|
صدام لايزال حياً أرّب يبول الثعلبان برأسه *** ألا ذلّ من بالت عليه الثعالب! جان كورد نعم ... صدام حسين الذي رأيناه عن طريق الفيديو، وحبل المشنقة يلف عنقه في نفس مقر الاستخبارات الذي شنق فيه نظامه بتوقيع منه الآلاف من العراقيين، عرباً وأعاجم، مسلمين وغير مسلمين، أثناء فترة حكمه الذي دام أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، لايزال حياً... ولكن حقيقة رحيله فجر يوم العيد عن المدينة التي شهدت كل أشكال طغيانه وجبروته الفرعوني وعن الشعب الذي عانى من جميع ألوان العذابات على أيديه، لايمكن أن تنتزع صدام حسين هذا من عقول الذين نسوا مسلسل بسرعة مذهلة كل جرائمه الكبيرة والصغيرة، مذابحه وقبوره الجماعية، قتله العلماء والضعفاء، هدمه القرى والأرياف والقصبات ومزارع النخيل، رميه الجماعي للشباب العراقيين وتفجير صدورهم بالديناميت، قصفه المدن والقرى في كوردستان بالغازات السامة، تصفياته الجماعية للمعارضين أو تعذيبهم حتى الموت، دفنه لآلاف الكورد الفيليين حياً في بغداد تحت اسمنت المعتقلات الرهيبة، حربه الدموية الطويلة الأمد ضد ايران التي أطلقت شعار تحرير فلسطين أكثر من كل زعماء العرب ودولهم، احتلاله للكويت الجار ونهب ممتلكات شعبها وشعبه العراقي، قتله وسجنه واختطافه للكويتيين.... الذين نسوا أو تناسوا مئات الألوف من ضحايا الأنفال في كوردستان، نساء وأطفالاً وشيوخاً... وغيره كثير مما ينساه العلاّمة العربي والداعية الإسلامي والخطيب الذين تسمعه الملايين وهو يرى على شاشات التلفزيون صدام يحمل القرآن الكريم في جلسات محاكمته أو يؤدي شهادة الإسلام قبل أن تخنقه حبال شعب العراق... صدام حسين لايزال حياً في قلوب الذين نسوا "خيمة صفوان" الذليلة بعد طرده من الكويت، ونسوا كيف أوقف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش "الأب" قواته المتوجهة لتحرير بغداد من طغيان زمرته العميلة، خوفاً من أن يسقط العراق في أيدي ملالي طهران... صدام لايزال حياً لدى الذين نسوا اختباءه في جحر ضب قرب مسقط رأسه عندما اقتحمت دبابات قوات التحالف الدولي عاصمة الرشيد، تاركاً وراءه جيشه العرمرم الذي صمد في حرب ايران عقداً من الزمن، وهو يخلع عن نفسه بذلته العسكرية المزيّنة بأوسمة الشجاعة في حرب ابادة الكورد المعروفة بالأنفال، ويتبدد كضباب الصباح بلا كرامة وبلا قائد لتنجلى للعالم كله حقيقة عدم التزامه بعقيدة البعث وبأوامر قائد العرب، بل اختفى القائد المهلم ذي "المائة إسم من الأسماء الحسنى!" دون رجاله الميامين الذين كانوا يقبلون يده كلما طلع عليهم ببذلته العسكرية البهية، بل دون ولديه اللذين كانا يخيفان العراق في كل مكان يظهران فيه، قبل السقوط الكبير، وحتى دون الآخرين من عائلته التي كانت مشغولة بتهريب المليارات من أموال العراق وذهبه إلى دول الجيران.. صدام لايزال حياً في عيون الذين نسوا أنه حمل إلى جحره مسدساً وكلاشنيكوفاً روسياً مع سجادته التي كان يصلّي عليها، ربما كانت قبضتهما ذهبية، لم يستعملهما ولولاطلاق طلقة واحدة على أعدائه الأمريكان، بل اكتفى بإعلانه أنه "الرئيس الشرعي للعراق!" حتى لايقتلوه خطاً لأن مظهره كان قد أصبح شبيهاً بمظهر الكونت دي مونت كريستو الذي سجن ظلماً لزمن طويل.... إسلاميون كبار من طراز الإخواني السوري "زهير سالم" الذي كتب مؤخراً مقالاً عاصفاً حول صدام حسين في نشرته الذائعة الصيت التي تصدرعلى الانترنت من مركز الشرق العربي في لندن، وعلماء أجلاء مثل "يوسف القرضاوي" الذي خطب اليوم في قناة الجزيرة التلفزيونية خطبة الجمعة، ومعارضون سياسيون "ديموقراطيون؟!" كالأستاذ "محمود الدغيم" الإعلامي المحبوب لدى قناة المستقلّة، يشتم من خلالها كل مرّة دكتاتورية الأسد السورية وشعوبية الشيعة، الذي قرأ شعراً عربياً كثيرا ًعن عظمة "صدام حسين"، يتحدثون عن انتقام أمريكي من صدامهم، ولكنهم لايسألون أنفسهم: لماذا لم يقتله الأمريكان فور إسقاط نظامه بأيديهم إن كانوا في لهفة للانتقام منه؟ وهم "رعاة بقر" لايرحمون كما نسمعه عنهم من الإعلام العربي...لماذا سمح رعاة البقر هؤلاء للعراقيين بمحاسبته ومحاكمته واعدامه على أيدي العراقيين، بعد أربع سنوات من اسقاطه عن الحكم؟ يتلّمس المرء من هذا الفحيح التافه الذي يطلقونه في الإعلام العربي أنهم يعتبرون صدام حسين رمزاً لأمته بعد أن فقدت كل رموزها الأخرى من طراز الزعيم المصري الكبير المرحوم جمال عبد الناصر...إن كثيرين من الذين يعقدون مجالس العزاء الصدامية وأيتام صدام خاصة من البعثيين والتكفيريين والإرهابيين والزعماء الذين يخافون من مصير كمصير صدام حسين، لايغالهم في قتل الناس، يسعون لنفي جريمة القتل الجماعي واستخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً وجريمة ابادة شعب ضد الشعب الكوردي، ويريدون إظهار صدام حسين الذي أخرج عنوة من جحر قذر وهو في حالة حرب مع المحتلين لبلاده وكأنه كان بطلاً عربياً من طراز خالد بن الوليد وحمزة بن عبد المطلب، كاد يسقط في ساحات الوغى، لولا أن إيمانه باحتمال عودته إلى حكم العراق عن طريق صفقة مع الأمريكان قد غيّرت من فكره ومنعته عن المقاومة...كما يعملون جاهدين لاظهار اعدام صدّام حسين وكأنه "اعدام للعرب!" ويتمادون في صقل وتلميع سمعته الملوّثة بالجريمة وتحويله من سفّاك دماء الأبرياء كما في مأساة الدجيل وفي طول كوردستان وعرضها إلى "الشهيد الرمز" في زمن القفر والجفاف الثوري، لمجرّد أنه أطلق عدة صواريخ على اسرائيل لجرّ العرب والمسلمين جميعاً إلى صفه، ثم توّقف فوراً عن إطلاق أي صاروخ آخر، بل أكّد لاسرائيل أنه لن يهاجمها وأنه كان بحاجة إلى "دعاية صاروخية من العيار الخفيف" في أيام الشدة... هؤلاء يتناسون أن السيد حسن نصر الله وحزبه الألوهي قد أطلقا آلاف الصواريخ قبل شهور قلائل على اسرائيل دون مزاح، فلم يجتمعوا حوله مثلما يجتمعون حول رفات صدامهم هذا... لماذا لأن حسن نصر الله شيعي، والشيعة لدى هؤلاء "صفويون" وأشد خطراً على الأمّة العربية من اسرائيل!... والسؤال الذي لم يجب عنه هؤلاء بعد:"لماذا تركزا هذا العظيم يسقط دون تقديم المساعدة له، إن كانوا حقاً يعتبرونه مجاهداً كبيراً؟..." هذا المكاء الجاهلي الحديث وهذه التصدية المرونقة ببعض آيات الذكر الحكيم، تؤجج من نار الطائفية، وكذلك الزعم بأن الشعب العراقي كلّه كان ضد محاكمة صدام وتوجيه تهم الجرائم بحق الإنسانية له واعدامه لمجرّد أنه بدأ يحمل القرآن في قفص الاتهام ويؤدي واجبه بترديد الشهادة الإسلامية، وهذا افتراء، فالشعب العراقي، وبخاصة الشيعة الذين يشكلّون الغالبية في العراق، ومعهم الكورد الذين غالبيتهم من السنّة، وكذلك الأقليات الدينية والعرقية لم يعقدوا مجالس عزاء لصدام، بل رقصوا وزغردوا وفرحوا ويتمنون الموت لكل أعضاء جوقته المجرمة التي لاتزال توجه إليهم تهم ابادة الشعب الكوردي في عمليات مخططة ومدبّرة ومنظّمة على نطاق واسع وعلى أعلى المستويات وبأوامر من سيد العروبة صدام حسين المقبور...هؤلاء ينسون أن صدام حسين كان يتوسل لأن يظل في حماية الأمريكان وليس أبناء شعبه لأنه كان يدرك تماماً ما سيفعله العراقيون به إن سقط في أيديهم... هذا المكاء وهذه التصدية يا علماء الإسلام العروبيين يذكرّني بقول شاعر عربي جاهلي عندما رأى ثعلباً يبول على صنم كان يعبده: أرّب يبول الثعلبان برأسه ألا ذلّ من بالت عليه الثعالب!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |