كفى ايها الموت، إنكفـــئ!

في استشهاد الشابة، سالي سكماني

نبيل يونس دمان

nabeeldamman@hotmail.com

 ما بَرحَ شلالُ الدم، يسيلُ من جسدِ وطني، يعتصُرني الألمُ، في نهايةِ النهار، أخلدُ الى الراحة، ينتابُني القلقُ والترقب، أستسلمُ للقدر، أنامُ وملئ جفوني الأرق، تغزوني الكوابيسُ تارة ً، وأخرى الأحلامُ الجميلة، أفيقُ مع تباشير الصباح، فتغمُرني شَمسُه الدافئة، التي ترسل أشعتها الى كُل الاوطان، فيسري في الأجساد دبيبُ الحياة والأمل، إلا وطني المعذب، وطن النهرين والنخيل، وطن الحضارة الأصيل ِ، أنتظرُ في كل غدٍ، لعلها البشائرُ تأتي عِبر الأثير، لتـُخبرني بإشراقةٍ جديدة، ترفعُ الغبنَ عن بلادي، تسبق الريح، وتمضي نحو المستقبل السعيد. فتظهرُ أقواسُ قزح، من كل الألوان ِ، تتلألأ ُ على ريش الأطيار ِ، تسكُبها السماءُ على الارض، فيسرحُ الاطفال ويمرحُ الناس، على السهول ِ، فوق الجبال، وفي الصحارى، خالية من الانفجارات، والموت بالصدفة، أو مع سبق الإصرار. يا أحلامي الوردية، لا تـُفارقيني، حتى بلوغ الحال الذي فيه الإستقرار، فتجنحُ سفينة ُ العراق عبرَ بحرٍ متلاطم الامواج، الى شاطئ الأمان.

 لماذا تموتُ الناس هكذا في كل حين، ما هي المعصية، وبأية جـِناية، وما الذي إرتكبوه، حتى يحزنُ الرجال، تترملُ النساء، ويتيتمُ الاطفال، لماذا يغادرُ أحِبـّتنا هذه الارض في غير ِ أوانهم، دون ان يكملوا الرسالة التي حَملوها في ولادتهم، لتضيف شيئا جديدا ومتميزاً، الى الصَرح الحضاري الشامِخ على مرّ العصور، الى متى وأهلنا طعم للبارود والحديد، لماذا تتناثر اجسادهم كل يوم، هل ضاقت سُبل العيش ِ بهم فيَهلكون بعضَهم بعضا ً ؟ هل مواردُ الارض لا تكفي لإسعادِهم ؟ ام هو البكاء على الماضي، ومحاولة ارجاع دولاب الزمن، مهما بلغ الثمن.

 الماضي لن يعود، وضربات ( ابو تحسين ) بالنعال، ستبقى ماثِلة امامَ أعين ِ، مُروجّي بـِضاعة الموت والدمار، لقد مضى صاحبُ الصنم الى نهايته الطبيعية، وجسدُه العفن الذي ينخرُ فيه الدودَ الآن، لن يمد في عُمر دكتاتورٍ جديد، لن تعود الأيام الخوالي، الى عصر المظالم والاستغلال ِ، المجازر الجماعية، الحروب العبثية، كظمُ الانفاس، حَصر الهواء، ومنعُ استنشاقه على الناس. لقد استباحَ البعث فاشي وطننا في غفلة من الزمن، وانتشرَ كما ينتشرُ الطاعونَ، واليوم يحاول أيتامُ صدام المقبور في كل أعمالهم الشرّيرة، إرجاع الماضي وزرع الفِتن ِ، بالتأكيد لن يحصِدوا شيئاً، سِوى تدمير أنفـُسِهم وعوائِلهم، والأكثرُ من ذلك، الخيبة والخذلان في خاتمة المطافِ. أولئك المتباكونَ على الدكتاتور في موتِه الذي إستحَقه، سيأتِ الوقت الذي فيه، يدسّون رؤوسَهم في التـُراب، خجلاً من شعوبـِهم، تمعّنوا بما تعنيه صورة الملك الراحل حسين بن طلال، وهو يطلق الرصاص بإتجاه ايران، في الثمانينات من القرن الماضي، ألا يحرجُ ذلك الموقف عائِلته المالكة، ماذا لو كان حيا، ليرى وينظرَ بمِنظار اليوم.

 الى أيتام النظام السابق، من العصابات المجرمة، الى مُرتكبي الجرائم بالقـُطعة، الى عابري الحدود من المرتزقة، المحشوة أدمِغتهم أوهاما، الى جيش المهدي ( الأولياءُ الصالحون، الأنبياء، ورُسل السماء، ليسوا بحاجة الى جيوش او قوات ) لهؤلاء جميعا ً أثبت قولي، بأن طريقَ العراق الجديد، لن يُفضي إلا الى الحرية والسلام، الى الأمان والديمقراطية، ذلك الطريق لا محيد عنه، فعندما تقطع المسافة الدموية التي تـُفصلنا، هناك سيُشيّد وطناً قوياً معافيا، تستخلصُ الأجيالُ مما مضى العبرَ والدروس، ليمضوا الى الأمام، والى أزمنة قادمة، تفيضُ عُصارة فِكرهم، وجمال ذوقِهم، في هندسة وبناء، ما تـُعجب به أمَمُ الارض.

 سِقتُ تلك المقدمة، لأعود الى بلدتي الصغيرة ( القوش ) في شمال العراق، والتي تضربُ جذورها عميقاً في تربةِ النهرين الخالدين. لم تعتدي على أحد في تأريخها، بل وبإستمرار تتلقى الضربات، فقسماً منها تبقى تحزّ في النفوس، وقسماً تـُرد وحسب الإمكانية والظروف، بلدتي في عَصرها الحديث، لم تـُؤسس ميليشيات مسلحة، ولا عصابات قتل أو سرقة، انما كانت تـُنظم الدفاعات عن نفسها، وبشكل فردي وطوعي، كان البعض يتركُ حياتـَه الناعِمة، ليتحملُ مشاقَ الجبال في التصدّي للظالمين، مثال ذلك الفقيد البطل توما توماس. في هذه الايام الفاصلة لا يمرُّ اسبوعٌ، إلا ونكبة جديدة تقع لأهلنا في القوش، تلحق بالبلدة ضرباتٍ مُتعددة، في قتل العشرات من ابنائها وبناتها في مُدن الموتِ : بغدادَ، البصرة، الموصل، وكركوك، لا لذنبٍ اقترفوه، بل وقود لصراع طائفي، يجتاحُ البلادَ ويشتد يوماً بعد يوم. عندما أشعل الدكتاتور المقبور حربه المجنونة ضد ايران، صارت تصل الى القوش وغيرها، مواكبُ القتلى والجرحى، وآخرون وقعوا أسرى ومفقودين الى الأبد، والهاربون الى الجبال، نال العديد منهم شرف الإستشهاد ِ. يُؤسفني جدا ً القول " ما أشبه اليوم بالبارحة ". أولادنا في المدن العراقية، هم مثال الاخلاق والخلق، إنهم بُناة ٌ رغم الصِعاب، ورسلُ المحبة والسلام، فأبعِدوا سِهامكم عنهم، وتوقفوا عن أيذائهم، أستصرخ ضمائركم، وأثير نخوتكم، ان تساعدوهم، وتبعدوهم عن بـُؤر القتل ِ والخطف والاعتداء.

 ماذا اقترفـَت إبنة ُ صديقي الشابة اليانِعة، سالي متي سكماني ( 21 سنة )، حتى تلقى حتفها امامَ عشـّها الزوجي في البصرة، فيفتقدها زوجها المسكين رومان نوئيل، في غمضة عين ٍ، وتنوحُ إبنتها الصغيرة، بَحثا عن أمّها، ولكن هيهات ان تجـِدها. أيا جامعة البصرة الأبية : إرفعي صوتك عالياً، إسألي عن سالي، تلك الوردة الجامعية التي قتلت، فتركت مقعدها في السنة الأخيرة فارغا ً ! وهي ضيفة ُ البلدة القوش، في ثغرِ العراق، الذي كان يوما ً باسما ً !!. تخيلوا يا أهلَ البصرة الطيبين، لو كانت بضعة عوائل منكم بين ظهرانينا، هل كُنا نـَسمح بوقوع ِ اعتداءٍ او ضيم ٍ عليهم ؟ أبقى مُردداً هذا السؤال ؟.

 العزيمة والصبر لصديقي متي ميخا، للاستاذ بنيامين ميخا، لزوج الفقيدة الغالية،، لأهلها وأصدقائها، لهم جميعا ً، القوة والسلوان، في تحمل المصاب الجلل.

سَلاما ً ووداعا يا سالــــي

يا ربيعَ العُمر الفانــــــــي

بالله كوني خاتمة الأحزان ِ

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com