا معه وحوله في كل مسعى يقوم به سماحته من اجلهم. ولفت نظر الكثيرين ما قام به سماحة السيد الحكيم وهو يلخص اهداف زيارته وبرامجها في ورقة مكتوبة امام الرئيس الامريكي وهو قادر ان يرتجل كلماته وعباراته ولكنه أبى الا ان يكون دقيقاً في كل كلمة تخرج من لسانه واميناً في كل حرف يطلقه لشعوره الاكيد بان اللقاء صعب والوضع يحتاج احتياطاً استثنائياً لرب كلمة سلبت نعمة بخلاف الذين يستغلون منابر اللقاءات مع زعماء امريكيين او خليجيين او عرب فلا يترددون من اطلاق اي كلمة تستبطن التحريض او الفتنة الطائفية او الوشاية بغيرهم. اثبت السيد الحكيم انه قائد من طراز فريد لا تهزه الزلازل والازمات واذا امكنته الفرص من التأثير على القرار الدولي فينأي بنفسه بعيداً عن التحريض على الاخرين بل غاية ما كان ينشده هو جلب المنافع لشعبه بكل طوائفه واطيافه. السيد الحكيم في زيارته الاخيرة لوشنطن اراد ان يؤسس لنمطية التحاور بالعلن دون الخفاء لان الخفاء لا يخفي من الحقيقة شيئاً. ولكن لماذا يحاول بعض المغرضين من تحميل كلام سماحة السيد الحكيم اكثر مما يتحمل او يحتمل مع ان سماحته قد كشف عن برامج زيارته واهدافها بشكل صريح وواضح لا يقبل التوجيه او التشويه؟ هؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه وفي قلوبهم مرض وهم اسباب اضافية لشدة اعجابنا وتمسكنا بالسيد الحكيم ولانه فقد اعجابهم فانه يستحق ان ينال اعجابنا. ما يجعل السيد الحكيم محط انظار الجميع بما فيهم الاعداء هو المصداقية والواقعية والوضوح التي يتميز بها وقد تكلفه هذه السجايا والمزايا ثمناً وتجعله هدفاً لسهام الفضائيات المسمومة التي تتحين الفرص وتتربص الكلمات ، وهذا الثمن مهما كان باهظاً فهو اقل بكثير من خسارة ثقة الشعب وحسن ظنهم وهو ما كسبهما سماحته. السيد الحكيم لا يبحث عن مجد زائف يأتي عبر التضليل والتجهيل وعبر التمويه والمناورة لانه لا يفقد هذا المجد حتى يبحث عنه بهذه الاساليب الملتوية فهو سليل المرجعيات الصالحة الرشيدة وشقيق قائد اوقف علمه وحياته وقدراته لخدمة شعبه. السيد الحكيم يريد ان يعلمنا كيف يكون القائد صريحاً وصادقاً وواضحاً مع شعبه ويجذر لثقافة كان قد ارساها شهيد المحراب وهو ثقافة الوضوح والواقعية وهي مدرسة حسينية صادقة اكدت مصارحة القائد لجنده فقد وقف في رمضاء الطف وهي احوج ما يكون للانصار والموالين وخاطبهم بكل وضوح:"ان الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً..." لم يحشدهم معه على البقاء معه حتى النهاية بل اراد تمحيص نواياهم والصدق معهم فصدقوا معهم وصدق الله معكم فاسكنهم الفردوس وهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. هذا التوجه من التأسيس لمدرسة الوضوح والمصارحة وتأكيد القناعة والبصيرة بخلاف القناع والتدليس واللثام التي اعتاد عليها الكثير من السياسيين الذي مارسوا النفاق السياسي بابشع صوره. ومن هنا فان القائد الذي احرق السفن وخاطب جنده البحر من وراءكم والعدو امامكم اراد ان يكسب نصراً عسكرياً مؤقتاً واراد تحريك جنده الى الهدف دون قناعة وثقة... السيد الحكيم في سفره الاخير لواشنطن اثبت بكل قناعة انه لا يمتلك سياسيتين ولن يرغب بذلك فسياسته واحدة وما يخفيه هو عين ما يبديه لشعبه وما يظهره هو ذات ما يضمره لانه غير قادر على التلون او التمويه والتظاهر بخلاف قناعاته. السيد الحكيم يحرص تماماً على اطلاع شعبه على مباحثاته مع كل الاطراف لانه يدرك ان منطلق ومحور حركته هو الشعب وان كل ما سعى اليه كان من اجل هذا الشعب الصابر الظافر والمكابد المجاهد الذي يستحق كل هذه التضحية. طبعاً لا نقصد بالوضوح المعنى السائد من البساطة بل ما نقصده من الوضوح والصراحة هو المصداقية والواقعية بل انه مع كل وضوحه وواقعيته الا انه كان عميقاً متبصراً فيما يقوله وما يعنيه وكان يعي ما يقول ويقول ما يعي وباختصار شديد انه يربأ بنفسه وينأى بمسيرته السياسية عن اساليب الخديعة والمكر والنفاق وذلك وباختصار اشد لانه الحكيم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |