الحجّ الوزاري ودعاء دخول الوزارة

نضال نعيسة / لندن

sami3x2000@yahoo.com

لا أدري كيف يتسنى لأي وزير أن يترك وزارته لمدة تزيد عن أسبوعين، وفي وقت عصيب، قاصداً الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، إلاّ إذا كان متيقناً، وربما مؤمناً، بأنه يمكن لوزارته أن تستمر بدونه حتى لشهور وسنين، وبالتالي فإن وجوده وعدمه سيان، ولا يقدم ولا يؤخر شيئاً. أو ربما لأنه يدرك بأنه قد "رفع العشرة"، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً أمام سيل المشاكل والأزمات التي تعترض سبيله، وسيان عنده إن كان على رأس عمله، أو على رأس أية قوائم للسفر خارج البلاد وأن المشاكل تلك لا حيلة له بها وكانت قبله، وستبقى معه، وتستمر بعده، وربما تلحقه إلى الدار الآخرة حيث لا ينفع لا مال ولا بنون وأستغفر الله من كل منصب عظيم. وإذا علمنا بأن طاقماً من الوزراء قد قام بهذا الحج المبرور، والسعي المشكور، فإننا ندرك بما لا يدع مجالاً للشك، مدى "الأهمية الكبيرة" لهذه الوزارة من الناحية الإنتاجية والفعلية وأن لا حاجة بها لهؤلاء الوزراء وتقاريرهم. أو، ربما، قد أنجزت كل مهامها، ولم يتبق لها من أعمال تقوم بها سوى ذكر الله والتفرغ للعبادات وشكره سبحانه وتعالى على نعمه عليها وعلى عباد الله من الموطنين الصابرين البسطاء. أو وبصورة أخرى، لأن هذا الوزير، أو ذاك، يدرك، تماماً، أن هذه الوزارات تـسير، تماماً، بالتجلي، وعلى "السبحانية" والبركة، وقدرة قادر، وليس بفضل القدرات الاستثنائية الخارقة لوزرائها، وتعتمد في إنجاز خططها ومشاريعها على القدر، وشعاراتها الرسمية المرفوعة، ودليل عملها هو "اتكلنا على الله، واعقلها وتوكل، ويا ستر الله ". وهذا دليل ساطع على وجوده سبحانه وتعالى، ويبرر هذه الاندفاعة الإيمانية الجماعية الكبيرة والخشوع المفرط، والاعتصام الوزاري الجماعي بحبل الله جميعاً وعدم الفرقة أبداً لا في أداء "المهام" الوطنية الجسيمة المعروفة، ولا في تأدية الفروض الدينية. ولا أدري إذا كان يتوجب على عموم المواطنين بعد هذا الإنجاز الوزاري الذين يزورون الوزارة أن يحملوا بيدهم "مسباح"، ويفرض عليهم قراءة دعاء "دخول الوزارة" والخروج منها، وأن يطعمهم الله ما أطعم هؤلاء الوزراء البررة الصالحين.
فبعد أن فشلت خططهم الخمسية واليومية والأسبوعية والشهرية والصيفية والشتوية والأرضية والتحتية والفوقية والسرية والعلنية، في تحسين الحالة المعيشية للمواطنين، ورفعها، وبعد أن تم لهط آخر قرش من جيوب آخر المواطنين المحترمين من أصحاب الدخل المشفوط، عبر ضرائب الرفاهية القراقوشية المشهورة، ويا لها من رفاهية نادرة، كان لا بد من الاتجاه للخطط السماوية والربانية، وطلب يد المساعدة والعناية الإلهية لتحقيق هذه الغاية الوطنية السامية. وكان لا بد، بعد ذلك كله، من طرق باب الغيب، وضرب المندل، وفك السحر، وقراءة الكف، واستحضار الأرواح، ومعاشرة العفاريت، والجان، ونبش كتب التراث لمعرفة طرق الجباية، وجمع المال، وتفريغه من جيوب الناس لإكمال خطة الإفقار الشامل، وهي بالمناسبة، وبحمد الله وعونه، الخطة الوحيدة التي كتب لها النجاح على أيديهم، من بين جميع خططهم الخمسية، والعشرية، والمئوية والجهنمية الأبدية، وتحسب من إنجازاتهم النادرة، وتسجل بفخر واعتزاز، وبأكاليل من شوك ونار، في ميزان حسناتهم النادرة.
ولا أدري هل هو حقاً حج لاستكمال أركان الإيمان، أم هو للتوبة، والاستغفار، والإحساس بالألم ومعاناة الفقراء، وبالتالي التكفير عن الذنوب الاقتصادية، والمشاريع الموؤودة، والظواهر الاجتماعية الإفقارية؟ أم لزيادة جرعة "الرفاهية" الهائلة التي يرفل بها الناس، والتفكير في سبل أخرى ميتافيزيقية لترفيه المواطنين والترويح عنهم، واستلهام حلول ربانية، وجدية، لرسم ابتسامات قلبية على الشفاه الوطنية؟
وإذا كان الله قد أنعم على الوزراء بجنانه الدنيوية، وأضافوا لقب "الحاج الوزير" إلى سلسلة ألقابهم العامرة بكل "فج عميق"، وفتح أمامهم فراديسه الحكومية، فهم، وبلا شك، ولشدة تبصرهم، وإيمانهم، وانصرافهم عن متاع الحياة الدنيا الفانية والزائفة، وغرورها، فهم يتطلعون نحو الآخرة حيث جنان الخلد، التي تجري من تحتها الأنهار، والحور العين، وأنهار الخمر والعسل. ومن هنا يأتي حجهم المبرور وسعيهم المشكور، وزيارتهم الطهور، طمعاً في رضا رب العرش القدوس، ليس إلاّ. فهنيئاً لهم، واللهم لا حسد، بأن منَّ الله عليهم بجمع الأمجاد الدنيوية، والسماوية من أطرافها وقد أتموا دينهم، بعد أن ضمنوا دنياهم في ربوع الوزارات الباهرة. ويا حسرة، وسوء عاقبة، على من طلع من الدنيا ملوماً محسوراً مذموماً مديوناً، يداً من الأمام، ويداً من الورا. وإذا كانوا قد "استطاعوا إليه سبيلاً"، ونالوا نعيماً، بحكم رضا الله ورضا الوالدين، والحكومة والمخابرات عنهم، والإمكانات المادية الجيدة بفعل الرواتب المقطوعة، فما هو الحال عليه بالنسبة للمديونين المغضوب عليهم، الذين لا يستطيعون سبيلاً لأي شيء، ولا حتى إلى بوّاب على باب الوزارة، ويعيشون جحيماً، ويُصْلـَون طفراً وبؤساً في الدنيا، وعلى الأرجح، وكما هو واضح، جحيماً، أيضاً، وعذاباً وناراً في الآخرة، وبئس المصير.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com