أسدل الستار اليوم على واحدة من حلقات الموت الدامي الذي يلف المنطقة ويصبغها بصبغته القانية الحمراء، غير أنها فتحت عهداً جديداً من فلسفة التعاطي مع العصاة الخارجين عن القانون من القتلة والمجرمين والسفاحين الغلاة. فالموجة الجديدة والسائدة في الخطاب الاستفزازي البائس الرث، لم تعد ترى غضاضة أو حرجاً وخجلاً في إطلاق صفة الشهيد والشهادة على كل من هب ودب، وبمناسبة وبدون مناسبة، بحيث تساوت أسماء ومراتب الطغاة مع المناضلين الأحرار والشهداء الحقيقيين الأبرار. ومع سيادة وشيوع ثقافة تمجد الموت والنحر وزهق الأرواح، فلم يكن من المستغرب، البتة، أن يلطم الكتاب، وتنعق الأبواق على صنـّاع الموت، ومنتجيه، وتجاره الكبار. ومن هنا فقد تساوت أسماء مرعبة من مثل صدام حسين، وبرزان التكريتي، وعواد البندر، مع قامات باسقة شاهقة كعمر المختار، ويوسف العظمة، ومحمد الدرة على سبيل المثال لا الحصر، في إساءة بالغة ومقصودة لمعنى الاستشهاد السامي والتضحية بالنفس في سبيل الوطن والعرض والأرض والمبادئ والعقائد.
وقد بات هناك تشويش واضح وظاهر على هذا المفهوم والفعل الإنساني العظيم الذي لا يناله إلا القديسون والعظماء الجبابرة الأبطال. وأصبح إحقاق العدالة، وإدانة الطغاة في رأي وعرف "لاعبي الثلاث ورقات"، ومع التحفظ دائماً على عقوبة الإعدام وأسلوب تنفيذها الفج الذي لا يختلف أبداً، وبالمقارنة، مع أساليب الطغاة وطرق عملهم، سلوكاً مستنكراً وجرحاً لمشاعر وأحاسيس الطغاة الرقيقة جداً والذين لم يراعوا يوما حرمة، ولا إحساساً لأي كان. يحدث كل هذا، على الملأ، ودون خجل واستحياء، وفي تحد سافر لمشاعر أهالي الضحايا وأرواحهم التي أزهقت في نوبات مجون القتل العروبية الهستيرية، وحفلات الشواء والزار القومجية المعهودة والتي باتت ماركات مسجلة وباسمهم بالذات، وعلامات سياسية فارقة بامتياز.
فهل يعقل ويستوي، ويستقيم إلاّ في الفكر المشوّه "إياه" أن يكون جزّارو الأنفال، وأبو مصعب الزرقاوي، وبرزان، شهداءً وتقام لهم سرادق البكاء واللطم والرثاء والعزاء، ويوضعوا في نفس النسق والصف والمرتبة التي يحتلها مثلاً عز الدين القسام، وعبد القادر الجزائري، وشهداء الاستعمار، والسادس من مايو/ أيار 1916 الذين أعدمهم جمال باشا السفاح، وكل تلك القوافل الطويلة من الشهداء البررة الآخرين الذين قـُدموا قرابيناً على مذبح الشرف والكرامة والحرية والإباء؟ وألا يحق لنا بعد هذا اللغط والخلط أن نتساءل كيف، وعمّا تكون عليه الشهادة، ومن هم فعلاً الشهداء، وهل أصبح للطغيان شهداؤه كما للحرية شهداؤها؟
فالشهيد، والفقيد، والبطل المجاهد المؤمن، والضحية، والمغدور، والمظلوم، والمرحوم.....إلخ هي بضع من تلك الصفات التلقائية البسيطة التي باتت تطلق على الجلادين، والسفاحين، والجزارين. وبذا يصر فقهاء الاستعراب الجدد، وأبواق القومجية البائدة في نوبات الهيجان والسعار العروبي الكاذب، وفلول عصر الكوبونات المقبور، على تشويه المفاهيم وتزويرها، واغتصاب المفاهيم والقيم العذراء، واقتحام الذوات المثقلة، بمرارات الأفعال الشنعاء لنجوم القومجية وجرائمهم النكراء ضد مختلف شعوب المنطقة.
لسنا أبداً، ولن نكون يوماً، في موقع التهليل، والتشفي، والترحيب بقتل أي كان، ولا تأييد عقوبة الإعدام بحق أحد، كما أننا ضد سوء استخدام تنفيذ العدالة الذي قد لا يختلف كثيراً عن ممارسة القتل والطغيان والإجرام. ولكن هذا لا يعني بآن تبرئة المجرمين والقتلة والسفاحين مما اقترفتهم أيديهم، واعتبارهم شهداء، وإطلاق أعظم الصفات عليهم لمجرد أن يد العدالة نالت منهم بشكل أو بآخر.
فهل يترتب علينا بعد هذا الفحيح القومجي المسعور أن نعيد النظر بمفهوم الشهادة، وإعادة التقييم والاعتبار لكل الشهداء الحقيقيين العظام، والاعتذار منهم، وممن أصابه سوء وضرر جراء هذه الحماقات الغوغائية الفحشاء، فدمائهم الزكية الطاهرة تناشدنا وتستصرخنا ألا نسيء لتاريخهم، ولتضحياتهم وللمبادئ العظيمة والأهداف النبيلة التي قضوا من أجلها.
أنها أسئلة مشروعة في ظل ما نراه من تشويه ومنافقة وافتراء وهراء. وإنها، أولاً وأخيراً، دعوة لاحترام العقل، ليس إلا.
مسك الختام
عِـزٌّ في الحياةِ وفي المَمَاتِ**** لـَعُمـْريَ تلكَ إِحـْدى المُعْجـِزاتِ!!!!