شخبطة على الحائط   

ثورة الزنج اول انتفاضة للزنج في العالم

توما شماني – تورونتو / عضو اتحاد المؤرخين العرب

tshamani@rogers.com

الذين عالجوا موضوع ثورة الزنج في التاريخ العربي كثيرون منهم جرجي زيدان، وبطرس البستاني وفيليب حتي وعبد العزيز الدوري وغيرهم، غير ان ماجاء في كتاب الدكتور فيصل السامر (ثورة الزنج) كان اكثر دقة من اي من الآخرين. ذلك لان دراسة الدكتور السامر كانت مجردة دون اي اعتبار تاريخي او ديني او عرقي فهو كما عرفته في البصرة اذ كنت في نفس الصف الذي كان فيه اخيه عبد الصمد. كان الدكتور السامر تقدمي الفكر لهذا جائت دراسته عن ثورة الزنج رصينة لا انحياز فيها ولا عبث. اختاره عبد الكريم قاسم وزيرا للاعلام ولكنه للاسف مات في وقت مبكر من حياته. لكنه خلف دراسة موضوعية رصينة عن ثورة الزنج تذكرنا به. كثيرون من المستشرقين كتبوا وحللوا ثورة الزنج بتجرد موضوعي ومنهم على الاخص (نولدكه). اما المؤرخون القدامى المعاصرون للحدث الذين سجلوا وقائع ثورة الزنج فهم الطبري والمسعودي والجاحظ في (كتاب فخر السودان على البيضان). في القرن الثالث الهجري كانت الدولة العباسية في اعلى قوتها وكانت تجارة العبيد في اوج عزها، كانت عصابات ممتهنه تغير على اوطان السود في البلدان الافريقية وخاصة السودان وياسرون الرجال والنساء ليبيعونهم في اسواق النخاسة. وكانت تجارتهم تدر ذهبا فانتشر الزنج في الحقول كعمال بلا اجر وكانوا يشدونهم بالزناجيل ويسوقونهم مشينا بالسياط في قوافل الى البصرة وغيرها من الاقطار والامصار. وكانت هذه التجارة تشكل حجما كبيرا لمداخيل العصابات القائمة في ذاك الزمان. والجدير بالذكر ان امتلاك العبيد كان سائدا في البصرة يوم كنت في الابتدائية، فقد كان آل السعدون وباش اعيان والنقيب لايزالون يحتفظون بالعبيد في قصورهم وبعض ابناء السيد طالب النقيب كانوا من ام سوداء. وفي البصرة القديمة كانت تقوم محلة يسمونها محلة العبيد وهم بقايا عهد العبيد وكان بيننا في الابتدائية الكثير من اولادهم ولكنهم تحرروا مع الزمن. واتذكر يوم كنت صغيرا كنا نذهب الى ساحة كانت نحوطها بيوت تعلوها الشناشيلات وكان الزنوج الرجال يجتمعون في الساحة ويقيمون (الهيوة) التي تتضمن الضرب على الدنابك والغناء والرقص وكان بعضهم يندمج في (الهيوة) بتفاعل حتى يسقط كالدراويش. كان السعوديون قبيل عهد النفط يمارسون امتلاك العبيد ولكن النفط والدولارات جاءت نعمة على الزنج فاخذوا يملصون ويستقلون. وكانوا في نلك العهود لايتقاضون اجرا بل مجرد الاسكان واطعامهم فضلات السادة من الطعام والخلقان من الملابس. قامت ثورة الزنج زمن العباسيين على ارض السواد وهي من لواحق البصرة بين غابات النخيل في (جيكور)، قرية الشاعر بدر شاكر السياب وحيث تمتد غابات النخيل حتى (ابي الخصيب) ثم (الفاو) الذي تولى صدام المهووس قطع رؤوسها في الحرب السوداء بين الجيران. كانت (جيكور) تسمى في التاريخ (المختارة) العاصمة التي قامت بها ثورة الزنج برآسة علي بن محمد صاحب الزنج حتى المؤرخين المعاصرين للانتفاضة كانوا يسمون قائدهم بصاحب الزنج وليس رئيس الزنج وان كانت الكلمة دائرة في بعض الاحيان الا انها جائت مناسبة لان الزنجي لا يمكن ان يكون رئيسا بل مملوكا او عبدا. ومن رؤسائهم ايضا سليمان بن جامع مولى بني حنظلة وآخرون قاموا ضد الدولة العباسية في عهد  الخليفة المعتمد واخيه الموفق بسبب الظلم الذي كان قائما نحوهم. قاموا بانتفاضات ومعارك طحنت جنوب السواد لعشرين عاما دوخت الدولة العباسية اذ فجرت انتفاضات اخري في المناطق الاخرى بمنطلقات فكرية وسياسية مختلفة وخاصة ثورات الهاشميين، فقد ثارت الكوفة وطبرستان اذ امتدت الى جرجان ثم ثارت الري وثارت قزوين وكان أخطرها كان الثورة التي قام بها رئيس الزنج علي بن محمد الذي كان شاعراً وعالماً، يمارس تعليم الخط والنحو والنجوم ثم سجن لانه كان