التعايش السلمي بين الطوائف في العراق

البحث عن المشترك ... او اكتشاف الوطن!

ناصر عمران الموسوي / كاتب واعلامي عراقي

Naser68march@yahoo.com

نتفق على ان الفرد منظومة جمعية خازنة لرؤى اجتماعية وثقافية وعقائدية ومناطقية وقومية، وكل هذه المنظومات والرؤى تتفاعل لتصوغ ( شخصانية) الفرد، بل من خلالها يتجدد انتمائه، وتبرز عناوينه، فالاسم، والاسرة، والبيئة، والمعتقد، والقومية، والبلد، كلها علامات دلالية ترسم هيكلانيته وتجعله علامة متميزة عن اقرانه الذين هم بالضرورة يمتلكون مثل هكذا دلالات وعناوين، وتختلف هذه الدلالات والعناوين لتبرز بمجموعها كهويات تعبر عن الفرد، فالاسم عنوان التخاطب وعنفوان الماهية البشرية يقف وراءه اسم آخر بشكل طولي ليدلل على شجرة الانتساب ثم تأتي المدينة لتعطي انطباعا كون الفرد من مواليد المدينة او المنطقة او القرية او الحي، ثم المعتقد ليضعه في خانة احدى الطرق الموصلة الى ذات العلائقية بين الفرد وربه والتي اصطلح على تسميتها ( الاديان ) اما الضابط القومي وغيرها من الضوابط فهي عنوايين ودلالات تشير الى الفرد وهي هويات صغيرة احس الفرد بضررة ذوبانها لحظة الخضوع الى حكم القانون المنظم للعلاقات بين الافراد لتنتج هوية مهمة وخطرة الا وهي هوية (المواطنة ) وتعني الانتماء الى الوطن المحدد بجغرافية وتاريخ معينين والاشتراك بالاسباب والعوامل الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية المشيرة الى كينونة وجود الفرد على ذات المساحة الجغرافية المشتركة، وحين يكون التنوع بين الدلالات والعلامات المميزة لوجود الفرد داخل الكيان المشترك المسمى ( الوطن ) تبرز ثنائيتان مهمتان تستندان الى منابع التغذية بحسب التكوين الفردي والاجتماعي والمناطقي والعقائدي والاثني والقومي وهما ثانئية التعايش السلمي والمشاركة وثنائية الاستبداد والهيمنة، وما يحسب لثنائية التعايش السلمي والمشاركة بين افراد الوطن الواحد هو التركيبة البايلجية والنفسية للفرد باعتباره كائن اجتماعي، فالفرد كما يقال ( يولد بمفرده ويموت بمفرده لكنه يعيش وسط المجموع ) والمجموع متنوع وهو ثمرة اسر متعددة فلا يمكن لاسرة بمفردها ان تكون مجتمع احادي النوع او الانحدار وان استطاعت فهو مجتمع بعيد عن التنوع والاغناء ويدخل ضمن المجتمعات الواهنة والهشة والتنوع هو اغناء وتعزيز لصفة الوجودية البشرية على سطح المعمورة، يقول الله في محكم كتابه الكريم     ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..... ) ان هذا يدلل على صفة التعارف والتنوع وهما صفتان ضمن منظومة التعايش السلمي والمشاركة لديمومة المجتمع . والمجتمع العراقي واحد من اعقد المجتمعات البشرية، فهو نتاج موقع ستراتيجي بحسب جغرافية منحته ان يكون متنوعا منذ الازل وماسكا بعصب الحياة فرافداه اشرا لوجود مجتمعات حضارية موغلة في القدم وهذه المجتمعات وضعت لبنات اساسية لعملية التحضر والمدنية فالكتابة والتشريع كانا اهم انجازات وادي الرافدين يضاف اليهما الزراعة والصناعة وبذلك يكون الاثراء الطبيعي والبشري متحصلا لتتبوأ مجتمعات وادي الرافدين مركز القيادة والسلطة، فرسمت ملامح السيطرة والادارة التي يصطلح عليها اليوم ( بالنظام الاداري للدولة )، وكل ذلك جعل من بلاد وادي الرافدين ان تكون مسرحا لحروب كثيرة فزارها اقوام وغزاة متعددين وشهدت ارضها امبراطوريات سادت ثم بادت وبين نصر هنا وهزيمة هناك تشكلت مجتمعات متنوعة ديدنها التغيير، حتى ان بعض الباحثين يصر على ان العراق عبارة عن ( جبهة) مفتوحة عبر كل العصور وبالفعل فحتى هذه اللحظة مايزال العراق يدفع ثمن حسابات خصوم متنافسين على ارضه وليس له فيها الا التضحيات، ان الولادات المجتمعية ضمن اطار التقاتل والاستحواذ والسيطرة اوجدت مجتمعات ذات صفات ولاعئق متنوعة مرتبطة بعضها بتنشئة الفرد مناطقيا وعقائديا وقوميا اضافة الى نتائج الحروب التي كان اثرها واضحا في كينونة تكوين المجتمع، حتى ان الفرد في بلاد الرافدين ونتيجة لحمى الضغوط المهمة نشات على ارضه اولى الافكار الفلسفية التي تدور حول الحياة والموت (فملحمة كلكامش) واحدة من اهم انجازات التنوع الفلسفي الفردي العراقي، لقد كان المجتمع العراقي منظما افتراضيا على اساس الضرورات التي فرضتها طبيعة التعايش المجتمعي بين افراده فكانت السلالات الحاكمة السومرية والاكدية والاشورية والبابلية مطعمة بلون التنوع المهول لعملية التطوير المجتمعي وبعد التخلي عن كل تلك السلطويات الحاكمة اصبح العراق نقطة مفصلية مهمة ضمن اقتراب القوى الكبرى كالامبراطوريات الرومانية والفارسية في العصور السابقة وبين الدولة العثمانية والدولة الفارسية في العصور اللاحقة، وكلما كانت الغلبة لاحد هذه الامبراطوريات او الدويلات وسمت المجتمع العراقي بالكيفية التي تتلائم وطبائع المنتصر استعماريا فأضحى بين هزيمة وانتصار يتنوع المجتمع حتى اصبح الفرد العراقي يعيش حالة ( ازدواجية فردية ) اشار اليها الدكتور علي الوردي في كتابه   ( طبيعة المجتمع العراقي ) وهذه الازدواجية موسمة ( بدوغمائية ) وهي فن التعامل مع المتضادين او المتناقضين لخلق كينونة خاصة من خلال سياسة هذا النهج وهي اشبه باطار متنوع يتلائم مع الظرف والمرحلة وليست الازدواجية المرضية النفسية، ان ظهور مثل هكذا طبائع اجتماعية ونفسية فردية ادت الى وجود تعامل متنوع بالتالي سينعكس على وجود مجتمع فعال وحيوي حين تكون ادارة التحكم أي القيادة تسير باتجاه بناء المجتمع، وسيكون عصيا على الانجرار وراء التشتت والاحتراب والتداعي، وقديما قال احد المفكرين الاستعماريين بنظرة الى المجتمع العراقي ( ان مقتل المجتمع العراقي اشبه بمقتل عطيل ) وعطيل بطل مسرحية مؤلفها الروائي الانكليزي( شكسبير) ومقتله كان بالضرب على الكعب، وهي اشارة لم تغب عن ذهن الاستعمار البريطاني ابان ثورة العشرين والتداعيات التي حصلت بقيام الدولة العراقية عام 1921، فقد نصبت بريطانيا لحكم العراق الملك فيصل بن الحسين والذي لم يكن عراقيا ثم اعتمدت في بناء دولة واهنة على مجموعة من المنتفعين اصحاب رؤوس الاموال ورجال الدين والطبقة البرجوازية التي لم تكن على تماس مع معاناة المواطن وليس ادل من ذلك من مقولة الملك فيصل ( ان العراق عبارة عن شعوب متعددة خالية تماما من فكرة الروح الوطنية ) ان هذه المقولة منسجمة تماما مع الاطروحة البريطانية التي ارست بعد ذلك آليات حكم العراق خارج اطار القوى العسكرية فقد وقف الملك امام مجلس النواب بعد ان طلب منهم الموافقة على المعاهدة بين العراق وبريطانيا قائلا لهم وحاثا على المصادقة ( لاتجعلوا الملك فيصل بين السماء والارض ) ان وجود ملك غير عراقي على سدة الحكم اعطى مسوغا مازال العراق حتى هذه اللحظة يعيش حالة التدخل العربي السافر في الشأن العراقي وهو على امتداد التاريخ تدخلا استغلاليا لم يكن في مصلحة الفرد العراقي كما ان تركيز بريطانيا على اعطاء رئاسة الوزراء للنقيب في تلك الفترة وماتلاها من وزارات عبد المحسن السعدون الذي ارسى دعائم استبداد طائفة معينة مستندا الى ارث الخلافة الاسلامية العثمانية التي شكلت تغييرا مجتمعيا لصالحها في نزاعها مع لدولة الفارسية ان حالة تمازج رهيبة زرعتها الاستراتيجية البريطانية في الجسد العراقي ادى الى ان تكون القيادة والسيطرة حكرا على فئة معينة وطائفة معينة وحين قامت ثورة 1958 لم تهدأ الحكومة المصرية حتى قادت انقلاب 1963 الاسود الذي ضرب منجزات ثورة 1958 ولعل اهمها قانون الاصلاح الزراعي وقوانين اخرى كانت من مصلحة الفرد العراقي وقد استأثر التدخل المصري في الشأن العراقي عبر القوميون حتى وصول حزب البعث الى السلطة وانجابه لصدام حسين الغني عن التعريف فقد صار واضحا حروبه الكثيرة بالوكالة عن اجندات عربية او دولية دفع ثمنها الشعب العراقي، ان ركيزة مهمة من ركائز التعايش السلمي والمشاركة هي الانحياز الى الفرد بعيد عن طائفته او قوميته او مناطقيته وذلك يتم عبر ثقافة جديدة تكتسح ثقافات العنف والتمييز والتمايز التي كثيرا ماركزتها الحكومات السابقة واعتماد الديمقراطية ليس كمبدأ فقط وانما كنظام حكم يتفرع منه التداول السلمي للسلطة، احترام الحريات العامة، الفصل بين السلطات، استقلال القضاء، حرية المرأة، بناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية وان يكون العراق هو من تتجه اليه الانظار باعتباره المشترك المهم والرئيسي في ديمومة التعايش المجتمعي، ان حرق المراحل السابقة لايتم بأن نمنحها ظهرانيتنا وانما ان نستحضرها لتعترف من خلالها بخطوات الخطأ التي جرت العراق الى ماهو فيه الان ولعل مشروع المصالحة الوطنية هو نواة مهمة لطرح كل الاوراق على طاولة الحوار وهذا سينعكس تماما على تماسك المجتمع وتحقيق مايصبو اليه من ترجمة حقيقية للمواطنة وايمان كلي وراسخ بالانسان وحقوقه.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com