|
تحليل الظاهرة الدينية .. دين الدولة ودولة الدين ناصر عمران الموسوي / كاتب واعلامي عراقي يستعصي مفهوم الدين عن ان يكون تعريفا محصورا ضمن رؤى معيارية او منضبطا تحت شكلانية مبتسرة ، واذا كنا نقترب حين نضع له تعريفا شموليا باعتباره منظومة فكرية مركبة منتجة للمعرفة الدينية ، فأننا نكون في الوقت ذاته نشظي ونحصر التعريف اذ ان الدين ( ايمان ) يؤمن به المؤمن وهو فعل معنوي ومنه يتراءى التمييز بين المؤمن وبين العالم و المهني في ايمانه فايمان العالم والمهني هو ايمان التركيبة العلمية او المهنية التي ربما سيصدرها الوقت فتخسر خواصها وربما تاتي تركيبة اخرى لتلقي التركيبة الاولى خلفها ، في الوقت الذي يكون فيه ايمان المؤمن الديني رهن ايمانه بحقيقته الايمانية العقائدية ولايهمه كون الاخر يؤمن بعقيدته او لايؤمن ، ان عملية التفاعل بين العالم والعالم والفيلسوف والفيلسوف والمهني والمهني هي عملية شرعنه لصياغات وابتكارات علمية او فكرية او مهنية ، يفرضها عنصر الابداع والجهد والحذاقة في اطار من ( زمكانية ) معينة ، اما تفاعل المؤمن والعالم الديني بغيره فهو تفاعل الحقيقة الواحدة والنظرة الواحدة واي خلق او محاولة الخلق بين الحقيقة الايمانية الدينية وغيرها مستبعد ضمن حدود قناعات الايمان اولا قبل التفاعل والتحاور والاشتراك ، والملفت للنظر ان الظاهرة الدينية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ، بدأت تنظر لنفسها وتجمع شتاتها وتضخم احجامها وتكتلاتها لتملأ الفراغ الذي تركته النظرية الاشتراكية ، ونجحت بان تسترعي الانتباه تارة وتمسك بزمام القيادة تارة اخرى ، وبرز منظروها يدقون اسفين نعش الحركات لتقدمية التي كثيرا ماكبحت جماحهم سواء بواسطة التثقيف باعتبار الظاهرة جزءا من موروث رجعي لايمت الى واقع حركة الحياة بشيء الا اللهم بشيء من ماهيات ذاتية قرينة النفس ، او بعد استلام هذه الحركات للسلطة وزج الكثير من قيادات هذه الظاهرة في السجون والمعتقلات ومن بقي منهم استهوته المعارضة وظل يتنفس انات واقع معاش صعب يشكو ماوسعته الفرصة من نير القيادات العلمانية التي تسير بالبلاد والعباد من سيء الى أسوأ . ان الظهور النشط للظاهرة الدينية وارتباطها قياديا في وجهة تسيير المجتمع يستدعي صياغتها كأوامر وقوانين وتشريعات ، أي بروزها كسلطة او حكومة واذا نشوء الدولة ( عقديا ) حسب نظرية العقد الاجتماعي أي انها ظاهرة ارادية قامت نتيجة اتفاق ( حر اختياري ) فهي اذا ظاهرة اجتماعية سقفها الرغبة في الانتقال من حالة الطبيعة الى حالة المجتمع المدني ، وهذا يضعها في اشكالية نظرتنا الاحادية اضافة الى طقوسيتها الثقيلة احيانا ، فتنشأ الدولة طبقا الى هذه الظاهرة تسير بقدم واحدة تزداد اثقالها كلما جدت السير وحينذاك ستكون نتيجتها معروفة ، اما اذا كانت نشأة الدولة غير عقلية كأن ان تكون نشات على اساس القوة كما يرى ( نيتشه ) او ان تكون حصيلة تطور تاريخي سوسيولوجي ومنها نرى نشوء الدولة اما فلسفيا او قيميا او في كثير منها نراه ضمن الحق الالهي او ضمن خط تعددي او بنيوي وهذه المسألة تجعل الظاهرة الدولة امام عقد يصعب فكها حيث ان حلولها وتشكلها واقعيا عمليا ومنطقيا يتسع حين يكون الاتساع وضيقا حين يكون للضيق جدواه ، أي انها ببساطة دولة فن ادراة المتحول بما لديها من متاح ومتيسر وهذا لا يستقيم عقائديا مع هكذا ظروف ، ام امن يرى نشوء الدولة تطورا تاريخيا كالماركسيين فانها خاضعة لحركة ( الديالكتيك ) فهي بعيدة عن اجواء نفسها كظاهرة ، ان التشكيلة السلطوية الحكومية ضمن الخط الديني ( الظاهرة الدينية ) وجدت لها مناخات متفرقة في حقب تاريخية متعددة ومعينة فقد تراجعت هذه التشكيلة ابان عملية التطور التي وجدت من الضرورة اعطاء العقل مساحة معينة في ادارة الدولة كما يرى ( تايلور ) في كتابه (مصادر الذات ) هذه المساحة اصبحت تكيف وفق رؤيا علمية عقلية في تشكيلة الدولة بل ان بعضها تمادى بعد ان تحولت هذه العقلية العلمية الى عقلية معادية للتشكيلة الدينية ، ووقعت بذات الخطأ الذي وقعت فيه الظاهرة الدينية من نظرة احادية . ان تحليل الظاهرة الدينية التي تتضخم ايديولو جيا بواسطة دخولها مناخات في السياسة الحزبية وجهاديا ضمن حركات الجهادية السلفية باعتبارها معارضة مسلحة تسعى الى التحرر واعادة الماضي الديني التليد ، ورغم اختلاف الرؤى بين الرؤيتين والتنظيرات التشكيلية لها الا انها تتفق في هدف واحد هو دولة الدين او دين الدولة ، وثمة خرق جوهري بين المفهومين ، ان دولة الدين تعني الحقيقة الايمانية وهذه الحقيقة هي التي ستشرعن القوانين والاوامر اضافة الى الدساتير وستكون بالتالي ( دولة الاحادية ) وهذه الدولة ستبني ( دولة الاستبداد ) الذي طالما عانت منه الشعوب ، وكأنما هي محاولة لجر عجلات التاريخ الى الوراء وهو ماتحاول الظاهرة الدينية عمله ببناءها الان حارقة مراحل متعددة من نضال الانسان في اتجاه تكريس حقوقه كانسان اولا وقبل كل شيء وهذه الامر تحقق له بإعلان حقوق الانسان عام ( 1948 ) وان عمل الظاهرة ضمن هذا الاساس هو عمل وقتي سيتركه الزمن ويرحل اما مفهوم ( دين الدولة ) فهو تأطير مرحلي وآني ومجاراة لمرحلة المفهوم الديمقراطي باعتبار الدين رؤى ومفهوم ديمقراطي وهذا لايستقيم مع مفهوم الحقيقة الإيمانية التي لاحياد عنها ولاتفاعل لها وبما ان الدولة هي دولة الافراد اذا هذا بالضرورة يعني وجود آلية مشتركة لادارة الدولة وان حصر ادارة الدولة ضمن مفهوم الظاهرة الدينية إداريا امرا لا يستقيم مع اتجاه الحياة الحاضرة ، كما ان حصر الدين كهوية هو إقحام له في اطار معين والدين اسمى من ان يوضع ضمن اطار معين وتغييب روحه الاشراقية في النفس هو قتل لعقائدية الدين وان النظرة الصحيحة التي صاغتها شعوب ودول عانت حالة الاحتراب بين فرض عقائد معينة على أفراد متعددة يشفع لنا ونحن نحاول ان نرى غدا مشرقا يلقي بظلاله على مناطق الشرق الأوسط ، ان الظاهرة الدينية فشلت سياسيا رغم نجاحاتها الانتخابية وهذا الامر يبدو غريبا فالذي نجح ليس الدين كسياسة وانما مانجح هو التعصب الديني للفرد حين وضع في خانة الاختبار العقائدي كما ان الدين فشل كظاهرة معارضة جهادية حيث ان ما سعت له الحركات الجهادية السلفية ارجع المفهوم الاشراقي من عناصر التداول والثقافة والاتساع إلى مفاهيم العدائية التي ترجمت تراجعا مهولا في النظرة الى الانسان عبر عمليات القتل والتفجير والتفخيخ وكل تلك هي اعداء حقيقية للحياة ، واخيرا حققت الظاهرة نجاحا في عملية التواصل مع الذات ومراجعتها لعقائدها ومفهومها بشكل جدي صحيح وتثبيت ماهو صالح ونبذ ماهو طالح بعيدا عن حالة السمو العقائدي الذي هو مقترن بالذات الالهية جلت قدرتها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |