|
وجهة نظر في ابن تيمية احسان طالب / كاتب سوري يعتبر ابن تيمية من كبار علماء الدين والشريعة ومن أهم الشخصيات التاريخية تأثيرا في صياغة وتأسيس الفكر الأصولي الدغمائي الإسلامي وفقا لقواعد ومناهج ابتدأها أحمد بن حنبل وثبتها وأقام أركانها ابن تيمية الذي أطلق عليه لقب شيخ الإسلام تعظيما لشأنه وتقديرا لعلمه. و يكمنا تلخيص مطروحات ابن تيمية وتشكيل الهيكلة البنيوية لفكره بنقاط بارزة لا يخرج من إطارها التوجه العام لما جاء به وقدمه : 1 – الوقوف ما أمكن عند ظاهر النص وعدم السعي للتأويل والتفسير خارجه إلا للضرورة في حال تعارض النصوص ومجازيتها مثال ؛ ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ) سورة المجادلة الآية 6 و اعلموا أن فيكم رسول الله ))سورة الحجرات الآية 6 2 - المرجعية والسند في أصول العلم والفقه الشرعي الديني محصورة في القرآن الكريم والسنة النبوية وفقا لفهم ومنهج الصحابة ، وكل فهم وتفسير للقرآن والسنة النبوية لا يستند إلى أقوال وأفعال الصحابة بدعة محدثة 3 – التركيز على العقيدة ومحاولة تنقية معتقدات المسلمين من كل ما يشوب ويعكر صفو التوحيد الخالص بمفهومه الشامل والعام المتجاوز لحدود العمل الظاهر إلى النوايا والمشاعر القلبية والوجدانية ( كتاب العبودية ) رأس الأمر الإسلام وذروة سنامه الصلاة وعاموده الجهاد ) 5 – تطبيق الحدود بحذافيرها بل والتشدد فيها من رجم وقطع وجلد وتعزير ونفي وتطبيق حد الردة بعد الاستتابة وعد تارك الصلاة كافرا مرتدا يستتاب فان لم يرجع يقتل ( كتاب السياسة الشرعية في لإصلاح الراعي والرعية ) 6 – التأكيد على تفرد وخصوصية وأفضلية وخيرية المسلمين في عاداتهم وتقاليدهم وكل ما يرتبط بحياتهم اليومية والمعاشة كالمأكل والملبس والمشرب وغيره بعيدا عن مشابهة وتقليد الشعوب والأمم الأخرى وإدخال ذلك في صلب التدين وممارساته ( كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) كتب وألف ونشر ابن تيمية المتوفى عام 1328 آلاف الصفحات ( إبان سجنه في مصر ألف كتاب في التفسير وضعه في أربعين مجلد ) وكان شديد الذكاء واسع الإطلاع قارع خصومه بحدة وشدة وضيق الخناق على معارضيه بحجته وقوة أسلوبه. لم يكن ابن تيمية اسما لامعا ومطلوبا في أواسط المتدينين نخبة وعامة بل وكان لفترات طويلة منبوذا من مشايخ المساجد وخطباء الجمعة وكان يعد خطرا على الدين لدى العامة في مشرق البلاد العربية ومغربها بعد انتشار الوهابية في ربوع الجزيرة العربية. وجد محمد بن عبد الوهاب -1703 - 1792 ملاذا في فكر ابن تيمية وسندا لدعوته وأفكاره وتبنى مطروحا ته وآراءه المتشددة حيال الصوفية وإتباع الطوائف الإسلامية الأخرى ورفع السيف في وجه المخالفين وعد الخارجين عن نهج التوحيد الذي يدعو إليه كفارا يحل قتالهم وقتلهم. كما وجد أسامة بن لادن في أصولية وسلفية ابن تيمية منهجا إسلاميا صرفا ودعوة شرعية مستندة إلى الكتاب والسنة فأحيا مشروعه ألجهادي وتمسك باجتهاداته في وجوب مقارعة الكفار من الصليبيين واليهود وقتالهم وإعلان حالة الجهاد العامة المفروضة على كافة المسلمين في كل بقاع الأرض. حتى غدا ابن تيمية الاسم رقم واحد في أجندة الفكر الأصولي ألجهادي العنيف ، الذي عد إ رهاب الكفار وعملائهم وأعوانهم عملا مستحبا يتقرب به إلى الله ويستعجل به طريق الجنة.
