في ذكرى مجلة

 محسن ظــافــرغريب / لاهاي

algharib@kabelfoon.nl

في سنة أولى ألفيّة ثالثة للميلاد2001م، بدأ الإعلام العربي يتململ في قمقمه ليشبّ عن طوقه الإقليمي مع أحداث 11 أيلول الأميركي عامذاك، ومع تحوّل العالم الى قريّة كونيّة يحتفل في3 أيارماي للتعبير عن يوم الصحافة العالمي وحريّة التعبير التي إعتمدت التكنولوجيا الإلكترونيّة للخروج الإفتراضي مع شبكة الإنترنت العالميّة الى رحاب سماوات بلاط صاحبة الجلالة الملكة الكلمة، السلطة الرابعة، إذ مُذ خلق الإنسان ولد بداخله الفضول الذي يدفعه للبحث ومعرفة ما يحدث حوله، ومُذ وجود المجتمع البشري وتناقل الأخبار شفوياً يعد جزءً من الحياة اليومية للأفراد. فلم يتقوقع الإنسان داخل ذاك القمقم، إنما تطلع لوسيلة تحفظ ما يقول، فإخترع الإنسان الرافدي الحرف المسماري لرفد البشريّة بقبس من نور الحكمة، إكتشافه الكتابة في مهد الحضارات والقانون والعجلة رمز المواصلات والإتصالات، العراق، من حيث بدأ التاريخ رحلة جديدة، فحاول فيها البعض نشر أفكارهم على بعض أوراق البردي وتوزيعها منذ القرن4ق.م. بيد أنّ أوّل ما يمكن تشبيهه بالصحافة التقليدّة ذاك المنشور الذي ولد في الإمبراطورية الرومانية تحت حكم القيصر جوليوس حوالي 60 ق.م.، وأطلق عليه "أكتا ديورنا" ويعني "أحداث اليوم" وظل تقريباً حتى عام 235 م. وقد كانت مهمة العبيد آنذاك مشابهة لأشياخ شبكة الإنترنت، في نسخ أعداد كبيرة منها لتوزع بعد ذلك في الأماكن العامة والمحلات التجارية، وتنشر بها الأحداث الحربية الهامة وأخبار الزواج والوفاة ومواعيد المسرحيات والأحداث الرياضية، هذا فضلآ عن توزيعها في المدينة على كل من يعرف القراءة والكتابة. وكانت تلك المطبوعة تُبعث الى كافة أرجاء الإمبراطورية.

يوليوس قيصر مؤسس المنشور القديم"أكتا ديورنا"
مجلات "يدوية"

وفي عصر الرومان ظلت المنشورات غير الدورية المكتوبة بخط اليدّ تُوزع هنا غربي أوربا العجوز، وتتضمّن العديد من الأخبار الحربية والسياسية والمواضيع العامة، كما كانت تحتوي على إعلانات تجارية وتوزّع في الأماكن العامة. وكانت أشهرها في القطر الأوربي الجار ألمانيا الذي مرّ بما مرّ به العراق لاحقا، ألى وهي "فوجرتسايتونج" التي أصدرتها المؤسسة التجارية فوجر في مدينة أوجسبورج بين عامي 1568-1605م، وتعني كلمة "تسايتونج" بالجُرمانية القديمة أخبار أو أحداث جديدة. وكانت تعتمد في بعض أخبارها على مكتب مراسلة أنشأه جيريميا كراسر وجيريميا شيفل في مدينة فينيسيا عام 1571م. ومنذ ذاك الحين بدأ ظهور وكالات الأنباء بشكل مبسط وبدأ عمل المراسلين وكان معظمهم من العاملين في المحال التجارية والكنائس، وكانوا يرسلون المعلومات عبر البريد. واحتوت بعض هذه المجلات على الرسومات، كما كانت النماذج الخشبية والنحاسية تستعمل لنسخها . وإلى جانب الأخبار والإعلانات انتشرت أيضاً الأخبار المثيرة كالحوادث ومسارالنجوم والمذنبات وطرد الأرواح والشياطين وغير ذلك.


الطباعة والثورة الصحافية

تمثال جوتنبرج في مدينة ماينز
وفي عام 1450م، وُلدت تقنية الطباعة على يد يوهانس جوتنبرج من مدينة ماينز الألمانية، لتحدث قفزة في آفاق المعلومة المكتوبة. وفتح هذا الإختراع الطريق أمام انتشار الصحف بشكل غير مسبوق، فقد أصبح صدور جريدة دورية ومتجددة أمراً في متناول اليد. وبدأت المحاولات لطباعة المنشورات غير الدورية، تلتها المجلات الشهرية. أما أّول صحيفة بالمفهوم التقليدي فكانت صحيفة "رولاسيون" الأسبوعية وتعني آصرة، وتأسست في مدينة ستراسبورج الألمانية عام 1605م، ومن ثمّ
توالى انتشار الصحف في بازل (1610م) وبرلين (1617م) ولندن (1621م) وباريس (1631م) وتبعتها مدن أوروبية عِدّة. وتطورت الصحف والمجلات بشكل كبير، وأصبحت أحبّ ما يطالعه البشر رُغم إنتشار الصحافة الإلكترونيّة. و زادت محتويات الصحف تنوعا، لتحمل متونها العديد من هوامش الآراء وتفتح للمجتمع المدني باب حريّة السلطة السياسية الخامسة، فكانت المُحرّك الأوّل للحركات الديمقراطية التي غيّرت وجه أوروبا. ولم يكن التغيير على الصعيد السياسي حسب، إنمّا أفضت أيضاً أخبار الإكتشافات العلمية والإقتصاد إلى ثورة ثقافية عظمى. ولذلك فإن انتشار الصحافة المطبوعة يُعد إحدى نقاط التحوّل الرئيسة في تاريخ البشرية. وعلى هذا الأساس إحتفت مدينة ماينز، مسقط رأس مخترع الطباعة ، بمرور أربعة قرون على مولد أوّل صحيفة مطبوعة عبر معرضها بين 9 تموز يوليه و30 انون الأوّل ديسمبر الماضي في متحف جوتنبرج بماينز.


نشأة الصحافة العربية
مازالت الرقابة تتحكم في الصحافة العربية في العديد من الدول
مع حملة (شيخ الإسلام) نابليون بونابرت على هبة النيل مصر، وعثور الضابط الفرنسي فرانسوا بوشار على حجر رشيد في19 تموز يوليه1799م، الذي هو عبارة عن وثيقة وضعها كهنة مصر القديمة في العهد البلطمي لدى تنصيب بطليموس الخامس ملكا على مصر* انتقل الكثير من الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية، من بينها فكرة الصحافة المكتوبة وإصدار الصُحف، فنشأت صحيفة "التنبيه" أوّل صحيفة عربية، وقد ساهم المُترجمون اللبنانيون في تحريرها بشكل كبير. أمّا أوّل صحيفة عربية يصدرها عربي باسمه فهي صحيفة "السلطنة" التي أنشأها اللبناني إسكندر شلهوب في إسطنبول عام 1857، ثم نقلها إلى القاهرة، لكنها لم تستمرّ سنة واحدة. ونجم عن اختلاط اللبنانيين المُبكر بالأوروبيين وتأثرهم بهم تفوقهم في مجال الصحافة. ويُعتبر الكثير من المؤرخين أن بداية الصحافة العربية الحقيقية جاءت على يد خليل الخوري بصحيفته الشعبية "حديقة الأخبار"، حيث أن كلّ ما سبقها كانت صُحف حكومية تنشر آراء الحكومة دون غيرها كما كان عليه الحال في عراق القرن الماضي. وجاء قانون الصحافة الذي صدر في مصر سنة 1881م، ليقيد طباعة الصُحف بشكل كبير، ما سبب إحباطاً للعاملين في الصحافة المصرية، وكان ذلك يرفد مصلحة الإ نتداب البريطاني الذي كان يملك السيطرة التامة على الإعلام في وادي الرافدين وفلسطين ووادي النيل مصر والسودان. وعدا بؤرة الإشعاع الحضاري العراق، حتى يومنا هذا مازالت للرقابة سلطة كبيرة في العديد من البلاد العربية، في الوقت الذي فتحت فيه الصحافة التلفزيونية والصحافة الإلكترونية على الإنترنت المجال رحبا لكل من يرغب التعبير عن رأيه بمنتهى الصراحة.

أن تداعيات11أيلول2001م، الإرهابيّة السلفيّة الوهابيّة هزّت أركان التعايش السلمي المشترك بين الأديان والشعوب لتضع حملها السفاح السعودي المنشأ الأميركي الصناعة، على الخط الأوّل للنار أرض السواد العراق. كما أن انعكاساتها لم تقتصر على للوبي السعودي على أرض الحرمين شبه جزيرة العرب والخليج – الصهيوني السياسي على أرض العام سام، بل إمتدت لتتحول إلى تبرير سياسي للإدارة الأميركية لفرض مشاريع سياسية غير واقعية على غرار محاولة فرض مشروع شرق أوسع بدأ بإسقاط بأرض الرافدين وانتهى أخيراً بحرب الوكالة في لبنان. غير أن التأثير الأوضح لغزوات السلفيّة السعوديّة على الأقطار العربية يتجلى في مولد إعلام عربي جديد من رحم هذا الإرهاب البربري البغيض يتعاطى العلائق الشائكة بين العالمين العربي الإسلامي- الغربي، على خلفيّة صراع وحوار الحضارات بروح العصر وبأسلوبه النقدي الذي لايفسد للودّ قضيّة، من قبيل انتقاد المعهد الدولي للصحافة طلب الجيش الأميريكي من عدّة وسائل إعلامية عدم إذاعة صور الانتهاكات التي تعرض لها السجناء في العراق، والتي أثارت غضبا دولياً عارماً ودعوات إلى استقالة وزير الدفاع الأميريكي المستقيل دونالد رامسفيلد. وعلاوة على ذلك فقد حذرت تقارير شارك المعهد المذكور في صياغة محتواها من "استمرار محاولات السلطة التنفيذية في الدول الغربية الخروج عن الإلتـزامات الدولية المُتفق عليها، وهو ما يُشكل أحد السمات الرئيسة لمنهج الإدارة الأميركية في سياق "الحرب على الإرهاب". وقد بدأ المؤتمر الدولي للصحافة كهيئة مُنظمة لعمل الصحافة والإعلام أعماله في العاصمة الكينية نيروبي بتوقع للصحافة مشاركة عدد كبير من المختصين في دراسة وتحليل التطورات التي يشهدها هذا المجال، فضلآ عن عدد ضخم ضمّ العاملين في حقل الإعلام من شتى أصقاع المعمورة. ويأتي هذا المؤتمر في ظل التقييد المتفاقم لحرية الصحافة ومحاولات صُناع القرار السياسي التأثير المباشر عليها أو تطويعها كأداة لخدمة أهدافهم السياسية وهو ما ظهر جلياً في غضون فرار صدّام وإعدامه كما كان من قبل في العراق.
نشاطات المعهد الدولي للصحافة
حرية الصحافة مهددة في شتى أنحاء المعمورة
ويُمثل المعهد الدولي للصحافة، الذي يتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقراً له، شبكة عالمية من رؤساء التحرير والصحفيين والمديرين التنفيذيين في وسائل الأعلام. وتقوم هذه الهيئة الإعلامية الدولية بتوثيق الإنتهاكات التي يتعرّض لها الصحافيون خلال ممارستهم لعملهم، فضلآ عن تحليل التطورات الهامة والجديدة في حقل الإعلام في أقطار العالم المختلفة ومقارنتها بالنصف الأوّل للعقد الأوّل للألفيّة الثالثة للميلاد. كما شارك في تنظيم لقاءت على الصعيد الإقليمي، من قبيل مشاركة مديره جوهان فريتنز في مؤتمر إقليمي- عربي بعنوان "الإعلام والحكم الصالح" أواخر نصف العقد الماضي بدعوة من مركز حماية وحريّة الصحافيين في المملكة الأردنية الهاشمية. وإلى جانب ذلك يمنح المعهد الدولي للصحافة جائزة ريادة الإعلام الحر سنويا للأفراد أو المنظمات المناضلة لأجل إعلام يتمتع بقدر أكبر من الحرية والإستقلالية في بلادهم.

