|
دورة إنتاج القتلة..الطاغية الأخير نموذجا...! محسن الجيلاوي انتهت حياة الطاغية بالطريقة الدراماتيكية ذاتها لمسلسل القتل والسحل لحكام العراق وخصوصا في تاريخه المعاصر...والنواح العربي يعبر بكثافة عن عشق روحية الخضوع والاستلاب أمام القوي، نحن أمم جديرة بتلك المهزلة بان يحكمها الأقوياء عندما يحولون أعناقنا إلى ملهاه سواء عبر المشنقة أو بضع طلقات أو حتى بالبساطيل..هناك مستويات وأشكال متعددة لقطف الرؤوس لكن الجوهري هو تغييب الإنسان ببساطة لا حدود لها... تلك إرادة كان الحكام يعتقدون ان لهم وحدهم فقط الحق بممارستها أما أن تزحف باتجاه أجسادهم وأرواحهم فذلك بعيد حتما عن طيات تفكيرهم الرخو..لكن تراكم الحقائق أشعلت غواية القتل للزعماء وأكدت حضورها عراقيا..نحن نصنع الدكتاتور ثم نمل منه، نقوم بنزعة كسروال عتيق، ثم نستبدله بجديد ننفخ فيه حتى يتعملق ليواصل فن اللعب بدمنا... رحل الدكتاتور بضبابية شبيهة بتلك التي أدخلته الحكم..الحالتان فيهما ذلك الباب المفتوح على شكل قاتل جديد سيسمن لاحقا وسيقدم لنا خطابا يجعلنا نخضع له كأنثى شرقية في فراش الفحولة العربي..منذ عام 58 ونحن ننظر ونتسلى بهذا المسلسل الذي لا ينتهي، ولكن المأساوي اننا نحن الذين نتفرج بل الأصح نساهم بهذه المسرحية الشيطانية أول الضحايا ليس على صعيد تغييب الجسد بل فقرا وجوعا وتشردا..شعب بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا بصيص أمل..ولكننا كنا دوما على استعداد ونشوة لتبديل الهتاف ( بالروح بالدم نفديك...)، استعداد في الكسل الفريد في عدم إنتاج حتى أبرة أو يشماغ خليجي ولكن شُطر وأذكياء في إنتاج هؤلاء، الصور تعلق في نفس الأماكن فقط السحن مختلفة وفوق هذه الصور خطاب لا ينتمي للعالم يأخذ شكلا قوميا تارة أو اسلامويا أو شيوعيا..لكن الجوهري واحد هو رخص تطلعاتنا وتسليم حريتنا طواعية إلى قتلة لا يرحمون...كان يكفي للذين يتباكون على صدام انه عاش حياة رخية بشكل استثنائي هو وعائلته وعشيرته وقريته وحيواناته لعقود طويلة في حين غاب شبابنا بالملايين وهم في أولى خطواتهم وحبوهم على طريق الحياة..أي دنيا عكرة صنعوها لنا ؟ العقل العربي هش وظاهرة صوتية يشوبها ذلك الخطاب الذي جعل منها منطقة مريضة ومتخلفة بشكل عجيب...! لكن الأغرب هو حكامنا الجدد انهم لا يتعظون بل يسيرون كما يبدو في نفس دائرة هذا المستنقع الغريب..لقد اقتصروا تضحيات عظيمة لأمّة بشخص قائد واحد وبهتاف واحد يعبر عن( طينة) متخلفة هي الصاعدة في عراق اليوم لكي تنتج لنا دكتاتور جديد سنتغنى بأمجاده ثلاث عقود جديدة أو أكثر..عندها سنستبدله لكي نواصل هواية إنتاج دورة الجريمة..لم أكن أتصور يوما ان حكام بهكذا فقر سياسي وغباء غير قادرين على إدارة لحظة بسيطة وفارقة في تاريخ العراق كان لها أن تضع العدل فوق التفاصيل الصغيرة..لكن بحماقاتهم وضعونا أمام سؤال كان ولا زال حاضرا على مَنْ ستدور الدوائر....ومعها ستتطاير رؤوس بريئة ومجرمة على حد سواء لأننا أمم نهتف لكل أحمق...!؟؟؟ تحذير لكل من يلعب بمصير الناس ان النهاية كما شاهدتموها بسيطة للغاية وخصوصا في عراق اليوم حيث القتل والذبح..فوسط ذلك الخراب هناك لحظات حب يقابلها ببساطة حبل يلتف على رقبة سميكة قد يخاف عليها البعض من الأذى جلادين ومعدومين...! تحسسوا رقابكم عندما تعملون منكرا...وخصوصا اللعب بحياة الآخر..فليس الدائم سوى وجه الله...فأمام اللحظات الرهيبة لن ينفع الندم ولن ينفع ان تكون جبانا أو شجاعا..كلاهما سيان ولن ينفع ذلك التبرير الأجوف الفارغ في تصوير مجرم على انه بطل، تلك قضية ستعيش إن وجدت للقادة العظام الذين أرادوا للخير أن ينتصر..! عندما ترحل الهتافات والصور وفكرة تعظيم البشر وغطرسة القادة والشعارات والتمجيد الأجوف والشحن الفكري المتعدد الوجوه....عندما يكف الشعب في المستوى الأول عن ذلك..عندها نقول ان قادم العراق بخير..عداها هناك دكتاتور قادم جميل الطلعة والكلمات والشعارات..ومعها سيف سيقطف رؤوسنا باستسلام عجيب كما يفعل كل مرة..! على أية حال نهاية طاغية أو مجرم تجعل العالم أكثر أمنا وجمالا...تلك حقيقة مادية صلدة هي هديتي لكل أولئك الذين حزنوا على غيابه الأبدي وقد يكون المؤقت أيضا إذا لم يتعظ البعض من حقائق التاريخ الرهيبة...!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |