شخبطة على الحائط   

عبثنا بتراث الاجداد فحلت علينا لعنات التاريخ

منارة الملوية تحدت الازمنة الرديئة ولكنها تعاني الشيخوخة

توما شماني – تورونتو / عضو اتحاد المؤرخين العرب

tshamani@rogers.com

في محاضرة للدكتور كامل طه باقر عن ملحمة كلكامش عن والده الطيب الذكر طه باقر في المهرجان العراقي الكندي الثالث جاء تساؤل في المحاضرة عن من الذي حطم الاثار المتروكة لنا عبر الدهور، حاولت في اللقاء ان الخص ما احدثنا نحن في تراث الاجداد من دمار عفوي اومتعمد في المتروك لنا وهو تراثنا العريق عبر الدهور يفخر به المؤرخون واصحاب الفكر الحر.

الذي قلته اولا ان آثار بابل في الحلة قد محي الكثير منها اذ ان مدينة الحلة القديمة قد بني اكثرها بالطابوق البابلي الذي كان الكثير منه يحمل الكتابات التارخية اما المدفون منه فقد استكشفه الالمان الاعاجم وليس هذا فحسب فقد عثرت على الكثير منه استخدم في قصور بغداد في عهود آتية وهناك اسانيد تشير الى مدينة الكوفة قد بنيت بالطابوق الماخود من قصور الحيرة كالخورنق والسدير وغيرهما وقاشان نينوى كانوا يسرقونه لتنقيش التنانير في صنع الخبز. وسور بغداد المدور العظيم لم تبق منه طابوقة واحدة. طاق كسرى بقي صامدا مدي الدهور ومنها سبي بغداد من قبل هولاكو. كان متناظرا في الشكل ولكن العثمانيين جعلوه مخزنا للاسلحة في الحرب العالمية الاولى. انفجرت الذخائر فانمحى احد جناحية فبقي الطاق ولايزال قائما يتحدى الازمان الرديئة وبقي منه طاق وجناح واحد. اما المسنتنصرية فقد جعلوها اسطبلا للجندرمة. ارشد العمري هدم جامع مرجان اما الخان فقد انقذته المسز (بيل) طيب الله ثراها يوم كانت مستشارة بريطانية في بغداد فاصبح معلما عراقيا بارزا الان. اما تفجير الجوامع والاضرحة والكنائس فليس له ضريب حتى في عهود المغول والسبي الذي لايزال قائما وليس هناك ما يشير الى انه منته.

المنارة الملوية في سامراء تحدت الازمنة الرديئة ولكنها تعاني الشيخوخة فليس هناك من يرعاها في زمننا العراقي المصاب بالطواعين. فكرة بناء سامراء بدأت بالمعتصم بالله وهي مدينة كانت شاخصة في عهود سابقة، اذ يقول الاب انستاس الكرملي في مدوناته (اما اسم المدينة فليس من وضع المعتصم نفسه بل هو قديم في التاريخ فقد ذكره المؤرخ الروماني اميانوس مرسيلينوس الشهير الذي ولد سنة 320 م وتوفي سنة 390 بشكل ( سومرا sumera) ونوه به زوسميس المؤرخ اليوناني من أبناء المائة الخامسة للمسيح صاحب التاريخ الروماني بصورة (سوما  souma ). ويقول الدكتور مصطفى جواد (سامرا اسم ارامي وهو في اصله مقصور كسائر الاسماء الآرامية بالعراق مثل: كربلا ، وعكبرا ، وحرورا ، وباعقوبا). والمعروف انها وردت في مدونات الاشوريين والبابليين باسم ( سوموريم (sumurim و ( سورمارتا ) ابان عهد المناذرة. وذكر اليعقوبي (كان في سر من رأى متقدم الايام  صحراء من أرض الطيرهان لاعمارة فيها وكان بها دير للنصارى بالموضع الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامة). يقول الشابشتي انها كانت تضم (دير السوسي) و(دير مرمار) و (دير عبدون) في المنطقة نفسها. ووردت سامراء في النصوص القديمة باسم شامرا الكلدانية، وقيل ان سامراء بناها سام بن بنوح، وقيل جاءت باسم (سام رآه).

جامع المتوكل الذي تعلوه منارة الملوية فريد عالم الاسلام بسبب فرادة ملويتها التي ماتزال شاخصة رغم عوادي الازمان التي مر بها العراق متحدية كل الظروف ولكنها الآن تعاني الشيخوخة وليس لها شفيع. الملوية تقع خارج الجامع بشكلها الحلزوني، وقاعدة المأذنة اسطوانية الشكل يدور حولها سلم حلزوني، والملوية تدور باتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة وتنتهي بقمة يبلغ قطرها ثلاثة امتار, كلفت دولة المتوكل المعماري الكلداني دليل بن يعقوب بتصميم وبناء المئذنة، وهي عبارة عن زقورة حلزونية، تلتف خمس لفات عظيمة، يبلغ ارتفاعها اثنين وخمسين متراً، يمكن الصعود إلى قمتها على الجواد في وطريق حلزوني وكان الناس يصعدونها جماعات، كسيرهم في شوارع المدينة. وكان بعضهم لا يقوى الوصول الى القمة، بعضهم يصيبه الدوار أو التعب، أو الخوف من العلو الشاهق. ويبدو الواقف على قمتها صغيرا للواقف على الأرض. هناك نقوش تعرف بعرائس السماء التي تزين أسوار الجامع ولم يستطع المؤرخون او البلدانيون وضع تفاسير لها بيد انها لم يتكرر وجودها في المخلفات اللاحقة.

الملويه اصبحت في ذاك الزمان رائعة الاعجاب في العالم آنذاك فانشأ أحمد ابن طولون والي مصر المبعوث من الخليفة العباسي ولكنه تمرد على العباسيين فاصبح حاكم مصر المطلق شان ما كان يحدث في التاريخ عندما تصاب المملكة بالعلل. ولانه ابن سامراء فقد نقل معالم وثراء وتراث العباسيين الى مصر فانشأ جامع ابن طولون له منارة على غرار الملوية، وهي منارة شيدت خارج الجامع كما حدث في جامع سامراء.  راح ابن طولون يبني قصور الحريم والجواري وانشأ حلبة لسباق الخيل والعاب الفروسية ولعبة تشبه البولو التي هام بها المماليك. بعد ابن طولون خلفه ابنه خمارويه الذي عاش مثل ابيه مهدارا للمال مولعا بالقصور والجواري. وفي عام 905 م  ضاق منه الخليفة العباسي فأرسل جيشا لتاديبه فانهار الحكم الطولوني.

اذ تمثل سامراء صدى انتهاء العصر العباسي الأول الزاخر بالعلوم والادب والطب وحرية الكلام فقد حل عهد ثان بمجئ المتوكل العباسي حيث بدأ القمع الفكري والمذهبي فأُغلق باب الحوار والجدل. كما انتهى الاستقرار فجاءت ثورة الزنج و حركة بابك الخرمي وفي ذلك العهد الذي سيطر عليه العساكر والغلمان والجواري. فقتل المتوكل بأيدي الغلمان الأتراك بالتواطؤ مع ولده المنتصر. بيد ان العهد العباسي السامرائي شهد كثيرا من الاعلام منهم المؤرخ الفقيه بن جرير الطبري والبلداني بن اسحاق اليعقوبي والامام احمد بن حنبل الشيباني وأئمة الحديث محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن حجاج القشيري والامام ابن معين، وفي اللغة والنحو عاصرها المبرد وثعلبة والجاحظ كما احتظنت ضريحي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com