ما الذي قدمه ابن تيمية للمسلمين ؟ : الواقع أن ابن تيمية مع كل قدمه من مناقشات وجدال ومؤلفات لم يعرض للمسلمين وغيرهم جديدا بل كان ديدنه وجل عمله العودة بالحياة إلى الوراء وتأكيد مسلمات تمام الدين وكماله ( لا يصلح أخر هذه الآمة إلا بما صلح به أولها ولم يصلح أولها إلا بالكتاب والسنة ) ( ما تركت شيئا يقربكم من الله إلا دللتكم عليه وما تركت شيئا يبعدكم عنه إلا نهيتكم عنه ) هذه المسلمات وتلك البنية الأساسية للفكر والفقه لم تأتي بنظرية ومنهج ومدرسة قادرة على التطلع للحاضر والمستقبل بل هي قطار حديدي صلب وقوي يهدر بضجيج عال يدمر من وما يقف في وجهه مهمته الأولى العودة بالحاضر إلى الماضي وإغراق المستقبل بالموروث. لم يستطع ابن تيمية تقديم نظام سياسي متجدد ومتطور للحكم في الإسلام ، بل أصل وقعد ما نقل عن السلف الصالح وأحكم القيد حول ما يمكن إبداعه وخلقه من نظريات مرنة قابلة للتطور والتغير والحياة. لم يقدم ابن تيمية نظاما ونظرية إسلامية للاقتصاد ذات أبعاد تنموية تطرح الحلول لمشاكل الندرة وعلاقات الإنتاج والتوزيع ولم يستقي منه الآخرون أساليب وطرق لتجاوز الفقر والتخلف والعجز الذي تعاني منه البلدان الإسلامية والعربية بل على العكس تماما لم تتبلور بوادر الانتعاش في العالم الإسلامي إلا بعد تنحية مناهجه طرائقه , فالبلدان الآسيوية الإسلامية "تركيا وماليزيا " عرفت الازدهار والنمو بعيدا عن الأصولية السلفية وأنظمتها المحدودة ، وفي المقابل قدم النموذج الطالبني الأصولي السلفي صورة سلبية للغاية عما يمكن تقديمه من خلال التقوقع داخل مدرسة ابن تيمية. كذلك لم يشق طريقا للتربية وعلوم الاجتماع خارج النقول بل زاد في الانغلاق بتخطيء وتحريم كل فهم لم ينقل عن مجموع الصحابة وأحدهم , في حين نجد علماء إسلاميين آخرين وسعوا آفاق العلم والمعرفة فأبدعوا علوما وفنونا استفادة منها الحضارة البشرية كابن رشد وابن خلون. لقد كان أسامة ابن لادن من أشد المعجبين بابن تيمية ومن أكثر المتتبعين لنهجه أخلاصا وو فاءا وتطبيقا ، وتمسكت التنظيمات الجهادية العنيفة بأقوال وكتابات ابن تيمية واعتبرتها المرجع الأول والأهم في بناء كيانها التشريعي والفكري. لم يقدم ولم يساعد ولم يهيئ ابن تيمية لبناء نظام دولة مدنية بما تحتاجه من قانون مدني وقضائي في حين نجد أن مجلة الأحكام العدلية التي قام عليها القانون المدني في الدولة العثمانية ابتعد عن ابن تيمية واحتكم إلى المذهب الحنفي الذي يعد مذهب أهل الرأي المناهض لمذهب ابن تيمية والزم المسلمين في كل زمان ومكان بعدم البحث والتطلع خارج المنقول واعتبر المعقول هو ما نص عليه المنقول وكل ما خالف صحيح النقل خالف صريح العقل ( كتاب موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) وبذلك حجم وحد وأنهى مهمة وو ظيفة العقل خارج النص وما دار في فلكه. لقد كانت حياة ابن تيمية وآثاره ومؤلفاته ومواقفه في محاربتة المغول ومقارعة السلطان والخروج عليه محل إعجاب وتقدير للكثيرين الباحثين عن عودة الأمجاد والعز الضائع. و كان لبعض فتاوى وأراء ابن تيمية آثار سلبية جدا على المجتمعات الإسلامية بدأ من إسناد تحول الآلاف من الشباب المسلم إلى العنف والإرهاب المشروع والقتال حيثما توفرت ساحة لمواجه الكافرين أيا كانت جنسياتهم وأعراقهم وصولا إلى الاعتقاد بتدخل الجن في حياة البشر اليومية والمعاشة وسنه وتشريعه لضرب الرجل والمرأة المعرضة للمس من الجن حتى يخرج الجن من جسم الآدمي وعرف من ابن تيمية انه كان يضرب الممسوسين وهو يقول اخرج يا عدو الله. لقد كان لشيخ الإسلام تأثير سلبي جدا في موقف إتباعه من الشعوب الأخرى غير العربية وسماهم الشعوبيون وعد التحدث بغير العربية لمن يعرفها نفاقا. كما ساهم وقعد للتفرقة الطائفية بنصه على أن الشيعة قوم لا عقل لهم ولا دين لهم وكفر طوائف أخرى من المسلمين وسماهم النصير يين وقدم يذلك الفتوى الشرعية للإخوان المسلمين في سوريا إبان سبعينيات القرن الماضي لافتعال العنف وتبرير القتل. ورسخ ابن تيمية للقطيعة والفصل العنصري بين المسلمين وإتباع الديانات السماوية الأخرى بما أكده من وجوب مخالفتهم وعدم التشبه بهم واعتبار محبتهم وموالاتهم كفرا. لقد أغرق ابن تيمية العبادات الإسلامية بمتقيدات ظاهرية معقدة أفقدتها روحية الصلة بالخالق وحرم سعي الإنسان الطبيعي للتقرب من الله خارج الضوابط الظاهرية التي استنتجها من النصوص وضيق الزمام على النزعة الروحية الصوفية للإيمان.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |