تداعيات عند باب العام الجديد.. حكايتي مع "الخنزير الصيني" والابراج!

 يوسف أبو الفوز / سماوة القطب

haddad.yousif@hotmail.com

1

 يوما من ربيع عام 1978، قبل حوالي عام من تركي بلادي مضطرا هاربا من انياب ضباع البعث العفلقي التي صارت دائرة ملاحقاتهم تضيق اكثر حول رافضي التصفيق لنهجهم وغيهم الدموي، كنت جالسا في مقهى على نهر دجلة مع صديق عزيز ـ مقيم حاليا في لندن ـ، والى جانبنا تجلس شقيقته، حين ظل "فتاح فأل" متجول، ملتح ورائحة الخمر تفوح من ملابسه، يلح على ان يقرأ لنا الطالع. كان صديقي وقبل وصول الرجل الى مجلسنا صرح بشكوك معارفه من رواد المقهى بكون هذا الرجل ضبعا يعمل لصالح اجهزة أمن سلطات البعث الحاكمة، فطلب ان نتحاشاه، لكن الحاح الرجل واسلوبه الاستعراضي الكاريكاتيري جعل صديقي ذاته يستجيب له وطلب منه بشكل غامض:

ـ أقرأ لنا طالعنا ؟

وحرك يده بأشارة شملته وشقيقته الجالسة الى جانبه.

فوقع فتاح الفأل في الفخ، وراح يهذي ويرسم للشقيقين حياة زوجية مشتركة وردية، وسط محاولتنا كتم ضحكاتنا، وقبل ان يسلم صاحبي لفتاح الفأل اجوره، امسك بيده بقوة، وقال له حازما:

ـ لقد قرأت لنا طالعنا لعشرين سنة للامام، لكنك لم تستطع ان تتعرف الى كونها شقيقتي.

فهرب الرجل من المقهى كله، وهو يتمتم بكلام لا نسمعه واجزم انها كانت شتائم من الدرجة الاولى موجهة لنا.

2

لم اطمأن وأثق يوما بما يقوله فتاح فأل أو قارئ فنجان، ولم اتوقف يوما بجدية عند زاوية الابراج في الصحف والمجلات، وظلت حادثة المقهى عند نهر دجلة في بالي دائما دلالة على جهل وشعوذة اصحاب هذه المهن، وتجعلني استخف منهم ومن افعالهم واقوالهم حتى في تلك الحالات التي كان يبرع فيها احدهم ويقدم شعوذته مؤطرة باسلوب رصين وغامض فيرفع من غريزة الفضول.

ولم يخطر لي يوما ان اجد نفسي وقد تحولت الى قارئ فنجان وخبير ابراج من الطراز الاول، بل وناجحا بشكل يلفت الانتباه !

كان ذلك صيف 1998، واذ كنت على وشك السفر من محل اقامتي، في منفاي القطبي، فنلندا، الى بلاد الشام، وقبيل السفر بايام، ومن متجر لبيع الكتب القديمة في مدينة هلسنكي ازوره بأستمرار، صادف واشتريت كتابا باللغة الروسية، عن التنجيم وقراءة الكف والابراج. حمل الكتاب عنوانا مثيرا " النجوم والمصير" وتؤكد مؤلفته في المقدمة انه بحث علمي ولهذا وضعت في نهاية الكتاب سلسلة طويلة عريضة من المصادر والمراجع الرب وحده يعلم ان كان لها وجود او انها جزءا من متطلبات لعبة الشعوذة واغواء القراء. قضيت مع الكتاب اياما من القراءة الجادة لاشباع فضولي، فالكتاب يحاول التحدث بشكل رصين وبالرسوم الايضاحية والصور عن تفاصيل عالم خرافي وغريب. كان يدفعني لمطالعة الكتاب الفضول لفهم الناس الذين اقابلهم في حياتي واجدهم يؤمنون بالابراج وقراءة الكف والفنجان ايمانا شديدا، وايضا انطلاقا من كوني ككاتب اشعر بحاجة لمعرفة شئ عن هذا العالم والاطلاع عليه، وكنت اقول لنفسي ربما في يوم ما اجد نفسي اتعامل مع كتابة نص قصصي عن أنسان له اهتمام بهذا العالم الخرافي، فكيف لي ان اغوص في روحه وتفكيره ان لم اطلع على مفردات هذا العالم ؟ وهكذا حين وصلت دمشق، في ذلك الصيف الجميل، كان لدي الكثير من الاساس النظري لاطلاق مزحة امام بعض الاصدقاء باني اجيد قراءة الفنجان والكف. ولم اعرف اني ورطت نفسي بشكل كبير اذ تلاقف البعض مزحتي بشكل جدي، وراحت كرة الثلج تكبر وتجرفني معها رغما عني. الطريف اني ارتضيت ذلك بشكل ما، كان مزاجي رائقا، كنت اعيش ايام خطوبتي الساحرة مع شريكة حياتي الحالية، وكان هناك الكثير من الدعوات واللقاءات والكثير من المعارف والاصدقاء، الذين ظهر لي بينهم كثير من "الزبائن"، خصوصا من النساء من اقرباء واصدقاء زوجتي، والذين تعاملوا بجد كبير مع مزاحي. كانت سوريا ايامها تعج بمئات العوائل العراقية الهاربة من ظلم النظام الدكتاتوري المقبور، ويزدحمون عند باب مكتب الامم المتحدة بحثا عن طريق للوصول الى بلد اوربي يمنحهم سقف امن. وهكذا وانا اقرأ الفنجان لاي " زبون "، او اتفحص كفه، كان سهلا عليّ ان اكتشف امام كل شخص " طريقا طويلا للسفر "، وان اقول له " يصلك بعد ايام خبرا مهما "، واتنبأ له "انت مقبل على تغيير كبير في حياتك "، وهكذا غيرها من الجمل الفضفاضة الملتوية التي تتعكزعلى واقع الظروف المعاشة للعراقيين، مستخدما حدسي الشخصي وانطباعاتي وملاحظات الاخرين عن " الزبون "، المعززة بالتسريبات السرية المهمة لزوجتي التي صارت طرفا معي في اللعبة رغما عنها، فصرت اتجرأ واهمس بثقة للبعض بنصائح رومانسية عن حياتهم العاطفية. المفارقة الكبيرة هي ان المصادفات قادتني لان احقق "نجاحات " وربما يمكن تسميتها "ضربات حظ "، فمن اخبرتها بأنها مقبلة على "تغير كبير في حياتها خلال الايام القادمة "، سألتني " يعني حدث على مستوى انتفاضة ؟ "، وما هي ايام، وبدون مقدمات ويتقدم لخطبتها احد الشباب المقيمين في اوربا ووافق اهلها فكان ان حصلت "ثورة " في حياتها. ومن اخبرته "يأتيك خبر سار قبل يوم الخميس "، وكنت اعول على معرفتي بوصول حوالة مالية له من قريبه المقيم في اوربا، وصله يوم الاربعاء تحديدا رد القبول باللجوء من احد الدول الاوربية. وحصلت اشياء اخرى طريفة، بعضها طريف جدا، وخلقتها الصدفة المحضة ولا وقت لقصها هنا، كل ذلك جعلني اكون يومها منجما وقارئ كف لا يستهان به. المصيبة ان هذه " التهمة " راحت تلاحقني الى اليوم بين البعض من المعارف والاصدقاء، ففي الصيف الماضي واذ كنت في كوبنهاغن جلست الى جانبي احد السيدات، وليس لي معرفة وثيقة بها، لتسألني بجدية ان اجد الوقت الكافي لاقرأ لها طالعها وسط ارتباكي الشديد وابتسامات وغمزات زوجتي المتأمرة.

