لماذا يهلل المسلمون لفوز إليسون؟

نضال نعيسة / لندن

sami3x2000@yahoo.com

رافقت عملية تأدية النائب الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا كيث إليسون، وهو مسلم أمريكي مهاجر من أصل أفريقي، ومحام يبلغ من العمر 43 عاماً، حملة دعائية كبيرة من قبل "إعلام التضليل الشامل"، الذي تحدث بفخر واعتزاز وخيلاء عن وصول أول نائب مسلم، من أصل أفريقي، ولأول مرة إلى أروقة الكونغرس الأمريكي، واعتبر ذلك نصراً للإسلام والمسلمين وأن هذا الفوز هو هزيمة نكراء للولايات المتحدة، وللصليبية الجديدة، وتقدم آخر باتجاه قيام دولة الخلافة الإسلامية الموعودة. ومن الجدير ذكره أن القوانين الأميركية لا تشترط أن يقوم النائب بأداء قسمه على أي كتاب مقدس، إلا أن إليسون أصر على أن يؤدي قسمه على القرآن، الذي قال إنه يمنحه الإلهام. وتأكيداً على قيم التسامح والتعايش واحترام العقائد والأديان، استجيب لطلبه على الفور، وأحضرت نسخة من القرآن، كانت موجودة في مكتبة الكونغرس وتعود ملكيتها للرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون حيث أدى عليها السيد إليسون القسم المعهود.
وفي الحقيقة هناك الكثير من الإشكاليات التي تكتنف هذا الخطاب التضليلي التسطيحي الاستفزازي. وأول هذه الإشكاليات هو ملاحظة هذا الكم الهائل من التهليل والنرجسية الفارغة حين يقوم أي مسلم بأي عمل كان، ومهما كان بسيطاً، وكأن المسلم إنسان معوق فكرياً وجسدياً، ولا يقوى على فعل شيء وغير قادر على الإبداع مطلقاً. أو كما يحاول أن يوحي أصحاب هذا الخطاب التهريجي الذي يصب في صالح النزعة الأحادية العصموية الاستئصالية لجماعات الإسلام السياسي، بأن الإبداع هو خاصية إسلامية بحتة، أنعم الله بها على المسلمين دون سواهم من البشر، وفي هذا لغط، ومجافاة كبيرة للواقع. فمعظم الاختراعات العظيمة والهامة التي أتت بها البشرية كانت عن طريق الغرب الأوروبي والمسيحي تحديداً، وأولاً، والأمريكي لاحقاً، ولا علاقة للعرب والمسلمين بها، لا من قريب ولا من بعيد. ومع العلم الفاقع أن الديمقراطية، والانتخابات، والليبرالية، والعلمانية، التي أوصلت إليسون لمقعد الكونغرس هي منتجات غربية صرفة وبامتياز، ولم تكن موجودة يوماً ما، في التراث العربي، والإسلامي، وينظر الإسلامويون إليها بشك، وريبة فظيعين.
وفي الحقيقة فإن هذه العملية، برمتها، وإن كانت نصراً بأي من أوجهها، وتأتي بالأساس ضمن سياق سلوكي اعتيادي في القيم الغربية الحديثة، فهي انتصار للعملية السياسية الديمقراطية الأمريكية نفسها، أولا وأخيراً، وتزكية وتكريماً لها، وليس للسيد إليسون أبداً، حيث لا يوجد فيه ما يميزه عن أقرانه المنتخبين. فتلك العملية هي التي سمحت بوصول أول مسلم للكونغرس الأمريكي، في الوقت الذي لا يوجد فيه انتخابات نزيهة وحقيقية، ولا من هم يحزنون، في معظم الدول الإسلامية التي يهلل هؤلاء العزّيفة الطوباويون لهذا "الفوز العظيم". فعجباً كيف يطبلون ويزمرون لفعل ديمقراطي وانتخابي وهم لا يعترفون به، أصلاً، ولا يمارسونه، مطلقاً، ومنهم من يحرّمه ويحاربه علناً ويعتبره بدعاً صليبية كافرة حاقدة.
ثم إن فوز السيد إليسون بهذه الانتخابات، وتبوأه لهذا المنصب هو انتصار للديمقراطية والقيم والدستور العلماني الأمريكي، الذي يتيح لأي مواطن، ليس مجرد الوصول للكابيتول هول فقط، وإنما للمكتب البيضاوي، نفسه، مقر أقوى رجل على وجه الأرض، دون النظر إلى دينه وعرقه، ولونه، وأصله، وفصله، وطوله، وعرضه، وأصول قبيلته، ونسب عشيرته، وشجرة عائلته، وفصيلة سلالته. وهو ليس، بالتأكيد، انتصاراً للقيم الإسلامية التي تحرم على "الذميين" والكفـّار المارقين، وبعض "الفرق الضالة"، وحتى للمرأة المسلمة نفسها، من "الولاية"، أوقيادة سيارتها للوصول إلى "سوق الخضرة"، وليس الوصول إلى أي مكان آخر، فما بالك بمقر الكونغرس أو البرلمان. إن هذه الدعاية والفزعة المضرية البائسة هي، عن جهل وغير قصد، ليست للسيد إليسون، وإنما لأمريكا بالذات التي لم تحرم لا على المسلم، ولا على غير المسلم المشاركة، ولا تلتف، ولا تناور ولا تتشاطر ولا تنكر أبداً على أحد حقوقه التي وهبه إياها الدستور الأمريكي. ولا بد هنا من الإشارة لمن يعتقد أن يقوم السيد إليسون بتقديم مصالح المسلمين على مصالح أمريكا، والأمريكيين فهو، حالم وواهم كبير.
هذا ولا ينظر الدستور الأمريكي لمواطنيه من وجهة نظر ابن الجارية وابن الست، كما هو معمول به في معظم الدول، والأمصار، والولايات، والمزارع والتابعيات العربية و الإسلامية، ولا من باب أنهم مسلمون، أو مسيحيون، أو بوذيون، أو خنفشاريون أو يدينون بأية ديانات "مريبة" وغريبة أخرى. كما أن الدستور الأمريكي لا يقول بأن الإنجيل، أو القرآن، أو التوراة، والزبور، أو الكتاب الأخضر والأحمر والأزرق، هو المصدر الوحيد للتشريع، وأن دين الرئيس الأمريكي يجب أن يكون هذا، أو ذاك. إذ لم يجد الرئيس الأمريكي الأسبق جون فيتزجيرالد كينيدي المسيحي الكاثوليكي أية صعوبة، أو غضاضة في الوصول لسدة الرئاسة في بلد ذي أغلبية، وقيم بروتستانتية تتسم بالصرامة والمنهجية العقائدية المتشددة. أن هذا مديح وتكريم مجاني قام به إعلام التضليل الشامل للأمريكان، "عن حسن نية"، في هذه المرحلة التي تغلي ضد كل ما هو أمريكي في المنطقة العربية. ومن وجهة نظر شخصية بحتة، فلقد ازداد احترامي وتقديري للدستور والقيم الأمريكية بسبب ذلك، وليس بالسيد إليسون حصراً، مع استمرار موقفي الثابت من بوش وزمرة المحافظين الجدد.
وإن السيد إليسون اليوم أمام تحد كبير ليمحو تلك النظرة التي سادت عقب أحداث 11 أيلول عن الإسلام والمسلمين، وعليه أن يتصرف، ومن موقعه كمواطن أمريكي بعقلانية وحكمة وبعد نظر لا كما يتصرف ابن لادن والظواهري وفيلق الزرقاويين. وفي ذات الوقت، إن على من هلل لفوز إليسون، أن يصلح من ذاته، ويتمثل ذات القيم والأفكار التسامحية العصرية، والنهضوية العلمانية التي أتاحت للسيد إليسون بأن يتبوأ هذه المكانة الطيبة التي وصل إليها، ويحاول أن يطبقها في محيطه الحجري. والسؤال الأهم لماذا يهلل المسلمون لفوز إليسون ولا يهللون للقيم والأسباب التي أدت لفوزه، بل تراهم يحاولون محاربتها وطمسها وإزالتها من الوجود، ولا يتركون فرصة وسانحة للطعن بها وتحقيرها؟
لهذه الأسباب مجتمعة، وليس لغيرها، وليس لأن على رأسه ريشة أو شيشة، فقد وصل السيد إليسون للكونغرس الأمريكي، ولأنه مواطن أمريكي يعيش بكنف، ونـِعَمِ الدستور العلماني الأمريكي العظيم. وإذا كان هناك من غرابة، أو دهشة، حقاً، في القضية كلها، فهي فقط، في ذلك الخطاب، والعقل البهيم السقيم العقيم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com