دور المثقف في عراق التغيير

الدكتور محمد مسلم الحسيني / بروكسل

mhamood@skynet.be

 من يتابع كتابات بعض الكتّاب وقادة الفكر العراقيين، يجد بأن لهجة الخطاب الفكري العراقي لا تختلف كثيرا عن اللهجة السائدة في الأوساط السياسية والدينية والشعبية على الساحة العراقيّة الغارقة في التناقضات والتباينات الفكرية العارمة. وهذا مايثيرالأنتباه والأستغراب !. أن دور المثقف هذا اليوم، هو أن يكون خارج أتجاه الهوس الجنونيّ العارم الذي يضرب العراق ويهدد حاضره ومستقبله. هذا الهوس الغريب المتمثل بأركانه الشاذة من نعرات طائفية، وتناحرات قومية، وتنابزات قبليّة، ومضاربات حزبيّة، والركض وراء المصلحة الفردية والفئوية، ونفحات العدائية والغوغائية المغرضة، وحب الذات والأنا. أن المثقفين العراقيين اليوم أمام محك تأريخي هام وصعب وربما أهم واصعب من أي وقت مضى. وأن كلّ مايظهره الكاتب من كلمات وأقوال ونزعات وأفكار سوف يسجلها التأريخ ويحاسبه عليها. فيعطي كل ذي حق حقه، ويعاقب كلّ من لا يوفي بواجبه بنزاهة تجاه هذا الوطن وهو يمر في أحلك أوقاته وأزماته.

قبل أن ندعوا شرائح الشعب وفصائله من المسلمين وغير المسلمين, ومن العرب و من غيرالعرب ومن السنة والشيعة والمتدينين والعلمانيين وغيرهم الى نبذ التطرف في التصرف والتفكير وأنتهاج خط الوسطيّة والأعتدال، فنحن ندعوا المثقفين وأصحاب القلم الى أنتهاج هذا الخط أّّولا. أن مصالح البلد وأسباب بقائه، ووحدته وعناصر أزدهاره، ودعائم حاضره ورواسي مستقبله، تتأصل وتهتدي وتتحلى بمنهج الأعتدال ونبذ التطرف. أن درجة التوافق والتلاقي وقوة الوئام والتلاحم بين الشرائح المتباينة في المجتمع العراقي المتناقض أصلا في تركيبته وشكله ومادته، تعتمد أعتمادا كلّيا على شدّة الألتزام وقوة التمسك بهذا المنهج القويم وعدم الخروج عن هذا الخط المقدس الا وهو خط الوسطية والتعقل والأعتدال.

أن أسم العراق هو الرابط المقدس لكل أبناء شعب العراق، ومن يحرص على أسم العراق وديمومته عليه أن يحرص على أسباب بقائه وسلامته. عليه أن ينبذ نزعة التشبث بالرأي الواحد والتعنت في أفكاره وأراداته وعليه أحترام آراء الآخرين وحقوقهم. كما عليه مزج شخصيته في شخصيات الاخرين وزج نفسه بين نفوسهم وأحاسيسه مع أحاسيسهم وطموحاته وأراداته جنبا الى جنب مع طموحات وأرادات الآخرين وليس فوقها أو قبلها. ألاّ يبقى متقوقعا بأفكاره ورؤاه وبنزعاته وغرائزه دون نزعات وغرائز الاخرين. فهنا يكمن دور المثقف الواعي الذي يمر بمخاض عسير في هذه الفترة الصعبة من تأريخ العراق. أذ عليه ألاّ يسلك سلوك السوقة من الناس والأميين، فلم أصبح المثقف مثقفا وندعوه قائدا ومفكرا ومنظرا, أن كان يتطرف في آرائه ورؤاه في وطن يمر في مرحلة خطيرة وصعبة. على صاحب الفكر ألاّ يتصرف تصرف بعض السياسيين الذين همهم كسب الأصوات وتحشيد المؤيدين!. فتراهم يناورون وينادون وينشرون شعارات التطرف الطائفي أو القبلي أو القومي أو الفئوي. فيتأثر بهم الكثير من الناس الذين ينقصهم عمق التفكير وبعد النظر ويفتقدون الى التعقل وحسن الموازنة والدراية والحكمة !. أن هذا المسارالزائغ الذي ينتهجه بعض السياسيين المتطرفين أو بعض الذين يلبسون رداء الدين لتغطية عاهاتهم النفسية وأمراضهم الفئوية ومصالحهم الشخصية الضيّقة، هو مسار شاذ ووعر وخطير وعلى المثقف العراقي الواعي أن يكشفه ويعريه ويبطل آثاره. لا أن يتبناه أو يغازله أوينجرف في تياره المدمر والخطير.

  على الطبقة الواعية أن تنتهج منهج الثورة الثقافية المسالمة، حيث تثور على كلّ ما من شأنه أن يمزق النسيج العراقي الموحد ويشتت أوصاله، من نعرات طائفية بخسة وتصرفات صبيانية غير مسؤولة وأعمال أرهابية خسيسة، تهدد سلامة الوطن وتؤثر على أمن المواطن الآمن وأساليب عيشه وأستقراره. كما تنتهك قدسية الدولة الشرعية التي جاءت بأرادات وطموحات الشعب، وبغض النظر عن تحفظاتنا أمام الأخطاء التي يرتكبها بعض السياسيين والنواقص التي نراها من هنا وهناك, فكلّ شيء يهذب ويعالج في وقته ولا يبقى الاّ الصالح والقويم. أن على أصحاب القلم والثقافة أن ينتقدوا وينصحوا وينبهوا على أخطاء السياسيين، ولكن لا أن يحرّضوا ويشجعوا على العنف أو التمرد ومهما كانت الأسباب، خصوصا في ظروف خاصة وحساسة وخطيرة تمر بها البلاد الآن. عليهم أن يثبتوا لغيرهم بأن أختلافات الرؤى والأفكار وتباينات الأهواء والطموحات، يجب أن تصنع مزيجا صلبا نشطا وحيّا تنشأ على أساسه وحدة العراق وعناصر بقائه ولحمته، بدلا من التمزق والتفكك والأنهيار.

 أن شعب العراق اليوم هو في أمس الحاجة الى من يواسيه ويمسح من دموعه ويشد من أزره على تحمل المصائب والمحن التي تواجهه في حياته اليومية، لا الى من يغذي فيه التطرف والتذمر والغوغائية والتمرد والعصيان. أنه يحتاج الى من يطفىء في نفسه لهب الحقد والكراهيّة ورفض الآخر وحب الأنتقام، لا الى من يؤجج التناحر والتباعد والتنابز والتضارب في كل الأشياء والأمور. أن دور المثقف الواعي هذا اليوم دور هام ومقدّس، فدوره هو كدور الأب الرحيم أمام أبنائه، ودور الأم الحنون أمام أطفالها, ودور المعلم الحكيم أمام طلابه، ودور القائد الحريص على حياة جنوده. أو كدور صاحب الأمانة حيال أمانته، فكلمة العدل والحق والنزاهة والأعتدال، أمانة في قلمه وفي أعماق ذاته. عليه أن يحسن ردّها وتسليمها الى قرّائه والمتأثرين فيه بأبهى صورها وأحسن مردوداتها وأعمق معانيها، حتى تأتي أوكلها وتؤدي دورها التأريخي الخالد..، فيكسب المثقف عندها مرضاة ربّه.... ووطنه.... والضمير.....

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com