مِنبر للدفاع عن رسالة الصحافة

رمز منظمة مراسلون بلا حدود
ولا تقتصر نشاطات المعهد على المجال الأكاديمي وبرجه العاجي فقط، بل إنها التزمت منذ ولادته بالدفاع عن حرية ورسالة العمل الإعلامي النقدي والجدي. إذ انتقد في أكثر من مناسبة، أسلوب تعامل القوات الأميركية مع الحقوق الأساسيّة للصحافة في العراق وهاجم موقفها من حرية التعبير ومعاملتها للصحافيين عراقيين وأجانب سواء بسواء. وفي قرار له صدر في الإجتماع السنوي لجمعيته العامة أن الإجراءات التي اتخذت ضدّ محطات تلفزيونية ناطقة بالعربية أمور تثير بواعث قلق جدّية بصدد مدى فهم واحترام التحالف الحاكم في عراق ما بعد حزب صدام الفاشي لحقوق الأعلام.

مولد صحافي وصحيفة؛ وُلد رودولف أوجشتاين (1923- 2002م) في مدينة هانوفر شمالي القطر الجار ألمانيا، لعائلة كاثوليكية، حيث عمل والده تاجرا وكان الأصغر بين إخوته الستة. في العام 1941م، بعد إنهائه الدراسة الثانوية عمل أوجشتاين كصحافي تحت التدريب في إحدى الصحف المحلية بمدينة هانوفر Hannoverschen Anzeiger . في العام 1945م، وبعد إنهائه الخدمة العسكرية الإلزاميّة وانتهاء الحرب الكونيّة الثانية عمل أوجشتاين صحافياً لدى إحدى الصحف الصادرة في مدينة هانوفر ليتولى بعد ذلك منصب رئيس تحرير المجلة الإخبارية "هذا الأسبوع" (Diese Woche)، التي صدرت برعاية القوات البريطانية، كما هو حال صحيفة"الصباح" البغداديّة التي صدرت في ظلّ الإحتلال الأنجلوأميركي، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا بعد الحرب الكونيّة الثانية مُقسمة إلى مناطق نفوذ تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفيتي.
وقبل6 عقود من الزمن الصعب، في مثل أمس الأوّل4 كانون الثاني يناير من عام1947م، حصل أوجشتاين مع المصور رومان شتمبكا والتاجر جيرهارد بارش على حقوق النشر للمجلة من الجيش البريطاني. وسرعان ما قاموا بتغير إسم المجلة ليصبح اسمها "Der Spiegel". واتخذ من صحف كالصحيفة الإنجليزية "News Review" والأميركية "Time" مثالا له، وضع حجر الأساس للصحافة الحرّة في ألمانيا.
في العام 1952م أخذت المجلة من مدينة هامبورج مقرا لها، كما أنّ شريكا أوجشتاين، المُصوّر رومان شتمبكا والتاجر جيرهارد بارش، خرجا من شراكة المجلة ليدخل جون ياهر شريكا لأوجشتاين حتى عام 1969م، ليصبح أوجشتاين بعد ذلك المالك الوحيد للمجلة. في العام 1953 أصدر أوجشتاين كتابه الأوّل الموسوم بعنوان "Deutschland-ein Rheinbund؟". وفي العام1955م، أصبح أوجشتاين عضوا في الحزب الديموقراطي الحر(FDP).
وفي شهر تشرين الأوّل أكتوبر سنة1962م، قام أوجشتاين بتسليم نفسه للشرطة يومين بعد أن قامت هذه بتفتيش مكاتب المجلة إثر تحقيق صحافي قامت به مجلة"Der Spiegel" والذي كشف نقاط ضعف أنظمة دفاع الجيش الألماني، ما أدى إلى توجيه تهمة الخيانة العظمى إليه. وفي شباط فبراير للعام 1963م أطلق سراج أوجشتاين لتسقط التهمة عنه بشكل نهائي في عام 1965م وذلك بعد إسقاط الإتهامات التي وُجهت إليه.
تجربة سياسية قصيرة جدا

