|
آسيان تستهل 2007 بمعاهدة ملزمة ضد الإرهاب د. عبدالله المدني / باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية يمكن القول أن أكثر الخطوات أهمية و حسما في الحرب ضد الإرهاب هي ما تقوم به الدول من إجراءات وقائية أو جراحية ضمن حدودها، و باستخدام ما تحت يدها من أدوات و وسائل ومعلومات، على أن يسبقها بطبيعة الحال اعتراف صريح بوجود أنشطة أو تهديدات إرهابية مع تحديد مصادرها. و قد ثبت من تجربة إندونيسيا التي ظلت تتلكأ طويلا في الاعتراف بوجود شبكات إرهابية على أراضيها، إلى أن حدثت تفجيرات بالي الأولى في أكتوبر 2002 ، انه كلما تأخرت الدولة في الاعتراف بوجود إرهابيين ضمن حدودها لأسباب مثل حرصها على سمعتها الدولية أو خوفا من انقطاع تدفق السواح و الاستثمارات الأجنبية عليها أو طمعا من نظامها الحاكم في كسب بعض الأصوات الانتخابية، ازدادت عملية التصدي للجماعات الإرهابية صعوبة. يأتي بعد ذلك دور الجهود الجماعية التي باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى بسبب اتجاه الجماعات الإرهابية إلى التعاون و التنسيق و تبادل المعلومات والخبرات و الأموال و العتاد عبر الحدود انطلاقا من تشابه أيديولوجياتها أو تقاطع أجنداتها أو سعيها إلى هدف أممي كما في حالة تنظيم القاعدة الإرهابي. وقد ساعد تداخل بعض المجتمعات الآسيوية اثنيا أو ثقافيا، و وعورة الحدود البرية المشتركة أو طول الحدود البحرية، و تراخي الإجراءات الأمنية عند المعابر الفاصلة، وفساد بعض الأجهزة الأمنية أو ضعف كفاءتها و قلة إمكانياتها، وتقدم فنون الاحتيال و تزوير وثائق السفر، على انتقال الإرهابيين من قطر آسيوي إلى آخر هربا من الملاحقة أو بحثا عن المأوى الآمن أو طلبا للتدريب و الخبرات القتالية. و لعل أوضح مثال على هذا هو التعاون القائم ما بين الجماعات الأصولية الاندونيسية و الحركات الانفصالية الإسلامية في جنوب الفلبين ونظيراتها في جنوب تايلاند المسلم و بعض الولايات الماليزية، و ما ثبت من تعاون واسع ما بين الجماعات المتشددة في كل من بنغلاديش و باكستان و كشمير و أفغانستان و بعض دول آسيا الوسطى، و ما أدت إليه التحريات من اعتقال بعض المطلوبين الاندونيسيين أو الماليزيين مثلا في دول قريبة مثل سنغافورة أو تايلاند أو حتى كمبوديا. لهذه الأسباب مجتمعة تحركت دول آسيان قبل أكثر من عقدين من اجل التعاون و التنسيق ما بين أجهزتها الأمنية و الاستخباراتية، مستلهمة في ذلك بعضا من دروس حقبتي الستينات والسبعينات حينما كانت تحارب الحركات اليسارية و الشيوعية التي مثلت في حينه تهديدا امنيا مشابها للتهديد الأصولي الراهن، و إن لم يكن في حجم و شكل الأخير. و جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 و تداعياتها المتمثلة في الحرب الدولية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لتعزز هذا المنحى و تعمقه و تؤطره في عدد من الاتفاقيات. غير أن ما لوحظ من تجربة السنوات الخمس الماضية هو تباين الحماس من قطر إلى آخر بحسب ظروف و إمكانيات كل دولة، و نوعية قراءتها للتهديدات الإرهابية، و درجة استهدافها من قبل الإرهابيين. فهي لئن أجمعت في كل القمم والمؤتمرات الوزارية السابقة للمنظمومة على ضرورة القيام بعمل فعال فردي أو ثنائي أو جماعي للتصدي للإرهاب و رموزه و تنظيماته وأهدافه، فان ما قامت به من إجراءات عملية ظل بصفة عامة ناقصا، و إن ساهم في القبض على بعض كبار الإرهابيين المطلوبين أو إحباط عدد من المخططات الإرهابية. حيث بدا التعاون متذبذبا أو غير شامل أو مقتصرا على مجموعة دول دون سواها، بل تبين في بعض الحالات أن الانضمام إلى اتفاقية ضد الإرهاب كان فقط مجرد وسيلة للهروب من الانتقادات الدولية. و يكفينا