قريبا من الخليفة المنتصر بالله الذي سممه الجندرمة الأتراك ثم حدث تمرد من فرقة (الجند الشاكرية) في بغداد، شارك فيه العامة، فاقتحموا السجون فأطلقوا سراح علي بن محمد فتيمم شطر البصرة. وكان الزنج يتولون اشق الاعمال في البصرة المليئة بالرقيق يعملون في الارض السباخ ويجمعون الملح ويقومون بالعمل  الشاق في ظروف قاسية غير انسانية، تحت اشراف وكلاء غلاظ  قساة، لحساب ملاك الأرض من أشراف العرب ودهاقنة الفرس وكان بعضهم من فقراء العرب الذين يسمونهم (الفراتين). يذكر الطبري (أن صاحب الزنج ادعي أنه عرف ما في ضمائر أصحابه وما يفعله كل واحد منهم وأنه سأل ربه بها آية أن يعلم حقيقة أمره فرأى كتابا يكتب له وهو ينظر إليه على حائط ولا يرى شخص كاتبه) وبعد أن استقر سنة واحدة في مدينة السلام توجه للبصرة مرة أخرى، يدعي حسن الأمين إن البطر والبذخ الزائد الذي عاشه أهل البصرة كان سببا في ظهور هذه الحركة. ويبدو أن الأمة التي اعتادت على ترف الحكام وظلمهم أصحبت هي الأخرى تعاني من هذه الحالات، وعلى أساس ذلك يبدو أن ثورة الزنوج كانت ثورة على وضع الأمة الفاسد قبل أن تكون على الحكام الظالمين. تناسي الاستاذ الامين انها ثورة قام بها الزنج من اجل ازالة التفرقة العرقية واللونية التي كانت سائدة آنذاك ولا يمكن اعتبارها سياسية وان كان قد اشترك فيها الموالي الفرس وانصار آل البيت وكان العباسيون في أوج تدهورهم بتحكم العسكر المغول والخصيان فاصبح قائد الجيش هو الخليفة وعندما حاول الخليفة المعتمد الهروب من سامراء الى مصر، ألقوا القبض عليه وأعادوه الى قصر الخلافة سجينا قرقوزا.
 يدعي  سيد أمير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب أن صاحب الزنج أباح لأتباعه أرذل أنواع الخلاعة والفجور فاسمي صاحب الزنج بالخبيث. انه النفاق والكذب على التاريخ، ويقول متبجحا انه انضم تحت لوائه العبيد من مختلف أنحاء البلاد فقوي بهم ساعده وأعلن نفسه سيدا على كلدة والأحواز. ومن الانحيازيات في التسجيل التي ذكرها السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء ان صاحب الزنج قتل 300 ألف شخص في يوم واحد بالبصرة، وهذا امر غير معقول ففي عصره لم تكن هناك اسلحة الدمار الشامل التي مارسها صدام على الاكراد والعرب، ويضيف قائلا انه دخل البصرة وأحرقها وقتل أهلها كما ماقال الطبري. فأتاه مواليهم وبذلوا له على كل عبد خمسة دنانير ليسلم إليه عبده فبطح أصحابهم وأمر كل من عنده من العبيد فضربوا مواليهم أو ووكيلهم وكل سيد خمسمائة سوط ثم أطلقهم.
ومن يرى اوضاع الزنوج قبل الثورة انهم لم يكونوا ناقمين على مالكيهم فقط بل بالدرجة الاولى على اولئك الذين كانوا يمسكون بالسياط القساة الذين يضربونهم دون رحمة والولاة المرسلين من الخليفة الذين كانوا من العسكر الذين لم يعرفوا غير الشراسة والقتل وواحد منهم الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ولى العراق في فترة حرجة من التاريخ. ويرى حسن الأمين بأن ترف أهل البصرة آنذاك كان أحد أسباب هذه الحركة حيث قيل ان ترف البصريين كان أهم الأسباب لحركة الزنج إذ كان كل غني من البصريين يمتلك العشرات من الزنوج والزنجيات وكان عمل أولئك الزنوج اضفاء الفخفخة لمستعبديهم كحمل السيوف المذهبة وركوب الخيل والمشي وراء سادتهم. واستولى الزنج في تمردهم على البحرين والبصرة والأبلة والأحواز والقادسية  وواسط وباذاورد والنعمانية وجرجرايا ورامهرمز والبطيحة وخوزستان وعبادان وأغلب سواد العراق. وقد كانت أطول الثورات ضد العباسي وأخطرها. وكانت نهايتهم في حملة يقودها لؤلؤ غلام ابن طولون، خان سيده والتحق بالموفق الخليفة العباسي، في حصارا لعاصمتهم (المختارة) استمر أربع سنوات وانمحت سطوتهم عام (883 م) حيث استمرت ثورتهم 20 عاماً وقيل عنهم في عزهم انهم اقتسموا الدنيا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com