رودولف أوجشتاين أثتاء أداءه اليمين الدستوري في البرلمان الألماني
أصدر أوجشتاين في العام 1968م، كتابه "Preußens Friedrich und die Deutschen"، الذي تصدر قائمة المبيعات لتلك السنة. وفي تشرين الثاني نوفمبر 1972م، أصبح أوجشتاين عضوا في البرلمان الألماني (البوندستاغ) بعد ترشحه على قائمة الحزب الديموقراطي الحر (الحزب الليبرالي)، لكنه سرعان ما اغتنم فرصة تخلي رئيس تحرير مجلة "Der Spiegel" جونتر جاوس في ذلك الحين عن منصبه ليستقيل من البرلمان في شباط فبراير 1973م، ويتولى هو رئاسة تحرير المجلة. وبعد فترة قصيرة وضع أوجشتاين سنة1973م، سياسة جديدة لدار نشر Der Spiegel أصبح بموجبها العاملون في المجلة شركاء في ملكيتها، ما ألهم فكرة " الكتاب الأخضر" لإقامة أوّل جماهيريّة عربيّة شعبيّة إشتراكيّة في أقاليم ليبيا .
وفي الأعوام التي تلت، حصل أوجشتاين على ألقاب فخريّة من جامعات عدّة خارج ألمانيا تكريما لعمله الصحافي من ضمنها جائزة "المؤسسة الدوليّة للصحافة" في بوسطن، حيث تم تسميته كأحد أهم الشخصيات العالمية في نصف القرن الأخير الذي قام بالدفاع عن حرّية الصحافة. توفي أوجشتاين في 7 تشرين الثاني2002م، إثر التهاب رئوي، بعد أيّام من احتفاله بعيد ميلاده 79 .
لتكيف مع مستجدات الإعلام الالكتروني

العدد الأول الذهبي من مجلة "ديرشبيجل" الذي صدر عام 1947
رُغم مرور عدة عقود على تأسيس مجلة "Der Spiegel"، إلا أنها استطاعت أن تتكيف مع المستجدات التقنية في الحقل الإعلامي. فقد جاء إطلاق الموقع الإلكتروني لهذه المجلة عام 1994م، انسجاما مع رسالتها الإعلامية في مواكبة العصر وتتويجا لهذه المسيرة المتواصلة من العطاء، إذ يُعد هذا الموقع من أكثر المواقع الإعلامية الإخبارية زيارة للناطقين باللغة الألمانية. جدير بالذكر أن حجم مدخولات مؤسسة "Der Spiegel" الإعلامية وصل العام الماضي إلى 322 مليون أويرو. كما أن جزءا من الأرباح يذهب إلى العاملين، سيّما وأن أوجشتاين، الذي توفي سنة2002م، كان قد أهدى العاملين نصف أسهم هذه المؤسسة الإعلامية. وتضم مؤسسة Der Spiegel اليوم نحو 400 عامل في أقسام التحرير المختلفة و110 عامل في الأرشيف و360 عامل في أقسام الدعم اللوجستي والفني، والمجموع الكلي نحو867 عاملآ.
لمجلة "Der Spiegel" الشهيرة أن ترى النور في 4كانون الثاني1947م، مؤذنة بمولد إعلام ألماني جديد من رحم ويلات الحرب الكونيّة الثانية. وكان تأسيس هذه المجلة الأسبوعية في بداية الأمر مغامرة وتحديا، لكنها سرعان ما حظيت بثقة القارئ الألماني، لتصبح شاهدا على أحداث تاريخية مفصلية. كما أنها لعبت دورا هاما في إعادة رسم الخارطة الإعلامية الألمانية، بوصفها مدرسة إعلاميّة إضطلعت بنشر الثقافة النقديّة وتجسيد مهام السيّد الحرّ الحرف.


