شخبطة على الحائط

(الاغاني) لأبي الفرج الاصفهاني كتاب له مكانته في التاريخ

 

توما شماني – تورونتو / عضو اتحاد المؤرخين العرب

قيل عن ابي الفرج الاصفهاني صاحب كتاب الاغاني انه اموي الاصل، ولد في مدينة اصفهان عام 897 - 967

 ولهذا كني بالاصفهاني، بيد انه نشأ في بغداد يوم كانت ام الدنيا لكنه عاش عهدا بدأ فيه الانحطاط في ارجاء الدولة العباسية، وداره التي كان يسكنها ببغداد كانت معروفة آنذاك، وقال انها واقعة على الدجلة بين درب سليمان ودرب دجلة قديما، وكانت ملاصقة لدار الوزير ابي الفتح البريدي. وكان أبو الفرج مستوعبا ثقافات عصره التي كانت متعددة الجوانب وكان اهم مافيها اتقان العربية صرفا ونحوا وشعرا وفق طريقة سيبويه والباقي ما كان معروفا من بدايات العلوم المختلفة ايام ذاك الزمان. يقول عنه القاضي أبو علي التنوخي وهو احد معاصريه (ومن الرواة المتسعين الذين شاهدناهم أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني فانه كان يحفظ من الشعر والاغاني والاخبار والآثار والحديث المسند والنسب، ما لم أر قط من يحفظ مثله وكان شديد الاختصاص بهذه الاشياء، ويحفظ دون ما يحفظ منها علوما أخر، منها اللغة، والنحو، والخرافات والسير، والمغازي، ومن آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة ونتفا من الطب والنجوم والاشربة وغير ذلك). المهلبي كان وزيرا في زمن كانت الوزارة صكا يملك فيه رقاب الناس واموالهم ومصائرهم.

كانت لابي الفرج مكانه اجتماعية عالية في منتديات بغداد الادبية ومجالسها  في العصر البويهي، عمل الاصفهاني كاتبا لركن الدولة. ثم نال حظوة من ابن هارون الملهبي وزير معز الدولة البويهي، وكان الاصفهاني من ندماء المهلبي واقرب رجال الحاشية له. مات المهلبي ثم مات الاصفهاني بعده باربعة اعوام في 967 م، في عهد كان المجتمع السياسي صاخبا يتميز بالدسائس والتقلب والوقيعة. كتب الاصفهاني للوزير المهلبي (نسب المهالبة)  والمهالبة هم من نسل المهلب بن أبي صفرة، كما كتب له (مناجيب الخصيان) لان المهلبي كان يهيم بغلامين خصيين مغنيين كان يملكهما، ويقول الثعالبي عن الاصفهاني انه (يجمع اتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعراء). المواضيع التي ضمنها الاصفهاني في كتاب الاغاني، أخبار القيان، والاخبار والنوادر، والاماء الشواعر، وايام العرب، والغلمان المغنون، والحانات، وجمهرة انساب العرب، والخمارون والخمارات، والديارات، ورسالة في الاغاني، والنغم، ومجموع الاخبار والآثار. ومن شعره في مدح المهلبي ويترجى نواله قوله (فهذي تحن وهذي تئن   وادمع هاتيك تجري درر). والمشاع ان المهلبي كان صابرا على صحبة ابي الفرج، فقد كان الكبير المهلبي يهوى الترف وابو الفرج يعيش التبذل وقذارة المظهر. فنرى كان المهلبي حين يباشر ياكل الرز واللبن كان يتناوله بالملعقة، وكان يستعين بغلام الى جانبه الايمن يحمل له ثلاثين ملعقة مجلوة، وكان المهلبي يستعمل مثل هذه الملاعق كثيرا، يناوله الغلام ملعقة يأكل بها من كل لون من الطعام لقمة واحدة، ثم يدفعها إلى غلام آخر قائم على الجهة اليسرى، وبعدها يأخذ اخرى فيقوم بما قام مرات حتى يملأ بطنه لكي لا يعيد الملعقة إلى فمه مرة ثانية وفي الطرف الآخر كان أبو الفرج يأكل باصابعه ولا تعنيه النظافة والمعروف عنه انه لم يكن يغسل له ثوبا منذ ان يفصله إلى ان يهريه ولم يكن ينزع ثوبه حتى يهرى ويتشقق. ويقول عنه احد مؤرخيه (وكان إلى كل ذلك اكولا نهما لا يتقيد بآداب المائدة). حدث ذات يوم ان كان أبو الفرج جالسا على مائدة المهلبي، فقدمت سكباجة وافقت من ابي الفرج سعلة ، فسقطت من فمه قطعة من بلغم على السكباجة، فأراد المهلبي رفعها وقال: هاتوا من هذا اللون من صحن آخر. فالتقطها واكلها أبو الفرج دون تردد.

رغم ان المؤلفين الذين جاءوا بعد ابي الفرج قد اعتمدوا ما سطره كثيرا، على انه مرجعا هاما في التاريخ، فانهم يرونه لا يصلح ان يكون مرجعا مهما لدراسة التاريخ، لانهم يرون تدويناته ليست تاريخا، وهذا راي يعول عليه الكثير من الدارسين لانه لم يتخصص كثيرا بسير السلاطين وحملة السيوف، وكما يقول ابوتمام (السيف اصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب). الواقع ان الغرض الاول الذي استهدفه أبو الفرج حين دون الاغاني هو امتاع الاسماع ومؤانسة القلوب وترويح النفوس وتحلية الاذواق. لذا اعتبروا بان من اشنع الاخطاء اعتماده كتابا للتاريخ. بيد ان كتاب ( الاغاني )، يعتبر من أجل الموسوعات الادبية واعظمها غناء وثروة وقيمة وهو من اكثر كتب التاريخ الادبي قيمة منه كتاريخ. الواقع في روايات كتاب الاغاني حقائق تاريخية يصح الاعتماد عليها لان الاصفهاني لم يكن يعنيه من رواياته للاخبار غير طرافتها وغرابتها لانه سجل حقائق وقعت في عصر كان يعيشه ولا يعتقد بانه اختلقها ولكنه لونها وطعمها في اسلوب يغلب عليه اللهو والمجون كما يراها الدكتور زكي مبارك. ويقول عنه في كتابه (النثر الفني في القرن الرابع) ان الاصبهاني (حين يعرض للكتاب والشعراء يهتم بسرد الجوانب الضعيفة من اخلاقهم الشخصية، ويهمل الجوانب الجدية إهمالا ظاهرا يدل على انه قليل العناية بتدوين اخبار الجد والرزانة والتحمل والاعتدال وهذه الناحية من الاصبهاني افسدت كثيرا من آراء المؤلفين الذين اعتمدوا عليه). الجانب الماجن من حياة الاصفهاني تعين الباحث على فهم نفسيته وولعه بمتع الحياة بمختلف الوانها الخليعة اللاهية. ويؤكد على هذا الاقدمون والمحدثون فقد قال ابن الجوزي في كتابه (المنتظم)، (ومن تأمل كتاب الاغاني رأى كل قبيح ومنكر). واشار الخونساري في (روضات الجنان) إلى ذلك فقال: (إني تصفحت كتاب اغانيه المذكور إجلالا، فلم أر فيه إلا هزلا أو ضلالا، أو بقصص اصحاب الملاهي اشتغالا). ومن دارسيه المحدثين الدكتور زكي مبارك. كان الاصفهاني يعنى في كتاباته بالبيطرة, وبتربية الحيوانات الاليفة وكان له قط ابيض اسماه (يقق) اصيب بالقولنج وانسداد المعي فكان يعين القط على مشكلته بادخال اصبعه في مخرج القط لاخراج الغائط.  نظم فيه شعرا ارسله للوزير المهلبي يشكوه ما يلقى من اذى الفئران يقول فيها (فهو طورا يمشي بحلي عروس وهو طورا يخطو على عناب) وحين مات الديك رثاه (ابكي إذا ابصرت ربعك موحشا بتحنن وتأسف وشهيق). مؤلفات ابو الفرج الاصفهاني الاخرى كثيرة جدا ذكرت عناوينها في الفهرست لابن النديم ومعجم الادباء لياقوت، والعبر لابن خلدون، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وعيون التواريخ لابن عساكر. يكفى ابو الفرج الاصفهاني انه مايزال ذكره قائما على مر الدهر الى الآن.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com