3

وانا اود خط بطاقات تهنئة للاصدقاء ونحن على ابواب العام الجديد 2007، واذ اجد ان العالم حولنا مضطربا، ولا يزال فيه الكثير من الظلم، وكثير من الشعوب، وفي مقدمتها شعبنا في العراق، لا تزال منتهكة بالعذابات، خطر لي ان اعود الى الكتاب الروسي اياه لاقرأ شيئا ما، ولارى ماذا يعتقد اهل الابراج الشرقية والغربية عن العام القادم، واي عام هو يا ترى ؟ فكان تصفحي لكتاب الأبراج، بورقه الاصفر، سببا لهذا التداعي وانهيال هذه الذكريات وكتابة هذه السطور.

***

اخبرني الكتاب ان التقويم الصيني والياباني، وهو الشرقي، يقول ان العام الجديد 2007 هو "عام الخنزير ". الصينيون يؤمنون بوجود اثنا عشر طاقة تسري في الكون، ومدة كل طاقة عام قمري واحد، وكل من يولد في واحد من هذه الاعوام يتميز بطبائع واخلاق مختلفة، وسمى الصينيون كل عام بأسم حيوان تشبه صفاته طبائع المواليد في البرج. الصينيون يعتبرون الخنزير حيوانا طيبا ورمزا للدماثة والخير، وهم يتفائلون به كثيرا، ولهذا اطلقوا اسمه على احد الاعوام التي يتفائلون بها. يعتقد الصينيون ان مواليد عام الخنزيز تتميز بالكثير من الصفات الجيدة، كالصدق والنبل والوفاء والاستعداد للتضحية من اجل الاخرين. ومواليد عام الخنزير حسب التقويم الصيني يؤمنون بالطبيعة الجيدة للنفس البشرية لذا يكون من السهل خداعهم، لكنهم لا يكترثون لذلك لان من طبيعتهم التضحية بسعادتهم الخاصة، وهم ايضا ميالون للمعرفة والثقافة، ويكونوا قليلي الكلام وكثيري العمل، ورغم اتهامهم بالتكبر فهم ديمقراطيون ويحترمون الراي الاخر، وهم رومانسيون جدا في الحب، ولكنهم ايضا يصابون بالغيرة بسرعة فائقة. ويعتبر الصينيون عام الخنزير عام التفائل وعام تحقيق الامنيات المتعثرة والمستعصية. وهكذا اخذت القلم وخططت لاصدقائي ومعارفي تحيات وامنيات ضمنتها سطورا تفيد بأني: "ارجو من "الخنزير الصيني" ان يكون رحيما بالعراق وباهالينا وان يجلب الامان لمن ينشده".

واضيف هنا بأن " الخنزير الصيني " سيكون ارحم بنا لو جلب لابناء العراق شيئا من وصفة الصبر التي تميز بها الصينيون وبنوا فيها ليس سورهم الشهير، الذي يمكن رؤيته من القمر بسهولة كما يقال، بل واعجوبتهم في عصرنا الحديث في النمو الاقتصادي الذي حققوه بدأب شديد وصف بكونه يثير غيرة امبراطوريات النمل، عل وصفة الصبر الصيني تساعد ابناء وطني على تحمل كل هذا العذاب والالم والخوف الذي تنشره في دروب العراق خوذ الاحتلال وضباع الموت وبغال السياسة وثعالب الفساد وذئاب الطائفية و... !

***

لا زال موقفي من قراءة الفنجان والابراج ذاته لم يتغير فهو عندي ليس اكثر من شعوذة ودجل وتدليس، ولا زلت احتفظ بالكتاب الروسي القديم في مكتبتي المنزلية، لكني لن اوصي احد باللجوء الى قارئ فنجان او قارئ كف، فكذب المنجمون ولو صدقوا، وان انتشار كتب الابراج وازدياد المتحمسين لقراءتها، في عالمنا العربي، الذي يدين غالبيته بالدين الاسلامي، الذي له موقف واضح ومضاد من الابراج، ليس الا اشارة واضحة الى الواقع المرير الذي تعيشه هذه الامة التي صار فيها المواطن يبحث عن تفسير لواقعه المزري المعاش ويبحث عن حلول خيالية وهمية لمشاكله التي يكمن حلها اساسا على الارض وليس بين النجوم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com