على هذا الصعيد الإشارة إلى إن المعاهدة التي اقترحتها الفلبين في عام 2002 للقيام بجهد مشترك في تعقب الإرهابيين وتبادل قوائم السفر وإقامة خط هاتفي ساخن لتبادل المعلومات و تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود المشتركة، لم تلحق بها سوى ماليزيا واندونيسيا أولا ثم تايلاند وكمبوديا في وقت متأخر. و على حين وقعت منظمة آسيان اتفاقية جماعية للتعاون ضد الإرهاب مع الولايات المتحدة بعد إحداث 11 سبتمبر 2001 و أخرى مع الصين حول نفس الموضوع، فان دولا في المنظمة راحت تتعاون فرادى و على مستويات متباينة مع واشنطون من جهة و استراليا من جهة أخرى، فيما بقي التعاون مع الصين شكليا و غير مؤثر. بل حتى على صعيد الاتفاقيات الثنائية مع هذه القوى الخارجية، اختلفت درجة حرارة التعاون من دولة إلى أخرى بحسب الظروف السياسية الداخلية لكل منها. فالفلبين مثلا كانت الأكثر حماسا و الأوسع تعاونا مع الأمريكيين في حربهم على الإرهاب إلى حد سماحها للقوات الأمريكية بالمشاركة ميدانيا في تعقب الإرهابيين في جنوب البلاد، بينما كانت اندونيسيا الأكثر ترددا في التعاون و الأقوى اعتراضا على بعض المقترحات والإجراءات الأمريكية أو الاسترالية. ومن الواضح أن أهم العقبات التي حالت طويلا دون قيام دول منظومة آسيان بجهد جماعي شامل و مؤطر بمعاهدة ملزمة هو تحسس بعضها من احتمالات خرق سيادتها أو التدخل في شئونها الداخلية بحجة العمل الجماعي ضد الإرهاب، خاصة و أن مبدأ عدم التدخل هو احد أهم المباديء التي استند عليها ميثاق المنظمة منذ تأسيسها في عام 1967. و من هنا فان المعاهدة التي ينتظر أن توقع في قمة آسيان السنوية القادمة المقرر عقدها في مدينة سيبو الفلبينية في مطلع العام الجديد، من بعد أن تأجل انعقادها في موعدها الأصلي في منتصف ديسمبر بسبب سؤ الأحوال الجوية (في رواية أخرى بسبب سؤ الأحوال الأمنية في الفلبين) تشكل نقلة نوعية هامة في حرب دول جنوب شرق آسيا ضد الإرهاب، بل تمثل تتويجا لكل الجهود والاجتماعات السابقة، و دمجا لكل ما انبثق سابقا من اتفاقيات و تفاهمات أمنية. فهي أول معاهدة جماعية ملزمة لأطرافها العشرة و غير قابلة للتحفظات، و هي تصلح كإطار قانوني لتبادل الإرهابيين أو المشتبه بهم في ارتكاب الأعمال الإرهابية أو دعمها أو تسهيل وقوعها، و أخيرا فهي متناغمة في بنودها مع المعاهدات و القرارات الدولية الخاصة بالقضاء على الأنشطة المخلة بالأمن والاستقرار العالميين. في التفاصيل، تتضمن المعاهدة المقترحة بنودا حول إجراء التحريات المشتركة لتحديد المنظمات والجماعات الإرهابية و رموزها وأماكن تجمعها و تدريبها و مصادر تمويلها و المتعاونين معها، والتعاون في تجفيف المنابع المالية للإرهابيين عبر قيود جماعية اشد على الحسابات المصرفية والتحويلات المالية والتبرعات المالية و العينية من الداخل و الخارج، واعتراض السفن والناقلات المشتبه بها داخل المياه الإقليمية عن طريق تسيير الدوريات المشتركة، و تبادل المعلومات الأمنية و الاستخباراتية، و إنشاء قاعدة بيانات مشتركة، و إعادة تأهيل الإرهابيين التائبين أو المغرر بهم، و التعاون القضائي في إجراءات المحاكمة و تنفيذ الأحكام و تسليم المجرمين، إضافة إلى استصدار ما يلزم من تشريعات و ضوابط داخلية لتقنين وتسهيل كل ما سبق ما سبق ذكره وإلغاء كل ما يتعارض معه من قوانين. و المؤمل الآن ألا تبرز في اللحظة الأخيرة ما يعيد العملية برمتها إلى المربع الأول، بمعنى تمسك دولة أو أكثر من أعضاء آسيان ببعض تحفظاتها القديمة أو سعيها إلى استثناءات معينة تحت حجج لا تصمد كثيرا أمام غول الإرهاب المهدد لكل إنجازات جنوب شرق آسيا النهضوية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |