|
كفى أيها العراقيون .. كفى عبد الكريم الكيلاني أخيراً قررت أن أتحاشى الوقوف أمام نافذتي كي لاتطل عباءة الأحلام وتواسيني بآمال وأمنيات طالما تمنيتها لأنها تبقى مجرد أوهام تخترعها ذاكرتي المتوجسة بشكوك أصبحت لاتنتهي وبوجوه تقارعني وبوجوه تختفي وبوجوه ملثمة لا أدري ماذا تخفي وراءها من كوابيس للفتك والسفك ودموية الاحتراف في ارتكاب الجرائم!! بغداد تحولت إلى مقبرة تدفن كل يوم عشرات الموتى يرافقها في هذا بلدات عراقي المقتول عمداً ممن استفحل في قلوبهم روح الشر الذي نما وترعرع على طاغوت من العمى للانتقام داخل بوتقة الحقد الذي استشرى في نفوس من كنت أحسبهم ذات يوم طيبين مسالمين مهادنين، فلاح أرضي ما عاد يحرث الأرض ويزرعها لأن الأرض تحتضر من جثث الموتى وتغص بهم، فكل الأماكن تحولت إلى مدافن ، وطفل عراقي ما عاد يحب المدرسة ويفرح لنتيجة أحرزها بتفوق لأن التصفيق تحول إلى رصاص وبارود وأرصفة تجري على ساحاتها الدماء، وبنات وطني بدأن يتأففن من العُنس ومن فقدان الرجال، وعادت مأساتنا بأكبر مما كنا نتصور، فهل يحق لي أن أحلم مرة أخرى، لقد صادروا عليَّ حتى أحلامي، تحولت وجوه الناس إلى وجوه لا أعرفها، مذ أدركت الحقيقة، حقيقة كيف نقتل الحلم والأماني والآمال عاودتني مخاوفي وعاودني خوفي من الظلام، لست أدري أي الأطفال كنت ولماذا أخشى من الظلام ! اليوم لا يستحق مني أن أسأل عن حلم حتى لو كان في المنام فتلك الأحداث السارية المفعول ما تزال تضطهد كل أمنياتي لأن نيرون آخر ما يزال يشعل في بغدادي وموصلي وبصرتي وتكريت..... لهب الموت بصوت التفجيرات لعمليات أجزم الآن إنها لاتعني غير الإرهاب الشنيع، فهل من عجب أن أفقد احترامي لأحلامي ؟ هل من عجب إن تخليت عن أمنياتي وآمالي؟ العجب ياعراقي المحترق بلهيب الحقد والانتقام أن توافقهم على هذا، أن ترضى أن يُقتل الصديق والجار وابن العم وابن الخال وابن العمة وابن الخالة، اليوم تجدني أبحث عن مخرج خارج أحاسيس الانتقام، أبحث عن نهاية تكون بداية لبدء مشروع يؤسس لحماية الإنسان، لم أعد يتيماً لأنني فقدت أبي أو أمي، أنا يتيم لأنني افتقد إلى أمان واطمئنان بلدي، هل هناك من متبرع مؤمن يعيد لليتيم حقه في أن يعيش آمناً مطمئناً، تلك حكايتي التي بدأت وهي ليست حكايتي وحدي بل حكاية كل من ينتمي إلى تراب وأرض هذا الوطن الذي تكاثرت حول رقبته سكاكين الجزارين، صامتاً أتحرك وحدي داخل غرفتي، صامتاً أكتب في ذاكرتي بوح نفسي، صامتاً أتألم وأنزف من نوافذ القلب حسرات وجعي، وللصمت صوت انفجار يخلقه القلم، لقد تحرك قلمي الذي تركته على طاولتي وطالبني بأن أعيد ما ذكرت في صيام نفسي عن الكلام، لكنني قلت له بحيرة : - لمن سأكتب والأذان أصابها الصمم والعيون استشرى في داخلها تحطم الرأفة؟ - اكتب، أقول لك : اكتب - ماذا سأكتب ؟ هل أكتب عن التاريخ ؟ أم عن الأسماء التي فقدتها؟ أم عن العيون التي أصبحت تخيفني أكثر من الظلام نفسه؟ - اكتب " وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" - وهل هناك من يعترف اليوم بوجود التقوى؟ - اكتب ، ولا تهمل ما طلبت. كان هذا بمثابة شرف جديد لي أن أكتب عن التقوى، عن وجود الحب في قلوب الناس، عن وجود الرأفة والألفة والتسامح والإيثار في مدينة لايمكنني أن أتجاهل فيها صدى التقوى التي غيبتها ظنون الطائفية العشائرية وما يحدث بينهم من صراعات وصدامات، لكل هيبته وكيانه، لكل شيوخه وأقرانه، لكن لماذا لا ينتمون تحت لواء واحد واسم واحد ومبدأ واحد، سألت القلم الذي كان بين أصابعي: - هل ستجدي نفعاً كلماتي تلك بعد مصادرة أحلامي؟ بدا لي من سن القلم وجه ابتسامة صغيرة أخذت تتسع في دوائر روحي ونفسي وذاكرتي، لقد عرفت أخيراً أنني أخاطب من خلال مقالتي .. الإنسان.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |