سقى الله أيّام الغربة قبل ربع قرن، والملتقيات الصاخبة خارج العراق يا سيادة، رئيس"مجلس محافظة البصرة" السيّد " مُحمّد سَهر العبادي "، الذي وصلتني كلمته التي حيّا بها الشعراءَ ووصفهم بأنهم من يستطيعون أن يؤسِّسوا لثقافة أصيلة من خلال الأقلام النيّرة التي يحملونها، مباركا لجامعة مدينتي"حاضرة البصرة الطيّبة المُعطاء" جهدها في رعاية وإقامة هذا الملتقى موكدا دعمهُ المالي والمعنوي لكل ما يخدم الحركة الثقافية في البصرة " . وقد وصلتني على ما يبدو، عُجالة ٌ مُبتسرة ٌ، رسالة ُ هذا المُلتقى، الذي إنطلق على مدى ثلاثة أيّام بدء من 9 ك1/2007م، تحت شعار " المُلتقى التأسيسي لمُلتقى السيّاب"، وكان مُلتقى السَيّاب الإبداعي الثاني هذا، برعاية جامعة مدينتي الطيّبة التي لا تصلني أخبارها الطيّبة في مفاوز الغربة من لدن الزمن الضنين الشحيح المُجدب إلآ قطرٌ من غيثٍ عله ينهمرُ. والشعراء العشرة المبشّرة بإنطلاق السيّد الحرّ الحرف في فضاء هذا المُلتقى، هم؛ مُحمّد حسين آل ياسين، موفق مُحمّد، كاظم الحجاج، مُحمّد علي الخفاجي، عماد جبّار، طالب عبدالعزيز، حازم رشك، فرات صالح، عامرعاصي، ومجيد الموسوي. تحت شعار"الرواية العراقية أسئلة الكتابة والوجود" إنطلقت فعاليات الملتقى بحضور أكثر من مائة شخصية ثقافية وأدبية من كلّ أقطار بؤرة الإشعاع الحضاري العراق العريق، وكان ذلكم على قاعتي المركز الثقافي النفطي في البصرة ومركز دراسات الخليج العربي. وجاء في غضون وتضاعيف فعاليات الإفتتاح الصباحية كلمات الترحيب البصريّة من لدن رئيس الجامعة، الذي إحتفى بـ"جهود الخيرين وأصحاب النفوس العراقية .هذا المُلتقى إنْ سمحتم لي ليس نزهة نقضيها معاً وليس هو فسحة من الإسترخاء والإستراحة وتزجية الوقت والتسلية والسفر، كلا إنّ هذا المُلتقى شاء من شاء وأبى من أبى في حلقاته البحثية وندواته الحوارية والنقاشية في السّرد العراقي أنمّا يبعث برسالة جادة واضحة وأكيدة. هي أن أبناء البصرة بجامعتهم وأبناء العراق بحضوركم مُصرّون على الحياة ومُصرّون على الثقافة ومُصرّون على تقديس الحرية والإبداع وإعلاء مبادئ الجمال والإنسانية في الفن وخدمة هذا الإنسان الذي جعله الله سبحانه وتعالى، خليفته في الأرض ليعمرها ويبنيها وليقيم فيها عبادته الخالصة له وحده أيها الإخوة واضاف(واسمحوا لي باسمكم ان ارفع الصوت الاكاديمي هنا ممثلا لاعماقكم الشريفة بادانة الارهاب المجنون الاعمى وبكل أنواعه" .
ومن ثمّتْ جرى تكريم الباحث والدكتور داود سلوم بتسليمه درع الملتقى لما قدمه من بحوث ومؤلفات ودراسات طوال مسيرته الأكاديمية والأدبية وقد تمنى د. سلّوم تعضيد جامعة البصرة لبعض الكتب تخليدا للمُحتفى بالمُحتفى به. وكانت قراءة قصائد السياب مغناة من قبل طلبة كلية الفنون الجميلة في البصرة ومن جانبه قال الناقد فاضل ثامر رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين إن ما تقوم به جامعة البصرة من مشروع اكاديمي وثقافي كبير يوكد على قدرة المؤسسة التعليمية العراقية على ان تكون جزءا فاعلا ومؤثرا في البصرة لان البصرة حاضنة الثقافة وتزخر بطاقات خلاقة ومبدعة وفيها كبار المبدعين الذين أسسوا لثقافة حقيقية أمثال السياب والمبدعين الاخرين في كافة الاجناس الادبية ولهذا ارى بالا مكان بسب هذه المواصفات الثقافية والبشرية إن ندعو لاختيار البصرة عاصمة للثقافة من خلال هذا الحراك الواسع ومن خلال إنشاء دور للنشر ودور للسينما وللفرق الموسيقية والباليه والأوبرا لاستكمال البنية التحتية للثقافة البصرية والعراقية ونستطيع أن تستقطب ونكرس الكثير من التقاليد التي تتناسب وهذه الامكانات. وعن سبب اختيار الرواية العراقية محورا رئيسا في ملتقى السياب قال القاص د. لؤي حمزة عباس عضو اللجنة التحضيرية للملتقى:" إنها مناسبة للتعبير عن قدرة بدر شاكر السياب على الانفتاح على مختلف أنواع الإبداع ومنها السرد والذي يقدم اليوم صورة الحياة العراقية بمختلف تجسيداتها وأضاف "لم يكن السياب يوما محصورا في خانة واحدة وهي خانة الشعر وهو هدف الملتقى بتواصل دوراته لانفتاح على الثقافة بكافة انواعها وتشكيلاتها." وقدعقدت على قاعة الخليج العربي في جامعة البصرة الجلسة النقدية الأولى وقد شارك فيها القاصان مُحمّد خضير و حميد المختار تناول خضير تجربته في كتابة روايته كراسة كانون كما قدم المختار بعضا من تجربته وقدمت في الجلسة دراسات تقدم بها كل من الناقد د. مالك المطلبي والناقد جاسم عاصي والناقد حسن كريم عاتي والقاص شوقي كريم حسن والروائي عبد الرزاق المطلبي ،وضمن فعاليات اليوم الثاني من (ملتقى السياب)وخلال الجلسة النقدية الثانية قدمت بحوث لكل من الناقد: فاضل ثامر وعلي حسن الفواز وجبار الحلفي وصادق ناصر الصكر ،فيما شارك في المداخلات والتعقيبات كل من: الدكتور علي عباس علوان والدكتور داوود سلوم ود. مالك المطلبي والقاص جاسم عاصي والشاعر جمال الهاشمي وآخرين .تناولت الحوارات العلاقة بين الزمن والسرد والفعل السردي ، وقدم الناقد فاضل ثامر بحثا بعنوان (محاولة لصياغة الهوية السردية للمدينة) ، تناول فيه نصي القاصين محمد خضير (بصرياثا) ومهدي عيسى الصقر (حكاية مدينة) مقاربة افتراضية لإعادة خلق وصياغة مدينة متخيلة...
قائلا فيه :ربما تكون هي مدينة محددة ومحسوسة... ولكن من خلال استخدام مجسات وحبكات ومرويات تهدف إلى التغلغل في الزوايا الخفية والحية أساسا من هذه المدينة الفنتازية ،وبشكل خاص محاولة الاقتراب من أناسها ورموزها الثقافية والاجتماعية والتاريخية. وإذا ماكان كل مؤلف من هذين المؤلفين يعتمد أدواته واساليبه ولغاته الخاصة في بناء تضاريس هذه الرقعة الجغرافية – المكانية –الزمانية ،إلا أنهما ودون وعي مقصود يعمدان إلى خلق مايسميه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور ( بالبنية السردية) لهذه المدينة.وتابع قائلا "والهوية السردية في واقع الأمر جزء من نظرية سردية واسعة طورها ( بول ريكر) في كتابه الكبير ( الزمان والسرد) ،وهي لا تتحقق إلا بالتأليف السردي وحده حيث الفرد والجماعة معا في هويتهما من خلال الاستغراق في السرديات والحكايات التي تصير بالنسبة لهما بمثابة تاريخهما الفعلي ،حيث يصبح الزمن الإنساني هو الزمن الذي يعيد صياغة الهوية السردية.
وتابع ان كليهما لا يخفيان حضورهما السردي ؛ بل يعلنان من خلال الدخول في لعبة السرد عن فعل الكتابة السردية الواعي من قبل راو ضمني... ربما هو الذات الثانية للمؤلف أو قناعه ،فالمدينة تبدو لهما بكرا وكأنها تكتشف للوهلة الاولى... وهو مايمنح الرؤية تجددا وولادة بكرا.واعتبر ثامر أن النصين "غير تقليديين... تتداخل في فضائهما الاجناس الكتابية وغير الكتابية ،ويرتفع فيهما الوعي الذاتي بقصدية الكتابة السردية... وهو فضاء يمكن حسمه أو فهم مشروعيته جزئيا من خلال الاندراج ضمن مغامرة السرد النرجسي الذي اصطلح على تسميته بما وراء السرد . وخلص ثامر قائلا "وهكذا يشرع المؤلفان في نسج هوية سردية خاصة بهذه المدينة المتخيلة بمواد وبنيات ولبنات لسانية وسيميائية ودلالية من خلال حركة الزمن ،لكن دون انفصال عن الواقع المادي والروحي والثقافي والمعيشي للمدينة وأناسها وتأريخها... وهو نسق زمني يمتد أفقيا وعموديا.
وتناول الناقد علي حسن الفواز تجربة القاص جمعة اللامي قائلا "لايمكن تناول الحديث عن القصة العراقية دون الحديث عن اللامي ،الذي خضع للتجارب الحياتية بمدياتها القصوى: السجون ؛ التمرد ؛ إنهيار الايدلوجيا ؛ إنهيار المكان.
وأضاف " تمثل القاص كل هذه الوقائع التي تداخلت فيها الكثير من الاتجاهات بريبة ووعي متعال في التجريب الصوري والروائي ،فتحول أبطاله الواقعيون الثوريون إلى أبطال يملكون أقنعة.
,وتابع الفواز قائلا :لا أقول إن ( اللامي) يمثل ظاهرة متفردة... لكنه جزء من ظاهرة الاحتجاج في القصة العراقية التي أطلقها هو ومجا يليه ،حيث شكلوا ظاهرة التحديث والخروج على المدرسة الواقعية بكل أشكالها... وهذا ليس بعيدا عن تأثيرات المد الثقافي العربي والعالمي الجديد الذي خلف نوعا من التلاحم الساخن بين التقليدي وبين وعي أكثر سخونة صنع وعيا ثالثا لم تكن له جذور راسخة.وأشار الفواز إلى أنه لذلك فإن كتابات تلك المجموعة ،ومنهم جمعة اللامي " نجد فيها الخروج على المألوف والتجريب العالي ،حيث كانوا أشبه بمن يلامس الجمر... وربما كانت الخيبة والريبة هما من أنضجا هذا الوعي باكرا ،فقد وجد هؤلاء شقوقا سرية كان يجب أن يدخلوا فيها بما يملكون من تمرد ومغامرة... وانعكس هذا على كتاباتهم ،وربما تطورت بعد الستينيات ،وجمعة اللامي واحد من هذا الجيل الصاخب.
;كما قدم الدكتور جبار الحلفي بحثا بعنوان ( تجليات الهوية العراقية... والتحديث في الرواية العراقية) تناول فيه رواية القاص محمد خضير ( كراسة كانون) ومسرحية الكاتب الأسباني بويرو باييخو... اسماه تناصا بين ( كراسة كانون) و(حلم العقل) من حيث إقامة علاقات شكلية بين نص ونصوص أخرى ظهرت قبله بسنوات ،لا على هذا الإقتباس في الموضوع أو الإزاحة الشكلية بقدر ماهو إنعكاس للتراكم المعرفي ،ومن ثم تكريس التجارب العالمية في الأدب لموضوع محلي وهو مايندرج تحت موضوعة تلاقح الثقافات.وأضاف "مثلما كشف بويرو بايخو العلاقة المتأزمة والمتوترة بين المثقف والسلطة المستبدة ،من خلال شخصية الرسام (غويا)الذي رفض كل المغريات من قبل الملك (فرناندو). ورغم إحضاره إلى الملك وحواراته معه ،إلا أن الرسام كان يتغيب ويقدم أعذارا بواسطة الاب (دواسو)... وكانت الضربة التي قطعت العلاقة القسرية بين غويا والملك عندما رفض الرسام أوامر الملك في أن يرسم زوجاته."
وخلص الحلفي إلى " تماثل المكان والسلطة ( السياسية) بين رواية ( كراسة كانون)و(حلم العقل)،فالمكان والسلطة هما محور المادة الروائية في الرواية... كما هو في المسرحية ،فالمكان فضاء المدينة محدد تاريخيا حيث نشبت الحرب ودمرت المدينة والإنسان.
ثمّ دارَ العديد من الحوارات، بدأها الناقد علي عباس علوان رئيس جامعة البصرة قائلا "في تقديري أن أدباء أمريكيا اللاتينية مثل بورخيس وماركيز ،معظمهم قرأ ( ألف ليلة وليلة) واثارتهم روعة الحكايات الصغيرة داخل الحكاية الكبيرة التي تجري في نسق لولبي آسر وأخاذ.
وتطرّق الى الأدباء الأجانب واعتمادهم على التراث العربي كمرجعية للكثير من أعمالهم . وقال الناقد الدكتور مالك المطلبي أرى أن القاعة التي تناقش (علم السرد) قاعة غير محترفة بنسبة عالية،موضحا نحن نزعم أن المؤلف الذي هو مالك تجاربه ونسقه المالك الكامل للنص ،وهو موجود دائما على حافة النص. وأشار إلى أن التجارب تتحدث عن نفسها بشكل مباشر دون حساب لغرض محدد.
وفي معرض حديثه عن بحث الناقد فاضل ثامر قال المطلبي "إن ثامر تكلم عن ( اللاهوت البنيوي) أكثر مما تكلم عن محمد خضير.وأضاف " نريد أن ندخل في عالم السرد لا في عالم التنظيرات السردية" ،مشيرا إلى أن بحث الناقد علي حسن الفواز تحدث عن جمعة اللامي فردا... ولم يتحدث عنه قاصا.ومضى المطلبي قائلا "يجب أن ندخل في منظومة جمعة اللامي القصصية ،وعلينا أن نتكلم في الأنساق... وليس في ماقبل النسق. ثمّ أصدرت اللجنة التحضيرية للملتقى بيانا ختاميا قرأ من قبل عضو اللجنة التحضيرية الدكتور لؤي حمزة عباس أوضح فيه ان الاحتفاء برموز الفكر والمعرفة في العراق يعد إعترافا بمسيرتهم الخلاقة وادوارهم الفاعلة في خلق جيل متنور داخل الجامعة وخارجها آملين في تكريم مبدعينا ممن أسهموا في تشكيل صورة العراق ومنحها بعدها الانساني من خلال تهيئة المناخ من قبل نخبة طيبة من الكتاب والفنانين والمثقفين العراقيين ممن شاركوا في الملتقى لتأمل حركية الرواية العراقية بين محوري النشأة والهوية والتحديث الأمر الذي جسد سمة إبداعية للملتقى."