أوجشتاين المؤسس ورائد الإعلام الألماني الح
لقد وضع رودولف أوجشتاين اللبنة الأساس لهذه المجلة في مدينة هانوفر مبكرا، وكان له من العمر فقط23 ربيعا. فبعد أن وضعت الحرب الكونيّة الثانية أوزارها، عاد أوجشتاين إلى مدينة هانوفر، حيث اتصل بالضابط البريطاني، جون سايمور، المسؤول عن استصدار التراخيص الخاصة بالصحف، فما كان من هذا الضابط إلا مباركة هذه الخطوة، لتكريس دعائم الديموقراطية في ألمانيا ما بعد الديكتاتوريّة كما هو حال عراق النصف الثاني للعقد الأوّل للأفيّة الثالثة للميلاد.
كان إنتقال المجلة سنة1952م من مدينة هانوفر إلى مدينة هامبورغ شمالي القطر الألماني، قد شكل نقلة نوعية في حياة المجلة ورئيس تحريرها ومؤسسها، إذ أصبحت مثالا للنجاح والعمل الصحافي، لما احتوته من موضوعات مُنوّعة في السياسة والثقافة والإقتصاد ولما فيها من دقة رصد وعمق تحليل. كما واكب تلك النقلة ارتفاع في أسهم توزيع أعدادها، ليصل إلى 121.000 عدد بعد سنوات قليلة. وقد جاء ذاك النجاح الكبير ثمرة مباشرة للجهود التي قام بها أوجشتاين وعمله المواظب لجعل هذه المجلة رائدة في مجالها ومعلما إعلاميا عملاقا، يسعى إلى الحقيقة والمعرفة. وفي هذا السياق يقول رئيس التحرير الحالي لهذه المجلة شتيفان آوست: "هذه المجلة أداة إعلامية فاعلة، لها اسمها وحضورها وتقاليدها الخاصة بها."
فضيحة عام 1962 نقطة تحول كبرى

فضيحة دير شبيجل عام 1962 تعد منعطفا في تاريخها
ثمّت محطات مختلفة ومواقف تاريخية شتى رافقت مولد وتطور مسيرة مجلة "Der Spiegel"، حيث شكلت فضيحة سنة1962م، حدثا بارزا هاما، إذ قامت تلك الفضيحة على أساس نشر مقال حول مناورة حلف شمال الأطلسي، بإسم "Fallex 62"، خلصت إلى أن الجيش الألماني يمتلك "قدرات دفاعية محدودة." وعلى هذا الأساس اتهمت حكومة المستشار الألماني الأسبق كونراد آديناور هذه المجلة بنشر معلومات خطيرة، تضرّ بالأمن القومي الألماني. كما تمّت مداهمة مقر المجلة وإستصدار مذكرات استجواب بحقّ عدد من العاملين فيها وإيداعهم السجن على ذمّة التحقيق. أثارت حملة المداهمة تلك موجة عارمة من الغضب والإحتجاج، تسببت في أزمة حكومية دفعت بوزير الدفاع آنذاك، فرانس جوزيف شتراوس، إلى الإستقالة. وعلى ضوء ذلك، اعتبر أوجشتاين مجلته بأنها "درع حامي حمى الديموقراطية." غير أن Der Spiegel، استطاعت أن تخرج ظافـرة من غبرة تلكم الواقعة، إذ واصلت مسارها بأسلوبها الصحافي لتجاوس الإقصاء والتهميش العمد
والخروج بالقصص المثيرة وكشف قصص الفساد السياسي والإداري والمالي الشبيه ما هو عليه الحال اليوم في العراق. كما اعتبر العديد من المحللين أن تلك الفضيحة قد أسست لمرحلة جديدة في الإعلام الألماني، أثبتت أنه لا سطوة سياسية على الإعلام في هذا القطر الأوربي الغربي، بل ثمّت ضوابط تنبع من أخلاقيات العمل المهني الصحافي. ومع العديد من الأصوات المنتقدة لسياسات المجلة الحالية تحت قيادة شتيفان آوست، عبرت ابنة أوجشتاين، فرانسيسكا، عن امتعاضها من تراجع دور المجلة الإعلامي الريادي النقدي وأضافت:" لقد غدت Der Spiegel، في أيامنا هذه واحدة كغيرها من المجلات الأخرى، ولم تعد لها تلك الخصوصية."
*
يدلنا المحرر العلمي بصحيفة الأوبزرفر اللندنيّة روبن ماكي، والباحث في المعهد الأركيولوجي بجامعة لندن العريقة د. عُكاشة الدالي، والباحث السوري يحيى مير علم؛ بأنّ حجر رشيد حفر لمرسوم على لوح بازلت أسود يعود تاريخه الى27 آذار
مارس192 ق.م، قوامه لايشبه إصبع أوغاريت السوري، لتكوّنه من ثلاث نصوص؛ الأوّل بُتر نحو ثلثيه مكتوب بلغة المصريين القديمة الهيروغليفيّة التي ظهرت سنة650 ق.م، لتستخدم في المُراسلات حتى تطوّرت الى اللغة النبطيّة بحرفها اليوناني في القرن8م مع إستعادة سبع تشكيلات صوتيّة من اللغة الديموطيقيّة. والثالث قوامه54 سطر باللغة اليونانيّة القديمة. في القرن4 هـ، وُلد في حاضرة الكوفة العلآمة أبو بكر أحمد بن علي قيس بن المُختار الشهير بابن وحشيّة النبطي، مؤلف
كتاب موسوم بعنوان" شوق المُستهام في معرفة رموز الأقلام "، الذي نسخ سنة241 هـ861م، و"الأقلام" هي اللغات التي بلغت89 لغة تعلمها العلآمة ومن بينها المصريّة الهيروغليفيّة، فضلآ عن معرفته بالكيمياء كما تدلّ مُصنفاته التي ناهزت الثلاثين. قبل قرنين، سنة1806م، عثر المستشرق النمساوي يوسف همر، على " شوق المُستهام " وطبعه في لندن. أهميّة هذا الكتاب في كشف مؤلفه ابن وادي الرافدين عن طلاسم" منشور منف" الشهير بحجر رشيد، بشهادة الثلاثة المذكورين الذين كانوا دليلنا على ترجمة ابن وادي الرافدين، ابن وحشيّة الكوفي، لهذا الحجر؛ ماكي، الدالي، وعلم، ويعود الى قرية أبوقير شرقي الإسكندريّة على ساحل الأبيض المتوسّط، التي كانت تعرف ببلدة كانوب وكهنتهاهم الذين كرموا مليكهم الجديد وسلموه وثيقة حجر رشيد، معتبرين ذلك نصرا عظيما لأنّ بطليموس الخامس هو فرعون مصر وليس محتلآ، فحفظ هذه الوثيقة الهامة للغاية في إرشيف مملكة مصر البطلميّة. وبعد نقل الحجر الى قلعة بمدينة رشيد نسي الأرشيف حتى عثور الضابط الفرنسي المذكور الذي دفعه الى سيّده بونابرت الذي إستسلم بعد سنتين(1801م) للقوّات البريطانيّة التي غزت مصر والتي فرضت على الفرنسيين تسليمهم ما بحوزتهم من آثار مصر ومنها حجر رشيد ليودع في المُتحف البريطاني بلندن بدلآ من مُتحف اللوفر في باريس. وفي سنة1790م، وُلدَ الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، وعندما بلغ الثامنة من العمر جاءت مصر حملة بونابرت وإنتهت سنة1801م، ونافسه الإنجليزي توماس يونج على فكّ خط حجر رشيد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com